في قلبها الفتي المضرج بالحزن... رأت الحقيقة واضحة ...أيامها التي تكاد أن تكون معدودة في الدنيا تقترب من النهاية ...
سراب سيدة عاملة نشيطة تمتلئ بالحيوية , لا تنفك تنتقل من مكان إلى آخر كعصفور بري صغير تعلم الطيران حديثا ...
حياتها تغص بالأعمال فهي زوجة و أم و عاملة ..... حين كانت على مفترق طرق الحياة فكرت كثيرا : زوجها , أطفالها , العمل , السعادة ... و أخيرا قررت بعد إذ نهضت عن صدر والدتها الحنون ...
( استمري يا ابنتي ... فنحن النساء ولدنا للتضحيات , حياتنا لا تكون ملكنا يوما و لكننا نملك الحياة بأسرها كل يوم )
نعم
قررت الاستمرار
أستطيع التوفيق بين صغاري , عملي , و حتى زوجي الملحاح
بدأت الأمور بشكل جيد .. فهي أم لثلاثة أطفال لم يتجاوز أكبرهم العاشرة , سيدة أعمال تملك وظيفة محترمة في شركة جيدة و زوجها كذلك يعمل في شركة أجنبية مما يؤمن دخلا جيدا و كافيا لأسرة كتلك ...
لكن المشاكل تبدأ حين يقرر رئيس الشركة التي يعمل بها الزوج نقله إلى فرع الشركة في الموطن الأصلي لها , لكفاءته طبعا و تميزه الدؤوب ..
و مرة ثانية تحمل سراب عبئا جديدا يزداد فوق أعبائها التي ينوء بها أعتى الرجال ... فعليها الآن تربية أولادها تربية صالحة بعيدة عن المجتمع الذي يتربصهم كالوحش المتعطش للحوم غضة ....
و تمضي السنون و الأطفال تكبر ... مشاكلهم .. همومهم و أسئلتهم تكثر .. يصلون سن المراهقة و هي تخطو أمامهم لتؤمن لهم الطريق ... لتعبدها و لتسيجها بأهدابها التي استحالت نصالا تذود عنهم .....
توجه هذا و تعيد ذاك إلى جادة الصواب و تحمي آخر من غدر حزن ينتظر فرصة لينقض ... و لكن ... من يحميها هي و قد فقدت كل من يساندها ؟
حين سافر زوجها قاومت ... حين توفيت والدتها رممت جدران قلبها كي لا تنهار ففيه أمانات ثلاث صغيرة .. تركها زوج سرقه العمل و الايام عنهم و لم يدر أن زوجته التي تركها في الوطن كانت تسرق منه كذلك دون علمها هي نفسها ... حاقد خبيث تربص صدرها و أخذ ينتشر فيه ... يسلب منه أنفاسه ... يحطم حياتها و يبعدها عن صغارها ...
السرطان يتركها وحيدة متألمة ..
دموع حارة تنهمر على خدين لم يعرفا الحنان منذ فترة ... و آلام شديدة تجتاح صدرها الذي لم يستأثر بالحنان مرة ...
تسقط على الأرض أمام سريرها الذي لم تفقد ملاءته ترتيبها إثر النوم عليها منذ أيام ...
و هناك تسمع صوتا عذبا يتناهى إلى مسمعها إنه ... إنه مزيج من الأصوات التي أحبتها ... أعطتها كل حياتها و لم تقدم لها في النهاية إلا قلبا مهشما و صدرا ضاق فاتسع حتى أصبح أكبر من الحياة نفسها ... صوت أطفالها الذين كانوا يوما أطفالا ... صوت زوجها : سأعود يا غاليتي .. سأعود ...... و لكن ... متى...