الملاك
أولا, أعتذر بإطالة على تأخري في الرد على هذه التحفة الرائعة!
كما قالت هدى, إذا أردنا مقاربة القصة من زاوية التحليل النفسي فلربما ملأنا جرائد. القصة رااائعة جدا, و أنا أغبطك و هدى لأنكما تعرفانها منذ زمن بعيد .. أنت من الطفولة وهدى من أيام الثالث الثانوي, قرأتها منذ عشرين يوما تقريبا .. و الآن قرأتها مرة أخرى .. و قد تأثرت كثيرا بها .. و اغرورقت عيناي بالدموع عندما قرأت سطورها الأخيرة . . فعلا مؤثرة جدا جدا.
لأتحدث باختصار عن علاقة العنوان بالقصة. نلاحظ, كما قالت هدى, أن العنوان شامل, فهو مألف من كلمة واحدة, و كلما زادت الكلمات بالعنوان زاد التحديد أكثر .. و أجبر الكاتب نفسه للكتابة في مجال ضيق أكثر. قال "الحرب" .. بدون أي تعليق آخر . . ففتح المجال لنفسه للكتابة عن أي شئ ..و كم هي كثيرة الحروب في الحياة.
حسنا, انطلاقا مما كتبت, أستطيع كقارئ أن أميز ثلاث مراحل في هذه القصة, و في كل مرحلة من هذه المراحل هناك حرب من نوع خاص. سأبدأ بالمرحلة الأولى. تتحدث المرحلة الأولى عن حرب حقيقية .. ليس بالضرورة أن يكتب عن الحرب نفسها .. إنما يكفي للكاتب أن يكب عن نتائجها ليهجوها و ينتقدها .. في هذا القسم نجد وصفا للمشهد .. و لاحظي معي هذه الكلمات و العبارات المستخدمة من قبل الكاتب:
-سيدة .. في ثياب الحداد
- زوجها يلهث و يئن
- وجهه أبيض بلون الموت
- على وجهه ابتسامة حزينة
- همهم الرجل .. "عالم بغيض"
- كانت الأم تتلوى تحت المعطف .. و كانت تئن
إذا, كل هذه العبارت تضعنا في جو الحرب .. الحرب الحقيقية التي يفهمها كل شخص. تحدث الكاتب عن الحرب من خلال تحدثه عن آثار الحرب. أنهي الجزي الأول هنا ..
يبدأ الجزء الثاني من القصة مع بداية انقلاب موضوع القصة من وصف آثار الحرب و كآبتها إلى الحديث عن الشبان و الوطن و حب الأولاد و كيف أن الآباء لا يميزون بين أولادهم إلى آخره .. و هنا نجد أن كل شخص يعطي وجهة نظره و يؤمن بها .. و كأنها "حرب أفكار" بين هؤلاء الرجال .. فكل يود أن ينتصر لرأيه .. واحد يرى أنه يتعذب أكثر ان كان له ولد وحيد في الحرب .. آخر لديه أكثر من ولد يقول بأنه يتعذب أكثر لأن عذابه مضاعف .. الخ .. كل يود أن يثبت أن كلامه هو الصحيح .. على العموم .. أستطيع تسميتها "حرب" هنا .. إلا أنها ليست الأساس في القصة .. و أنتقل هنا للحديث عن الجزء الثالث.
أعتقد أن الجزء الثالث هو الأهم .. يبدأ الجزء الثالث مع بداية حديث الرجل البدين عن فقده لولده في الحرب .. فقط لنكتشف في النهاية أنه يعيش أقسى حرب .. تدور رحى حربه في صدره .. ساعة يقنع نفسه بالتأقلم على موت ولده .. و يبدأ بالتبرير و اقناع نفسه به .. و ساعة أخرى لا يحتمل فكرة أن ولده "قد مات" .. وهذا ما نجده في آخر القصة حين ينفجر بالبكاء ..
شخصيا .. و إذا كنا سندخل في متاهة ماذا قصد الكاتب من خلال كلمة الحرب, أنا أرى أنه قصد ذلك الصراع الداخلي الذي يعيشه كل انسان ..تلك هي الحرب الحق .. و تلك التي تؤلم أكثر .. و تلك التي تدمر الروح لا الجسد .. هذه هي الحرب ..
و الله يعين هالرجل البدين
هدى
اقتباس:
إن ارتباط العنوان بالموضوع ، هو في الحقيقة : أثر الحرب، لا الحرب نفسها ..
أحسنت القول هدى, و أنا أنسب هذا القول للجزء الأول في تقسيماتي لهذه القصة ..
سيعود النور إلى الحياة يوما, ليكون هدى في الطريق الحالك
و ما زلنا ننتظر . .
جميل جدا هذا التوقيع ..
الملاك
القصة رائعة بالكامل .. لكن أود إقتباس شيئ قد أعجبني كثيرا..
"فالحب الذي يغدقه الأب على أبنائه ليس مثل رغيف من الخبر يقسمه إلى قطع يوزعها على الأولاد بالتساوي، إن الأب يعطي حبه كله لكل واحد من أبنائه بدون تمييز سواء كانوا واحداً أو عشرة.. وإذا كنت أتعذب الآن على ولديّ الإثنين فأنا لا أتعذب نصف عذاب على كل واحد منهما، ولكن أتعذب على نحو مضاعف.."
كلام رائع ..
انتقاؤك للقصة أروع .. و كل من قرأها ولم يكن يعرفها يدين لك بأن يقدم شيئا لم تكوني تعرفيه من قبل
