لم أعرفك يا حمص إلا شهراً واحداً من الصيف.. كنت بالنسبة لي امرأة غريبة ثقيلة الظل سرعان ما أملـّك مع نهاية الشهر و أشتاق للغربة!!
لا تعجبي يا حمص فأنا لم أدرك ما معنى الغربة إلا منذ مدة ليست ببعيدة..
كنت أظن أن غرتبي هي وطني فما من شيء ينقصني هناك.. لكنني لم أدرك ما معنى " الغربة " إلا بعد أن احتضنتني بين ذراعيك.. فمن اعتاد تذوق الحنظل لن يشعر بمرارته إن لم يذق حلاوة العسل..
مثل هذه الأيام من العام الماضي كانت مخاوفي دوماً في ازدياد.. هل سأتأقلم معك و أنا التي كنت أرفض دوماً العيش فيك؟
كيف لي أن أبدل رفيقاتي و هل يا ترى ستهديني الأيام صحبةً صالحة؟؟
هل أبناؤك يا حمص هم كما كنت أتصورهم شباب ضائع و فتيات فارغات و أمهات تسعى وراء المظاهر كسعي الفلاح وراء لقمة العيش؟
و اليوم يا حمص.. شارف عام على الانتهاء منذ قدومي إليك... عام كان بالنسبة لي أشبه ما يكون برحلة مدرسية انقضت بسرعة رهيبة..

إنها أول سنة تمر علي أرى فيها الفصول الأربعة!!
فقد سمحتِ لي يا حمص بأن أعرف ما معنى الخريف.. و ما شكل الأشجار حين تتجرد من أوراقها الخضراء و تتساقط منها فلكأنها دموع أم تبكي حين وداع ابنها
أو كيف لتلك الأوراق أن تغادرها ذابلة حزينة قد جف ماء الحياة فيها من لوعة الفراق..
ثم سمحتِ لي أيضاً ان أشعر ببرد الشتاء القارس و كيف نغلق نوافذ البيت و أبوابه.. حتى باب الغرفة فنحن في أمس الحاجة للدفء..
سمحتِ لي بأن أرى وجهاً آخر للحياة.. بعيدا عن التدفئة الكهربائية..و حياة الرفاهية التي أفقدتني الكثير من ارتباطي بالطبيعة..
لأول مرة يا حمص أمشي تحت المطر غير مبالية ببلل و لا برد.. و أنا أرى ذارت المطر تتساقط حولي و كأنها تلاعبني و تشاركني السير نحو البيت..
و لأول مرة أيضاً يزهو الربيع بحلته أمام ناظري.. و أرى الزهر يتفتح طواعيةً فكأنه ينطق و يقول اشتقت إليك أيها الربيع.. اشتقت إليك..
عندما أثمرت شجرة الأكدنيا في حديقة منزلنا تجلت أمامي قدرة الخالق تبارك و تعالى بأبهى صورة.. كيف تألق لون أوراقها ثم ازهرت زهراً صغير الحجم و الآن تحمل ثمارها بحنان بالغ..
لأول مرة أشعر أن ربوعك تضج بأصوات الدعاء في ليالي رمضان.. و أنكِ يا حمص ليست بتلك المدينة الخاوية الروح التي لطالما احتفظت بهذه الصورة عنك في داخلي لأعوامٍ عديدة..
و أن من أبنائكِ من يحملون من الخير أوفره في نفوسهم..
و لأول مرة أشعر ما معنى كلمة " عائلة " تسأل عن بعضها يومياً لا ملل و لا كلفة..
ما يزعجكم..
ما ينقصكم..
كم أنت جميلة في العيد يا حمص.. فلقد علمتني الغربة أن الفرحة ليست بالعيد لكن الفرحة بمن يصنعون للعيد بهجة.. فالجنة من دون ناس ما بتنداس..
ما أجمل ليلك يا حمص.. هدوء يعتريكِ حتى خُيّل إليّ أنك تشاركين أبنائك نومهم بعين قريرة و نفس مطمئنة..
و قبيل الصبح بلحظات.. تتعالى أصوات المآذن تصدح بالتسبيح.. لتشق صمت الليل و عتمته.. و تشرق شمسك خجلى تداعب أنامل اشعتها أغصان الشجر لتهزها بلطف شديد فتصحو العصافير.. و يصحو الأنام جميعهم فكأنكِ يا حمص تنادينهم أن اسعوا في مناكبها و كلو من رزقه..
حتى سلبياتك أضحت لي عين الصواب..
فقطع المياه بعد الظهيرة كان دافعاً قوياً لأن نصحو باكراً و ننهي أعمالنا قبل قطعها.. و مع الأيام اكتشفت أنني بت أملك المزيد من الوقت لمّا أن أنجزت كل عملي صباحاً.. فأصبحت أملك وقتاً كافياً للقراءة و الكتابة و النشاط العائلي أو حتى للاسترخاء..
و لم أعد أتأفف من قطع التيار الكهربائي.. فتلك وسيلة إجبارية لمقاطعة التلفاز و الانترنت لأجلس مع عائلتي بصفاء بالغ..نتبادل الطرائف و التأملات.. و الذي بتنا نفتقده في ايامنا هذه رغماً عنا..
كنت أزداد يقيناً كل يوم أني كنت أعيش في مكان لا روح فيه.. و اليوم أعيش في مدينةٍ تتمتع بروح الأطفال و ذكريات المسنين و فورة الشباب..
لم أكن أنوي الكتابة.. لكن شيئاً ما في الأمس دفعني لأن أكتب لكِ يا حمص.. و لكم يا أبناء حمص..

الموضوع مو كتابتي بس لقيتو بيعكس الصورة صحيحة عن حبيتي حمص

ايييييه يعطيك ألف عافية سحر, على هالنقل الرائع هاد . .
بالفعل حسيتا لامست احساسي بكل كلمة ..
يالله أدييييه بحبك يا حمــص . . . و أدي مشتائة لأيامها . . و لأهلها . .