تقع مملكة "إيبلا" إلى الشرق من مدينة "إدلب" وتبعد عنها قرابة /22/كم، وهي تابعة إدارياً في الوقت الراهن "تل مرديخ" لمدينة "سراقب" وتبعد عنها خمسة كيلومترات جنوباً.
بدأت أعمال التنقيب الأثري بموقع "إيبلا" في عام /1964/م من قبل البعثة الأثرية الإيطالية من جامعة روما برئاسة البروفيسور "باولو ماتييه" الذي قضى أربع سنوات من عمره في سورية يبحث عن تلك المملكة المفقودة في التاريخ والتي لم يتعرف عليها أحد بعد. ,و في نهاية السنوات الأربع وفي اليوم الذي أبلغت فيه الحكومة الإيطالية العالم ماتييه عن انتهاء فترة عمله في التنقيب في سورية، وبينما كان يحزم امتعته استعداداً للعودة الى ايطاليا بعد فترة طويلة من البحث الممل، وقع رقم فخاري بين يديه أعاد إليه بريقاً من الأمل كاد أن يتلاشى من عينيه، وما أن شرع يخط رسالته الى سفارته معلماً إياها بهذا الحدث العظيم حتى تتالت الاكتشافات وظهرت الألواح والرقم الفخارية بالعشرات ثم بالمئات لتصبح آلافاً فيما بعد كاشفة النقاب عن أضخم الاكتشافات الأثرية التي عرفها تاريخ العالم حتى اليوم وليرتبط اسم ماتييه بسورية على مدى اربعين عاماً متواصلة.
عندما تطالعك تلك المساحات الخضراء الممتدة سهولاً مزروعة على طرفي الطريق بين حماة وحلب، لن يلفت انتباهك أي شيء مميز سوى لافتة صغيرة قرب تل مرديخ كتب عليها (إيبلا) وما إن تتجه شرقاً وسط الطريق المتعرج المؤدي الى قرية صغيرة حتى تبدأ الأرض بالتغير، وتبدو الى ناظريك تلك التلال المرتفعة على شكل جدار مغطى بالرمال، وسط سهول تلك المنطقة.
[align=center]
في هذه البقعة من الأرض حيث تمتد مجموعة من التلال، كانت تختبئ مملكة عظيمة اسمها إيبلا عصيت على العالم حتى استطاع ماتييه عام 1968 أن يجد فيها مع مجموعته التنقيبية تمثالاً للإله عشتار يحمل اسم ملك إيبلا (ابت ليم) هذه المملكة التي عرفت سابقاً في نصوص السومريين والأكاديين وقدماء المصريين كانت أعظم مفاجأة فيها عام 1975 عندما اكتشف 15000 لوح فخاري قادت الى تحديث تقرير التنقيب الذي كان ضئيلاً ومملاً من قبل وقد حوت هذه الألواح العديد من الأسماء الشخصية، كما أمكن في نص واحد التعرف الى اسماء مواقع جغرافية يفوق عددها 260 موقعاً، ووجد في نصوص أخرى قوائم تدل على الحيوانات والأسماك والطيور والمهن وأسماء الموظفين في تلك المملكة.
و الجدير بالذكر أنه خلال سنوات التنقيب الطويلة تكشفت الكثير من كنوز "إيبلا" الأثرية والمعمارية، فقد تم كشف القصر الملكي العائد للفترة الذهبية الأولى من تاريخ المدينة والذي يضم الكثير من الأقسام مثل قاعة العرش والجناح السكني والجناح الإداري وجناح المراسم الملكية، ولعل الاكتشاف الأبرز داخل هذا القصر يتمثل باكتشاف الأرشيف الملكي والذي هو عبارة عن غرفة ملحقة بالقصر وتحتوي على حوالي سبعة عشر ألف رقيم .
كما تم الكشف أيضاً عن عدد من المباني الهامة بعدة قطاعات من المدينة كالقصور الملكية مثل القصر الغربي(قصر ولي العهد) والقصر الشمالي (قصر المراسم والاحتفالات الملكية) والقصر الجنوبي كما اكتشف عدد من المعابد كمعبد "عشتار" الكبير و "عشتار" الصغير ومعبد" شمش" ومعبدي "رشف" و"الأجداد"، كما تم الكشف عن آلاف القطع الأثرية المتنوعة من تماثيل وأدوات حجرية وأواني و دمى فخارية وأدوات برونزية متنوعة وغيرها، والتي تملأ حيزاً كبيراً بمتحف "إدلب"».كما وجدت في مملكة إيبلا أكبر مكتبة بالتاريخ انطلق منها حرف الضاد قبل خمسة آلاف سنة و هي واحدة من أبرز من الهدايا الحضارية التي قدمتها سورية للعالم . بلغ عدد النصوص المسمارية فيها نحو عشرين الف رقيم مسماري كتبت بلغة إيبلا المستقلة والخاصة بأبناء المنطقة وفيها ورد للمرة الأولى حرف الضاد الموجود في اللغة العربية. وقد أكد ألفونسوار غيه عالم اللغويات الإيطالية وعدد من العلماء أن هذه اللغة لغة مستقلة عن اللغات التي كانت سائدة في المنطقة وتعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. .
و في 28 تشرين الأول 2002 زارت السيدة أسماء الأسد عقيلة السيد الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية مملكة إيبلا ودشنت المنتزه التاريخي فيها، وتابعت تطور العمل في هذا المنتزه مع الجامعة الإيطالية لو سابينا والبروفيسور باولو ماتييه إلى أن أصبح في 28 تشرين الأول 2004، أي بعد عامين، جاهزاً لتقوم عقيلة السيد الرئيس بافتتاحه كواحد من أهم المنتزهات التاريخية الزاخرة في العالم.
وتقديراً لهذا الاهتمام الكبير والمتابعة المستمرة والدعم المتواصل الذي يدل على اهتمام سورية بتاريخها وأوابدها الأثرية، فقد منحت جامعة روما لوسابينا السيدة أسماء الأسد الدكتوراة الفخرية لها ليكون هذا التقدير اعترافاً صريحاً بالدور البارز الذي لعبته سورية ولا تزال كمركز للقاء الحضارات وتواصلها عبر التاريخ.