|
تحية طيبه, وبعد :لحظات إسلامية في البلاد الأجنبية
بسم الله الرحمن الرحيم...........
في بلاد الغربة البعيدة نرى الكفر جليا و الفسق و الرذيلة معلنة منتشرة كانتشار النار في الحطب.....و مع هوان الأمة الحالي و ضعفها و عجزها أصبحنا في أعينهم صغارا لا يأخذ لنا رأي و لا يحسب لنا حساب و نحن جل همنا متابعة أو ملاحقة الأمور الثانوية التي لا ترتبط بأصل العقيدة و نسأل أنفسنا هل فلان حف شاربه أم لا ؟!!!!
اضحك و أتذكر قول المتنبي:
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم *** يا أمة ضحكت من جهلها الأمم؟
لكن و بالرغم من ذالك و مع كل ما يحيط بي من جهل و انحطاط أخلاقي و فساد اجتماعي رأيت نماذج أو صادفت مواقف لم و لن أراها و إن أمضيت عمري كله في أي بلد من بلاد المسلمين والله أعلم.
مواقف تهز الجبال و تدمع العين و تقوي القلوب و تثبت بأن الله ناصر لدينه أين ما كان, و أن الجيل القادم هو جيل التحرر من عبودية الظلام و إرجاع المغتصبات إن شاء الله تعالى....
خمسة مواقف سأقصها عليكم و مع كل موقف نأخذ عبرة و درس أو حتى ذكره طيبة ....
موقفي الأول كان مع شخص تونسي عمره يناهز الأربعين عاما, سلفي بلحية متوسطة الطول, أخذنا نتكلم عن تونس و عن طاغيتها الأكبر زين العابدين, فحدثني عن سفره المتكرر لتونس و مع كل مره يوقف بالمطار و يفتح معه تحقيق طويل و لا يخلو الأمر من الإيذاء و الاهانة و أسئلة حقيرة كهذه " لماذا لحيتك طويلة " ؟؟؟؟
فقلت له يا صاحبي لماذا تجلب لنفسك الضرر !!! خفف لحيتك و لا تلقي بنفسك للتهلكة بين أيدي أعداء الله....فأجابني لا و الله ما أنا بفاعل, بل الغاية أن أقف أمام الله سبحان و تعالى أرجو رحمته و أقول له ياااااااااااااااا رب لقد أوذيت في سبيلك بسبب لحيتي هذه فلا تذقها النار.
آآآآآه ما أشد جهلي و تفكيري السطحي, و نسيت أن على الإنسان وضع و ترتيب أولوياته في هذه الحياة و هذا ما فعله صاحبي فعلا.... تمنيت أني لم أقل له شيئا و لم اقدم له أي نصيحة تذكر.
موقفي الثاني كان مع الشخص نفسه....بعد صلاة الجمعة تقابلنا و تكلمنا عن موضوع يخصه و يطلب مني المساعدة...فهو يريد أن يعمل بإحدى بلاد الخليج - السعودية تحديدا- تاركا فرنسا بما فيها – مع انه متزوج بفرنسية و لو منها أولاد - .......
دخلنا بتفاصيل الأمر و كيفيته و كان ابنه الصغير- الذي لا يتعدى خمس سنوات مرتديا ثوبه الأبيض و طاقية بيضاء - يلعب و يقفز بالقرب منا ......عندما الحديث على نهايته قال لي صاحبي يا أبا الجود افعل ما بوسعك فاني غايتي الهجرة في سبيل الله , و أشار بسبابته إلى ابنه صغير و أضاف : أترى ابني هذا, و الله إني وهبته في سبيل الله لأعلمه الدين بين أيدي أهل العلم فيفيد الإسلام و المسلمين....
اثر كلامه في نفسي كثيرا , و أدعوت الله أن يجعل ابنه للمسلمين إماما... و أخذت أنظر إلى ذاك الطفل الصغير الذي لم يتوقف عن القفز و اللعب و أتخيله عندما يكبر و ييلغ رشده و يشتد عوده و هو عالما متفقها بالدين جاهزا لنصرة الاسلام و المسلمين.
الموقف الثالث كان لصديق لي تعرفت عليه خلال دورتي التدريبية بإحدى الشركات, شاب مغربي سلفي بلحية طويلة و بنطال فوق الكاحل دائما حتى لو كان مرتديا بذلة رسمية !!! , طبعا أنا هنا لا أذمه ولا أمدحه بل أوصف حالته لتتضح الصورة....
هو أيضا كان يؤدي دورته التدريبية و بعد إنتهائها – أي بعد بضعة أشهر - بدأ مباشرة بالبحث عن عمل – و للتذكير يبحث عن عمل في فرنسا و بالمنطقة الباريسية التي تحمل أعلى درجات البطالة - , و في كل مره يريد فيها الذهاب لإجراء مقابلة العمل أمر عليه مع بعض الأخوة لنشجعه و ندعو له بالتوفيق.
لكني صراحة بيني و بين نفسي كنت أقول من المستحييييييييييييييييييييييل أن يوظف بالمنطقة الباريسية و هو على هذه الحال ؟؟ من سيوظف مغربي بلحية طويلة و بنطال مقصر دائما ؟!!!!
كنت ادعي له من كل قلبي متمنيا له التوفيق لكن بنفس الوقت أقول في نفسي هذا الشاب يتعب نفسه من دون أي فائدة أو نتيجة.........
لكن و سبحان الله بعد عدة مقابلات و بخلال فترة زمنية قياسية يتحصل على عمل و أخذ يقص لنا ما حدث معه فقال:
سألني صاحب العمل - الفرنسي - أأنت مسلم ؟ فأجبته: بنعم, ثم سألني أتقوم بعباداتك كالصلاة و الصيام ؟ , فأجبته : نعم.......فاثر فيني ذاك الموقف كثيرا ما هذه القوة, ما هذه الثقة بالله عز وجل !!!!...... تذكرت قوله سبحانه عز وجل { ومن يتق الله يجعل له مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب } (الطلاق:2-3)
نعم أعود فاكرر آآآآآآآآآآآآآآه ما أشد جهلي و قصر نظري , كيف نسيت أن الله معنا و موفقنا ما دامت النية صالحة خالصة له سبحانه.........
الموقف التالي حدث خلال تواجدي داخل أحد أنفاق المترو – أي القطار الذي يكون تحت الأرض – و كان القطار ممتلئ بالركاب نوعا ما , و إذ بي ألاحظ شاب - اسود البشرة غير ملتحي و مرتديا بذلة رمادية اللون - كان هندامه جيد جدا جالسا على إحدى المقاعد و يقرأ الكتاب الذي بين يديه بتركيز و اندماج شديدين.
اقتربت كعادتي لأرى ماذا يقرأ – هذه العادة تلازمني دائما كلما رأيت شخصا معه كتاب أقترب لأرى ماذا يقرأ و ما هي المواضيع التي يهتم لها, فضول أو (حشرية) محمودة هي – اقتربت فإذا به يقرأ القرآن الكريم متجاهلا من حوله من الفرنسيين غير آبه بنظراتهم متعاليا عن ما يمكن أن يجول في خاطرهم أو عقولهم.....
فأتتني مرة أخرى تلك الحالة التي تصيبني عندما أتأثر بموقف ما, تعجبت فعلا , هذا الأفريقي الذي من المحتمل جدا أنه يقرأ القرآن و لا يفهم أي حرف مما يقرأه , لكنه يقرأ , و ليس هذا فحسب بل يقرأ من غير فهم و هو متأكد بأن أعين الغرباء عليه تراقبه فيلقى ما يلقاه من نظرات التعجب و الاستغراب....لكن إمانه و قوة ثقته بالله أكبر من هذا بكثير.و استذكر هنا الحديث المشهور لخاتم النبيين صلوات الله و سلامه عليه - لا فرق بين عربي و لا أعجمي إلا بالتقوى -
في نفس الوقت نرى مسلمين عرب يتكلمون بلغتنا و يجيدونها و لكن القرآن موجود على إحدى الرفوف و طبقة من الغبار تعلوه.......
عثرت على مكان بجانب ذاك الشاب فجلست بالقرب منه ارى ما يقرأ - نسيت أي سورة - و ما هي إلا لحظات و قد إستأذنت منه و قاطعته و همست له - نعم يا أخي من أمثالك من المسلمين سيصبح لمسلمي فرنسا شأن و كلمة مسموعة و ثقل في المجتمع الفرنسي - ابتسم في وجهي مع علامات استغراب اتضحت في عينيه متعجبة من قولي و تدخلي , ما غن انتهيت من قول ما اردت قوله إذ سمعت صوت إنذار القطار معلنا وصوله للمحطة التي أريد النزول فيها, فرددت له الابتسامة و قلت له - السلام عليكم - و ذهبت.
موقفي الأخير و هو الأحب إلى قلبي و تردد أمامي عدة مرات و في كل مرة يحدث تتملكني تلك الحالة و تصيبني تلك القشعريرة الباردة فينتفض بسببها جسدي كله و كأنني على إحدى جبال سيبيريا المتجمدة.......لحظات حفرت في ذاكرتي لا تمحى إلا بخروج روحي متى شاء سبحانه.
قبل سرد القصة أذكركم بما رواه الترمذي و الحاكم عن رسولنا محمد صلوات الله و سلامه عليه "يصاح برجل من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر ثم يقال أتنكر من هذا شيئاً، فيقول لا يا رب، فيقال: ألك عذر أو حسنة فيهاب الرجل فيقول لا- فيقال بلى إن لك عندنا حسنات، إنه لا ظلم عليك فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقال أنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ". فبأبي أنت و أمي يا رسول الله.
كنت في المسجد و قد انتهى الخطيب من إلقاء خطبة الجمعة و نزل لإمامتنا بالصلاة لكن فجأة, تقدم رجل فرنسي أبيض أشقر فأذيع أنه يريد الإسلام, أخذ مكبر الصوت هو و الإمام ثم أفهمه الشيخ معنى الشهادة و ترجمها له حق ترجمة.
ثم قال له ردد معي الشهادة – بالعربية طبعا - , فقال الشيخ : (أشهد أن) فردد وراءه : ( أشهد أن ) هكذا إلى أن وصولوا لنهايتها عندما قال الشيخ : ( و أن محمدا رسول الله ) فردد الفرنسي وراءه : ( و أشهد أن محمدا رسول الله ) و بلحظتها يهتز المسجد لعظمة الموقف و يرتج بكلمة الله أكبر الله اكبر تخرج من حناجر العشرات الذين تحمسوا فيكبرون مع التلويح بايديهم المقبوضة.فحمى الله تلك الأيدي.
نرى أمام أعيننا شخص يرمى بكتاب كفره و ماضيه و يفتح له كتاب جديد لإحصاء حسناته , نظيف هو كالثوب الأبيض ليس له أي سيئة و لا يدنس كتابه أي شئ, اقترب من مقعده و مكانه من الجنة و ابتعد عن جحيم النار و لهبها...سبحان الله كيف يتغير حال المرء بثوان معدودة و بكلمتين خفيفتين على اللسان لكنها عظيمة عند الله سبحانه و تعالى , فينتقل المرء من الكفر إلى الاسلام و من الجنة إلى النار و من الشقاء الدائم إلى السعادة الخالدة في الجنة, سبحااااااااااااااانك إنك أنت الغفور الرحيم.
لا يستطيع المرء في تلك اللحظات أن يسيطر على عاطفته, لأنني عندما سمعت نهاية نطق الشهادة تخرج من شفتي الفرنسي و هو ينطقها بالعربية و بركاكة ما بعدها ركاكة لكنها و الله كانت أجمل و أرقى ما سمعت فأصابتني القشعريرة الباردة و انتفض جسدي و امتلأت عيناي بالدموع و تلقائيا نهضت مع الكثيرين مرددا و أنا اصرخ بأعلى صوتي الله أكبر الله أكبر.
فالحمدلله على نعمة الاسلام
تحياتي للجميع
_________________
The most important things in life are not things
|
تسجيل الدخول
التسجيل
MOB
الأسئلة المتكررة
بحث
