هدى,
تحية لك أختي
نقلا عن أحد الكتاب :
"عرف عبد الله بن المعتز كأول من اهتم بالمحسنات البديعية في القرن الثالث الهجري و لا ننسى معاصريه قدامة بن جعفر و أبا هلال العسكري و منذ ذلك الحين و هذه المحسنات تصنف من قبل الكثير فمنها الأصلية و الفرعية و المتكررة ، و لكن الجميع اتفق على جمال وجودها في النصوص الأدبية .
و في معرض بحثي الطويل لاحظت ترابط هذه التصنيفات و تداخلها في النصوص بشكل غير طبيعي فالطباق و الترادف على سبيل المثال بين الثلج و النار و اللهب واضح في هذا البيت لراشد الخضر
قلبه عليه الثلج بنّا و قلبي على نار التهابي
و الناقد عندما يريد أن يعطي هذا البيت حقه من الشرح وجب عليه بيان ارتباط هذه الكلمات ببعضها و يصعب عليه بيانه بمصطلح واحد و هذا ما افقد النقد و البديع بريقه حيث نرى أغلب المحسنات البديعية المصنفة ثنائية الأبعاد و العبارة عندما تستكشف من الناحية البلاغية نراها تفكك إلى طرفين يربطهما رباط معين بغض النظر عن الحبكة الكلية للجملة .
و بعد تشخيص هذه العلة أو الحدودية حاولت إبراز أدوات جديدة تعطي الجملة البلاغية حقها من الاستكشاف بعد هذه القرون الطويلة من التصنيفات القديمة و توصلت إلى نظرية (( المعادلة البديعية )) و لا أدري إن كان قد سبقني أحد إليها كمشروع لصياغة ضوابط و قوانين عدة أكثر إبداعا يستطيع من خلاله الناقد الغوص إلى جمال اللغة و يتذوق المستمع النص الأدبي بصورة أكثر حيوية .
هيئنا المجال لعرض نظرية المعادلة البديعية بعد أن شرحنا مصطلحات من المحسنات البديعية تعتمد دائما على طرفين لإقرار الجمال في هذه الرابطة و نودّ الآن طرح نظرية المعادلة البديعية لتطوير هذه الفكرة حيث المعادلة هي رابطة تجمع أكثر من مفردة في نظام خاص ( بعلامات رياضية خاصة و لا تحكم هذه العلامات الكم الحقيقي لطبيعة المفردات كما هو الحال مع الأرقام ) .
كم ابعدتني عنك لأيام و أنا مقيم و لا لي آخوز
هذه البيت الجميل للشاعرة فتاة العرب واضح فيه وجود حالة تنافر بين كلمة (( مقيم )) و (( آخوز )) ً و لو لاحظنا (( أبعدتني )) نجد أن هناك علاقة غريبة بين هذه الكلمات و ليس شرطا وجود مسمى يدل هذه العلاقة لإثباتها و أستطيع بيان هذه العلاقة حسابياً
آخوز – مقيم = أبعدتني
و تطبيقيا إذا كان (( مقيم )) يساوي صفر في المعادلة ف ((آخوز)) يساوي مقدار (( أبعدتني )) أي مقدار حركته من نقطة (( مقيم )) الذي اعتبرناه صفراً لتجسم الحالة و تلك هي اللذة التي نتذوقها في جمال البيت بعكس محسن الطباق و الترادف فهي محسنات جامدة لا تعطي إلا اللذة ذاتها كل مرة فجميع المحسنات كما أشرنا سابقا ثنائية الأطراف تتشكل من مفردات أو جمل متقابلة كما نراها في الازدواج مثلا أو في التقسيم و ما أردت طرحه في هذه النظرية هي محاولة استكشاف الجمال بضم المفردات المترابطة في معادلة واحدة
نظرية المعادلة البديعية التي عرضتها في العمود السابق هي خطوة أولى للوصول إلى قانون عام يستطيع النقاد من خلاله فك طلاسم الجمال بشكل علمي حيث أن تذوق الإنسان يستند دائما إلى عقله و النظام القائم في المحسنات هو نتيجة حتمية لبحث الإنسان عن هذه العلاقات و لو ذهبنا أبعد من ذلك سنرى في العشوائية نظما أيضا كما يبرهن العلماء الآن .
ربما يكون أسلوب المعادلات صعب التطبيق للوهلة الأولى و لكني أراها غير ذلك حيث تحتاج لتطبيقها الفهم الكامل للعبارة الأدبية و استكشاف مواطن الجمال بصورة أدق و أوضح و أكثر تفصيلا من الفهم الجزئي و المحدود و الشرح المتقطع لأغلب المصطلحات الأدبية حينما تفحص عبارة ً في النص الأدبي مما يرجح كفة المعادلة البديعية في الميزان لنرى هذا المثال
مالبعد لو يحصل لي الشوف ينقص بحالي و لا ايفيد
من الواضح ارتباط المفردات الثلاث (( الشوف )) و (( البعد )) و (( النقص )) في البيت السابق و لوضع هذه المفردات في المعادلة نعرف أن الرؤية أي الشوف تنقص كلما زاد البعد أي أن
الشوف = - البعد ( النقص ) "