قال الله تعالى:
( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً ).

ما أسرع مرور الأيام ، وانقضاء الشهور والأعوام ، يمضي عام ، لا ندري هل قبلت فيه أعمالنا أم لم تقبل ، ويقبل عام ،
لا ندري ما الله صانع فيه ، ونرجو أن تكون أعوامنا كلها خير و بركة وسلام على المسلمين جميعاً ، في مشارق الأرض ومغاربها .
و مع إطلالة كل عام جديد ، لابد لنا من وقفة مع النفس نحاسبها ، لقد نقص من عمرنا عام ، قربت فيه آجالنا منا ، فماذا قدمنا خلاله ؟
إن التاجر في نهاية كل سنة يعيد حساباته ماذا ربح وماذا خسر ، وينبغي علينا ـ نحن المسلمين ـ أن نحاسب أنفسنا ماذا قدمنا لآخرتنا من عمل الخير وخير العمل ، امتثالاً لقول الله تعالى :
( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ) ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من اتبّع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ".
وقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم وتهيئوا للعرض الأكبر على الله يوم القيامة.
وقال ابن عطاء الله السكندري رحمه الله: أصل كل معصية وخطيئة وشهوة ، الرضا عن النفس.
وقال الشاعر شرف الدين البوصيري ، رحمه الله:
والنفس كالطفل إن تهمله شبّ على = حبّ الرّضاع وإن تفطمه ينفطم

وقال أيضاً:
وخالف النفس والشيطان وأعصهما = وإن هما محضاك النّصح فاتهم

الحياة قصيرة ، فلا تقصرها بالهموم والأكدار، كما يقول الشيخ عبد الرحمن السّعدي رحمه الله ... وهي فرصة طيبة
لعمل الخير، فالدنيا مزرعة الآخرة ، وتضييع الفرصة غصة، والوقت هو الحياة، والوقت أغلى من الذهب،
لأن الذهب إذا ضاع فإنه يعوض، أما إذا ضاع الوقت فإنه لا يعوض، ولذلك استثمر كل لحظة ولا تضع
من وقتك لحظة ، فإن من علامة المقت إضاعة الوقت ، يقول التابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله تعالى :
ما من يوم ينشق فجره إلا و ينادي : يا بن آدم ، أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنم مني فاني
لا أعود إلى يوم القيامة ، ويقول الحسن أيضاً : يا بن آدم إنما أنت أيام مجتمعة وكلما ذهب يوم ذهب بعضك .
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أي يوم طلعت شمسه ــ نقص فيه أجلي ــ ولم أزدد فيه علماً فلا بورك في طلوع شمس
ذلك اليوم .
وقال الخليفة العادل الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى : إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما .
وقال جده العظيم فاروق الإسلام العبقري الملهم ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه:
اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً،
وقال المسيح عيسى بن مريم عليه السلام:
إن الليل والنهار خزانتان فانظروا ما تضعون فيهما،
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك،
ولأهمية الوقت وعظم شأنه وجلالة قدره ، فقد أقسم الله به وبأجزاء منه في العديد من آيات القرآن الكريم ،
فقال تعالى: ( والفجر وليال عشر )، وقال سبحانه: ( والضحى والليل إذا سجى )، وقال عز وجل
: ( والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )،
وقال تعالى: ( والليل إذا يغشى* والنهار إذا تجلى ).
حتى يعلمنا تنظيم أوقاتنا ويلفت أنظارنا وانتباهنا لنستغلها ونستثمرها في طاعة الله سبحانه وتعالى ، وقال صلى الله عليه وسلم:
" اغتنم خمساً قبل خمس:شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ".
والوقت نعمة ومسؤولية فلا نجعله نقمة ... قال صلى الله عليه وسلم : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ".
وقال الشاعر:
إنّ الشّباب والفراغ والجدة = مفسدة للمرء أي مفسدة

وقال أمير الشّعراء ، أحمد شوقي ، رحمه الله:
دقات قلب المرء قائلة له = إن الحياة دقائق وثوان

فاحفظ لنفسك بعد موتك ذكرها = فالذكر للإنسان عمر ثان
وقال غيره:
وإنما المرء حديث بعده = فكن حديثاً حسناً لمن وعى

وفقنا الله جميعاً لما فيه خير الدنيا والآخرة .. والحمد لله أولاً وآخراً .

منقول للأمانة