و هنا الجزء الثاني من المقال و الذي نشر تحت مجموعة :
" الشباب و النجاح في حياة الرسول محمد" صلى الله عليه و سلم
لمحمد شاهين
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ساببت رجلاً فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلي الله عليه وسلم: يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم. لم يحترم أبا ذر الرجل، فعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم بما فيه من جاهلية، في حديث باق ذكره ليوم الدين! عدم الاحترام من الجاهلية، قرأت في جريدة الحياة حوارا مع أحد المتدينين الذين ذهبوا إلى أمريكا، ذكر الرجل أنه بكى، لم يتخيل هذا الفرق الشاسع في احترام الأخر، احترام رأيه، بل والأخذ به إن اقتنع انه على صواب، في احترام عقله وفكره، في الانفتاح عليه، أظننا كلنا ذلك الرجل! في عالمنا الكثيرون يعتقدون أنهم على صواب، في كل شئ تقريبا، أما الأخر فمخطئون، يردون رأيهم إلى الدين أو العلم أو الفن أو التاريخ، فينكرون الأخر، بشخصه وفكره، ربما يحتقرونهم أيضا، منهم من يكفرون الأخر أيضا! هذه كارثه في حق أمتنا، في حق تاريخنا العظيم فنحن من علم الأمم تلك المبادئ، وطبقناها في حضارة امتدت لأكثر من ألف عام زاهرة رائعة مزدهرة بالفن والفكر وتقبل الأخر ورأيه، حتى أن عائلة اشتهرت في دمشق بالترجمة من لغات أخرى إلى العربية، كانت تلك العائلة غير مسلمة، وكان خلفاء المسلمين يكافئونهم بكل كتاب وزنه ذهبا! و، هؤلاء من اختلفوا معنا في الدين، انظر كيف كنا معهم، ما بالك بالمسلمين إذاً بينهم وبين بعضهم البعض! يقول الله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ...([5]))، احترم الأخر ترسخ المحبة والاحترام بينكما، فكره وشخصيته حتى وان لم يوافقك الرأي.
كثيرا ما ننسى هذا المبدأ عند حوارنا مع الأخر، ثقافة المجتمع لا تساعدنا كثيرا، وقد تقرأ الأن وتستمتع بما قرأت ثم تنساه، والإنسان سريع النسيان، والمجتمع لا يساعدك على تطوير مهاراتك، لذا عليك أن تتدرب على ممارسة مبادئ الحوار واحترام الآخرين، فكرهم وشخصيتهم، تذكر دائما أن لك حدودا فلا تجعل أحدا يدخلها، وبلطف افعل هذا، وللآخرين حدود فلا تدخلها فتنال غضبهم، وهنا القاعدة الهامة في التعامل مع الناس: ترى لو كان الرسول مكاني ماذا كان يفعل! تخيل ماذا كان يمكن أن يفعل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وافعل مثله! فهنا مصدر النجاح، لا تترك تلك القاعدة، وستلاحظ الفرق مع الوقت، الفرق سيكون في النتائج، فقد صبر النبي على الأذى حتى خرج من مكة، وصبر على الحرب حتى فتح مكة! ما أطول الصبر، وما أجمل نتائجه، فلا تتعجلها.
تذكر أننا لا نعرف من سير الأنبياء من قبل إلا القليل، لم نعرف من سيرة النبي موسى عليه السلام، وعيسى أيضا إلا بعض ما وصلنا من التوراة والإنجيل والقران، وهو قليل، لا تستطيع من خلاله تكوين صورة عامة ومفصلة عنهما للاقتداء بهما، لا يمكنك إلا التعرف من خلالها إلا على ملامح عامة للشخصية، وبعضا من مبادئه، أما الرسول الكريم فهو الوحيد الذي وصلنا بتفصيلاته كاملة، هى فرصة رائعة للغاية، ونادرة أيضا، ومثالية كذلك، اغتنمها وتعلم من حياته ومن أفكاره فالحياة لم تلق لنا بالكثير من تلك الفرص. اسأل نفسك لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم مكاني ترى ماذا فعل! تخيل من سيرته وافعل مثله، فقد مر الرسول بكل المواقف و متناقضاتها، ومنه يمكنك التعرف على أفضل الأساليب.
قال الطبيب النفسي ألفريد أولد: إن الشخص الذي لا يهتم باصدقائه هو من يملك أكبر رصيد من الصعوبات في الحياة، ويلحق أكبر الأذى بالآخرين، إنه فاشل، وتذكرت ما قاله أبو سفيان عن الرسول من توقعه له بأنه سيملك الأرض، فإنه لم يرى أحدا يحب أحد مثل حب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم له، لقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فاحترمهم، شاورهم واخذ برأيهم، احترم شخصياتهم، فلم يعرف عنه أنه أهان أحدا حتى أعدائه، فجني رصيدا من الحب والنجاح لا يقارن بأي إنسان عاش على الأرض، هذه عبقرية نادرة، لقد كان يسأل عمن يغيب، يساعد من يحتاج، يصلى على من مات، يستغفر لمن أذنب، حتى أنه أراد أن يستغفر للمنافقين! فقال الله له: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ([6]) فأي رجل هذا وأي رحمة امتلكها في قلبه للناس، ومن أعجب الأحاديث التي وقفت عندها تبين حب النبي صلى الله عليه وسلم لأمته هو حديثه عن يوم القيامة وأهواله، يوم تتقطع فيه الأرحام، ويغضب فيه الرب، وترى الناس سكارى من شدة العذاب، حتى الأنبياء كل منهم يقول نفسي نفسي، الموقف يومئذ رهيب وعصيب، وأجد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يبكي، يرفع يديه ويقول: اللهم أمتي أمتي، فيقول الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم، فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك. فأي رحمة تلك! وأي حب للناس هذا، الناس يشعرون بمن يحبهم، بمن يحترمهم، كلما اقتربت منهم كلما أحبوك أكثر، أقر له الله سبحانه وتعالى وشهد له بهذا، فقال: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ([7])
و يستمر الموضوع لجزء آخر أيضاً
أريد وضع أكبر جزء من المقال رغم طوله _بعد ان اختصرت منه _ لأشارككم الفائدة كاملة ..

_________________
وَمَا يُلَقَّـاهَـا إِلَّا الَّذِينَ صَـبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَـظٍّ عَظِيمٍ