مهارات التفكير في الصورة الشعرية

محمود دياب · **مرسل:** الجمعة أغسطس 07, 2009 2:30 am

مهارات التفكير في الصورة الشعرية
الصورة الشعرية طاقة تعبيرية هائلة الإمكانات متنوعة المستويات، وهي تشتمل في الوقت نفسه على مهارات فكرية عديدة ، شريطة أن يحسن الشاعر ابتكارها ، ويجيد توظيفها في اللوحات الشعرية بالقدر المناسب والكيفية المناسبة ، ولذا يقول أحد مفكّري الصين : "إن صورة شعرية واحدة تساوي في قيمتها عشرة آلاف كلمة ".
بلى ، إنّ الصورة الشعرية منجم جمالي خصب بإمكانية ممارسة عدد مهم من الآليات العقلية اللتي لا بدّ من توافرها لتحقيق التفكير سواء أكان إبداعي أم غير إبداعي ، ومن أهم تلك الآليات
أمور ستة هي:
أولاً: أدراك الخصائص الواقعية والحسية للأشياء.
ثانياً: تحولات الكم والكيف وتبادل المواقع بين الحسّي والذهني.
ثالثاً: إدراك أوجه المماثلة والمفارقة بين الأشياء والأمور.
رابعاً:إدراك العلاقات البنائية القائمة بين الأشياء والأمور.
خامساً:بناء علاقات جمالية جديدة بين عناصر اللوحة الشعرية .
سادساً:توافر الإيحاء، والانتقال من المعنى إلى معنى المعنى.
*والصورة الشعرية في كل الأحوال هي بنت الخيال وربيبتهُ،ولا صورة شعرية مبدعة من غير خيال مبدع خلّاق ،كما أنّ الصورة الشعرية قرينة الحلم، وكثير من الإبداعات في مجال التفكير والعلم إنما كانت بداياتها أخيلة و أحلاماً ، وها هو ذا فردريك نيتشه يقول:"وا أسفاه !! إنّ بين الأرض والسماء أموراً كثيرة لا يحلمُ بها إلا الشعراء "
*أنموذج تحليلي:
يقول النّضر بن جؤيّة مفتخر بقومه :
لا يألفُ الدرهمُ المضروبُ صُرّتَنَا..................ولكن يمرُّ عليها وهو منطلقُ

*العنصران المؤسسان في هذه الصورة الشعرية ماديان حسيان ،ابتكرهما البشر لأغراض نفعية(الدرهم\الصرة)،والصرّة ذات طابع مكاني ستاتيكي (سكوني) ،وعلى الرغم من أن الدرهم أيضاً ينتمي بدوره إلى عالم الجماد ،وأنّهُ ذو طابع سكوني أيضاً،إلّا أنّ الشاعر خلع عنهُ هذه الصفة(رداء السكونية)،وألبسه رداء الحيوية(أكسبهُ الطابع الديناميكي)،فبات الدرهم رافضاً
أن ينتهي إلى العدم الوجودي في غيابة (الصرة )،بل أصبح متمسكاً بالحضور من خلال الحركة الدائبة (يمرُّ\ينطلقُ)
براعة الشاعر في تكوين الصورة الماضية تتجلى بأنهُ أخرج الدرهم من كونه كتلة ساكنة لا حول لها، إلى إرادة واعية وقدرة فاعلة وحرية وحياة لها غاية .
*نستطيع الآن أن نلاحظ أن العمليات الفكرية اللتي تشتمل عليها الصورة هي:
- إدراك الخصائص الحسية للأشياء (الدرهم\ الصرة)
- تحولات الكم والكيف (عنصر التشخيص في صورة الدرهم)
- إدراك المفارقة بين المتناقضات (سكون الصرة\حركة الدرهم)
- بناء علاقات جديدة بين مكونات الصورة (الدرهم يمر بسرعة على الصرّة)
- تحقق عنصر الإيحاء (معنى المعنى)بدلالتيه:
الدلالة الإيجابية (وصف الشاعر قومه بالجود والأريحية)
الدلالة السلبية ( يجرّد الآخرين ضمناً من الجود والأريحية)
*الحق أن ما من صورة شعرية إلا وتشتمل على بعض مهارات التفكير ، ولو شئنا الاسترسال في تحليل الصور الشعرية على هذا النمط لطال بنا الحديث،لكن أرجو أن أكون قد منحتُ شيئاً من الفائدة لكل من يقرأ هذه السطور.
ثمة أبيات لإيليا أتمنى أن نتأملها ونحاول استخلاص الصور الشعرية التي تتضمنها:
حــــيّ الشّام مهنّداً وكتابــــا..................والغوطة الحمراء والمحرابا
ليست قباباً مـا رأيتَ وإنـمـا..................عزمٌ تمرّد ، فاستطالَ قبابـــا
روحٌ أطلّ من السماء عشيةً..................فرأى الجمالَ هنا فحنّ فذابــا

عاشقة العربية · **مرسل:** الجمعة أغسطس 07, 2009 4:02 am

محمود دياب,
أشكرك حقا على هذا الانتقاء، ففي موضوعك هذا ارتقيت بالتحليل البلاغي البسيط للصورة إلى تحليل أعمّ وأدق لصورة كاملة بنظريات حديثة وجديدة على تحليلنا العربي المعتاد قبلاً
أو بمعنى آخر أكسبت تحليلات الصورة الشعرية مسميات و مصطلحات جديدة للأنواع البلاغية في علم البلاغة

اقتباس:

خامساً:بناء علاقات جمالية جديدة بين عناصر اللوحة الشعرية .
سادساً:توافر الإيحاء، والانتقال من المعنى إلى معنى المعنى.

هذه أعدّها أهم ميزات الصورة الشعرية

اقتباس:

يقول النّضر بن جؤيّة مفتخراً بقومه :
لا يألفُ الدرهمُ المضروبُ صُرّتَنَا..................ولكن يمرُّ عليها وهو منطلقُ

سنرى كيف انتقلنا من البلاغة إلى النقد والتحليل الحديثين
شبه الدرهم بإنسان يألف .. استعارة مكنية
وشبهه أيضا بإنسان يمرّ سريعا .. استعارة مكنية، وفي كلا الاستعارتين تشخيص
وببعض النظر إلى تحليلك للصورة الشعرية سنرى تطورا ملحوظا في التحليل البلاغي والنقدي
رائع

اقتباس:

حــــيّ الشّام مهنّداً وكتابــــا..................والغوطة الحمراء والمحرابا
ليست قباباً مـا رأيتَ وإنـمـا..................عزمٌ تمرّد ، فاستطالَ قبابـــا
روحٌ أطلّ من السماء عشيةً..................فرأى الجمالَ هنا فحنّ فذابــا

هناك صور شعرية تمتدّ على عدة أبيات أو أسطر شعرية وذلك يتبع الحالة الشعورية
سأجرب ..
أرى مؤسسا الصورة هنا : الشام وروح التمرد الذي فيها، لكن هذه الروح ثانوية جاءت على الشام، ذلك لأنها حركية والشام سكونية، فجاءت روح التمرد لتكسب لشام حركة مثلها فتتحولا معاً إلى امرين متحركين
فاكتسبت الشام هنا إرادة لتحقيق ثورتها
الشام ليست جمودا فحسب بل فيها شخوص ووجوه .. فيها المهند والكتاب والقباب والمحراب والغوطة المضرجة بالدماء، وهذه من المفارقات
وقد بنيت علاقات جديدة .. فها هي الشام ذات علاقة مع العزم
والتشخيص في رسم الشام ثائرا متمردا فهذا من تحولات الكم والكيف

سؤال
هل هذا الموضوع منقول ام هو جهد منك ؟
أشكرك ثانية

محمد نور خبير · **مرسل:** السبت أغسطس 08, 2009 12:43 am

شكراً لك على الموضوع المفيد والرائع

محمود دياب · **مرسل:** السبت أغسطس 08, 2009 2:12 am

هدى.......

أشكرك أنا و موضوعي عمّا قلتيهِ عنّا

*بالنسبة لتحليلكِ للصور الشعرية الموجودة في أبيات إيليا ، أراك قد اختصرتِ الكثير من الكلام
وأراك ذهبتِ للفكرة أكثر من الصورة ،حيث أن فكرة الأبيات هي تعظيم الشام والإشارة إلى تمردها على كل من يعتدي عليها ،أما بالنسبة للصور الشعرية فأرجو أن تسمحي لي بشيء من التفصيل..
*في البيت الأول العناصر المؤسسة للصورة هي"السيف والكتاب والغوطة والمحراب"
طبعا الشاعر يطلب منّا أن نرمي السلام على هذه الأشياء، أي أنّ الشاعر بثّ الروح فيها
ونقلها من عالمها السكوني إلى العالم الحيّ المتفاعل
في البيت الثاني أراد الشاعر أن ينقل لنا إحساسه بانبثاق القباب في الفضاء بأنها عزيمة الشام وأهلها التي ما فوقها فوق، لعلّ الصورة تكون أقوى في البيت الأول ،ارتأيتُ أن يبقى البيت الثالث
لمن يأتي بعدنا
*هل هذا الموضوع منقول أم هو من جهدك؟؟؟؟؟
إن كان القصد منقول من منتدى أو موقع آخر، فطبعاً لا.
أما إن كان القصد منقول من كتاب أو مرجع ،فأقول بأن آليات بناء الصورة الشعرية ،أي الأمور التي أشرتُ إليها في بداية الموضوع هي أسس ومرتكزات وهي موجودة في أكثر من كتاب
(الكون الشعري للدكتور أحمد خليل—أقانيم الشعر لعبد الكريم الناعم—وفي كتاب العمدة)
أما ما سواها فبإذن الله صناعة يدي.
على فكرة بساطة المثال الذي حللتهُ في موضوعي يدلّ أنّ صاحب الموضوع ليس صاحب باع طويل في اللغة العربية ، ولعلّي سأعترف لك بشيء أن البيت الذي كنتُ سأضعه كنموذج تحليلي هو بيت المتنبي"الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني......والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ"
لكن بصراحة دوخني هذا البيت بعد أن أمضيتُ معه أكثر من يومين فلم أستطع السيطرة عليه ،فاخترتُ كما رأيتِ بيتاً يكون (على قد) طلاب الاقتصاد.
دمتِ للغتكِ راعية.

جنى · **مرسل:** السبت أغسطس 08, 2009 3:41 am

بشكرك أخ محمود على هالموضوع المميز والتحليل الرائع

لأنو الصور الشعرية من أهم عناصر تكوين القصيدة سواء باللغة العربية أو حتى
باللغات الاخرى متل الفرنسية لانو من خلال دراستي للغة الفرنسية عانيت من الإكتشاف للصور الشعرية عند بعض الشعراء ولا زلت اعاني فهو عنصر مهم في تكوين القصيدة
وبشكر الأخت هدى على على شرحها للصور الموجودة في الابيات

تقبّل مروري

محمود دياب · **مرسل:** الاثنين أغسطس 10, 2009 12:20 am

mnkh3
أشكر مرورك واطلاعك على الموضوع

جنى
أشكر كلامك العذب وأرجو أن أكون قدمت شيئاً من الفائدة

عاشقة العربية · **مرسل:** الجمعة أغسطس 21, 2009 3:08 am

جنى,
جميل أن تعطري قسم البلاغة والعروض، أشكر قراءتك

محمود دياب,

اقتباس:

أراك قد اختصرتِ الكثير من الكلام
وأراك ذهبتِ للفكرة أكثر من الصورة

ربما لأنني شرحت الصورة الشعرية كاملة دون الخوض في تفاصيل كل بيت
ولكن ربما بقليل من الأمثلة والوقت أستطيع أن أناقش الطريقة الجديدة والرأي الآخر

اقتباس:

*في البيت الأول العناصر المؤسسة للصورة هي"السيف والكتاب والغوطة والمحراب"
طبعا الشاعر يطلب منّا أن نرمي السلام على هذه الأشياء، أي أنّ الشاعر بثّ الروح فيها
ونقلها من عالمها السكوني إلى العالم الحيّ المتفاعل
في البيت الثاني أراد الشاعر أن ينقل لنا إحساسه بانبثاق القباب في الفضاء بأنها عزيمة الشام وأهلها التي ما فوقها فوق،

اهاااا

أجمل ما شدني في الموضوع أنه نقل نظري وتطبيق عملي، وهذا هو النقد ذاته
سنرى من يحاول ان يحلل البيت الثالث .. حتى نفكر في بيت المتنبي ونصل فيه إلى حل نقدي
سلمت يداك

عـــلاء · **مرسل:** الخميس أغسطس 27, 2009 12:49 am

روحٌ أطلّ من السماء عشيةً..................فرأى الجمالَ هنا فحنّ فذابــا
لا أدري سيدي ففي هذا البيت رأيت ألف شرح فكلما أنتهي من شرحه يخطر ببالي شئ آخر والأغرب أنه لم يخطر ببالي شيئين متشابهين
ولكن أعتقد أن الروح هنا أتت بمعنى الشهداء الّذين استشهدوا لأجل أرض دمشق
وحين رؤا الأرض محررة على أيدي الأبطال الّذين خلفوهم فتأكدوا أن على أرض الشام لايذهب شيئاً سدى
أعتقد أن هذا الشئ خاطئ ولكنّي أحاول
وسلمت يداك سيدي على الموضوع المذهل
وتقبل مروري المتواضع

محمود دياب · **مرسل:** السبت أغسطس 29, 2009 2:56 am

هدى...
(((((سنرى من يحاول ان يحلل البيت الثالث .....))))
لا أعتقد أن المحاولات ستكون كثيفة لكن لننتظر قليلاً
(((((حتى نفكر في بيت المتنبي ونصل فيه إلى حل نقدي .....)))))
الله يسامحك اعرفتي نقطة ضعفي وبدك اتورطيني

مشكورة على اهتمامك
علاء ....
مشكور أخي على اطلاعك
لكن أعتقد أنك قد انحرفت عن اللبّ قليلاً نحو الهامش
على كلّ حال سوف يمرّ بعدي من هم أكثر خبرة منّي بمحور حديثنا
ويحكموا
دمت قارئاً

عاشقة العربية · **مرسل:** الأحد أغسطس 30, 2009 5:30 pm

عـــلاء,
ربما أشرتَ إلى ناحية أخرى لهذه الروح وهي روح الشهداء ولا نستطيع تخطيئها فهي تحليل

اقتباس:

روحٌ أطلّ من السماء عشيةً ... فرأى الجمالَ هنا فحنّ فذابــا

لنجرب ..
هذه الروح اكتسبت الحركة ولبست الحياة، وحين رأت جمال دمشق ذابت حبا بها
روح التمرد هنا امتزجت بجمال دمشق، فكانت دمشق هي الساكنة والروح فيها متحركة .. فخُلِق التضاد

محمود دياب,
ما رأيك ؟ هل يمكنك أن تبدي رأيك لننتقل إلى بيت المتنبي ؟
لأن انتظارنا قد يطول إن انتظرنا المحاولات القادمة

LATEST_POSTS

قوانين المنتدى

مهارات التفكير في الصورة الشعرية

الموجودون الآن