[align=center]شـــــاعـــر الأمــــــة و الــــو طـــن [/align]
[align=center]مـحـمــــــود درويـــــــش[/align]
بنى أسطورته الجميلة من ركام العذابات
محمود درويش .. مصادفات الوجود والعدم والزمن المتطابق
هل هي مصادفة حقا أن يرحل شاعر شغل الناس وملأ الدنيا في زمننا المعاصر بهجة وألما بشعره الذي جسد عذابات شعب في أمة وأمة في كون يستلبها يوما بعد آخر؟ هل هي مصادفة أن يرحل الشاعر محمود درويش عن 67 عاماً؟ وهل هي مصادفة لم يعرفها درويش حقاً أن ألمه المستفز من ذلك الرقم الهمجي الذي زرع أنيابه في قلب كل عربي هو الرقم 67 حيث النكسة العربية التي فجعت بهما، أرضاً وشاعراً.
تحل يوم الأحد المقبل الذكرى الأولى لرحيل الشاعر الاستثنائي محمود درويش، حيث اختطفه الموت في التاسع من أغسطس 2008 تاركاً وراءه الكثير من الحزن والفقد والشعر أيضاً... الموت الذي أدمى عيون الشعراء والذي قال فيه درويش نفسه :
أيها الموتُ انتظرْني خارج الأرض،
انتظرْني في بلادكَ، ريثما أُنهي
حديثاً عابراً مع ما تبقّى من حياتي
قرب خيمتكَ، انتظرْني ريثما أُنهي
قراءةَ طَرْفَةَ بنِ العَبْد. يُغريني
الوجوديّون باستنزاف كلّ هنيهةٍ
حرّيةً، وعدالةً، ونبيذَ آلهةٍ...
فيا موتُ! انتظرْني ريثما أُنهي
تدابيرَ الجنازة في الربيع الهشّ،
حيث وُلدتُ، حيث سأمنع الخطباء
من تكرار ما قالوا عن البلد الحزين
وعن صمود التين والزيتون في وجه
الزمان وجيشه...
تلك هي قصائد رثاء النفس التي أوجد لها محمود درويش فنا وغرضا قائما بذاته لم يسبقه إليه شاعر عربي آخر، حيث صنع جنازته بنفسه فكان المودع والمغادر.
استطاع درويش أن يبني اسطورته الجميلة من كل ركام العذابات التي مر بها وسط شعب لم يعرف التاريخ ألما مر به شعب سواه، حيث زاره الموت واستوطن عنده واستمرأ اللعبة معه حتى صار رفيقا لأطفاله وهم ذاهبون إلى المدارس، جالسا في حقائبهم المدرسية، ملتحفا معهم ليل شتائهم البارد فوق أسرتهم البالية.
من كل هذا الألم الممتزج بالرعشة واللذّة، بالحزن والسحر، بات درويش ينسج المأساة في الجماليّ الخالص.
في شعر درويش ثمة سمة ضوئيّة، أو فلنقل ثمة صباح: نهوض دائم من النوم، قهوة الأمّ، والقهوة مع الحليب... إضافة إلى صفاء لغويّ لا نظير له. وفي حين يأخذ الجسد في قصائد الآخرين منبر الكلام في اللذة، يقوم الجسد الدرويشيّ بالإصغاء. اللذة في قصائد درويش فعل إصغاء وانفعال وجودي خالص. لقد جعل درويش من الشعر وسيلته الفضلى لقول كلّ شيء: الغضب، الخيبة، الحبّ، التحيّات... حتى النقد: «كيف أنجو من مهارات اللغة؟». أكثر من ذلك، نستطيع، من خلال قصائد درويش، تقديم رسم بياني لبدء تحوّله، الذي أخذ طابع الحيرة الفلسفيّة، إلى كتابة قصيدة النثر.
... ويا موت انتظرْ، يا موتُ،
حتّى أستعيد صفاءَ ذهني في الربيع
وصحّتي، لتكون صيّاداً شريفاً لا
يصيد الظبيَ قرب النبع...
[align=center]لغة الرثاء[/align]
عند سماع خبر الرحيل قال الشاعر شوقي بزيع: يصعب على المرء، مهما أوتي من قوة اللغة وبلاغتها، أن يتفحص ملامح مثل هذه اللحظة، وهي تغرق في سديمها المبهم وتتشكل خارج كل ما يمكن للكلام أن يرسمه من معالم وإشارات. اللغة الآن عمياء وكسيحة، وهي تخوض أقصى امتحان لها أمام غياب شاعر أحبها ووهب لها حياته وروحه وشغاف قلبه. هل كان ينبغي لمحمود درويش أن يغيب لكي نكتشف في ضوء غيابه كم نحن هائمون الآن على وجوهنا وأقلامنا وكلماتنا،
[align=center]يوم السبت[/align]
ويشاركه الروائي الياس خوري في أروع التفاتة له حين قال: مات محمود درويش مساء بتوقيت المشرق العربي، وظهرا بتوقيت مدينة هيوستن، حيث اجريت له جراحة في الشريان الأبهر. الجراحة اجريت يوم الأربعاء، ومات الشاعر يوم السبت في التاسع من (اغسطس). لحظة موته، سمعنا صوته يخاطبنا من ديوانه «اثر الفراشة»، قائلا:
صدقت أني مت يوم السبت
قلت عليّ أن أوصي بشيء ما
فلم اعثر على شيء
وقلت عليّ أن ادعو صديقا ما
لأخبره بأني مت
لكن لم أجد أحداً
وقلت عليّ أن امضي إلى قبري لأملأه
فلم أجد الطريق
وظل قبري خاليا مني...
وبعد المأتم المهيب الذي أقيم في رام الله، دفن الشاعر قرب المجمع الثقافي، ولم يدفن في الجليل، حيث القبر المشتهى الذي بقي فارغا.
وبدأ سيل الكتابة. سمعت صوته من جديد آتيا من «ورد أقل»، حيث اعلن «يحبونني ميتاً». ورأينا سيول الحب للميت تتدفق من كل مكان:
يحبونني ميتا ليقولوا كان منا وكان لنا
سمعت الخطى ذاتها منذ عشرين عاما
تدقّ على حائط الليل
تأتي ولا تفتح الباب
لكنها تدخل الآن
كانت مصادفة يوم السبت أشبه بالرؤيا التي تأتي في المنام. فالشعر لا يشبه سوى المنام الصاحي إذا صح التعبير. يستطيع الشاعر أن يحلم بأنه يحلم، مطوعا الحلم في القصيدة.
[align=center]عنفوان الحياة[/align]
محمود درويش (13 مارس 1941 - 9 أغسطس 2008)، أحد أهم الشعراء الفلسطينيين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن. ويعتبر درويش أحد أبرز من ساهم بتطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه. في شعر درويش يمتزج الحب بالوطن بالحبيبة الأرض. ولد عام 1941 في قرية البروة وهي قرية فلسطينية تقع في الجليل قرب ساحل عكا.
[align=center]عنفوان الشعر[/align]
بدأ بكتابة الشعر في جيل مبكر وقد لاقى تشجيعا من بعض معلميه. عام 1958، في يوم الاستقلال العاشر لإسرائيل ألقى قصيدة بعنوان «أخي العبري» في احتفال أقامته مدرسته. كانت القصيدة مقارنة بين ظروف حياة الأطفال العرب مقابل اليهود، استدعي على إثرها إلى مكتب الحاكم العسكري الذي قام بتوبيخه وهدده بفصل أبيه من العمل في المحجر إذا استمر بتأليف أشعار شبيهة.
توفي في الولايات المتحدة الأميركية يوم السبت 9 أغسطس 2008 بعد إجرائه لعملية القلب المفتوح في المركز الطبي في هيوستن، التي دخل بعدها في غيبوبة أدت إلى وفاته بعد أن قرر الأطباء نزع أجهزة الإنعاش.
وأعلن الحداد 3 أيام في كافة الأراضي الفلسطينية حزنا على وفاة الشاعر الفلسطيني، الذي كان «عاشق فلسطين» و»رائد المشروع الثقافي الحديث، والقائد الوطني اللامع والمعطاء».
وقد ووري جثمانه الثرى في 13 أغسطس في مدينة رام الله حيث خصصت له هناك قطعة أرض في قصر رام الله الثقافي. وتم الإعلان عن تسمية القصر بقصر محمود درويش للثقافة.
[align=center]تـحـيـة إلى روحــــك الخـالـدة في ضـمـيــــر كــل عـــربي حـــــر [/align]