آرتين لتعليم اللغات https://forum.art-en.com/ |
|
قطرةُ حبّ https://forum.art-en.com/viewtopic.php?t=26221 |
صفحة 1 من 1 |
الكاتب: | Safwat [ الجمعة ديسمبر 16, 2011 1:51 am ] |
عنوان المشاركة: | قطرةُ حبّ |
قطرةُ حبّ كان أحمدُ مُطرقاً يفكّر ، يبحث في ذهنه عن كلماتٍ وصورٍ أجمل مما كتب قي قصيدته التي انتهى من تأليفها مؤخراً لتكتمل الّلوحة التي أراد ، لذلك لم تكن حواسّه مشدودةً لما يعرضه التلفاز حتى انقطع البثّ ، حيث ظهرت المذيعة لتُعلن عن حاجة مريض إلى دمٍ من زمرة O سلبي ، وترجو حامليها التبرّع لدى بنك الدّم . ومع أنها زمرة دمه فلم يشترط في بادئ الأمر أن يكون معنيّاً بهذا النداء، لولا أنه لا يعرف عدد الذين يهرعون منهم لتلبيته، ولهذا أحسّ أنه المعنيُّ الوحيد به ، خاصة أن المذيعة ظهرت ثانية لتعيد النداء نفسه . غادر البيت فوراً ، ركب درّاجته وابتعد عن بيته في هذا الحيّ الشعبيّ باتجاه بنك الدّم . كان عليه أن يجتاز عدّة أزقةٍ ليصل إلى شارعٍ عريضٍ يفضي إلى مركز المدينة فيسهل بعده الوصول إلى مبتغاه . وكان بعض الصِّبية يلعبون كرة القدم في واحدٍ من هذه الأزقة كعادة أولاد الحارة ، فضغط على زرّ الجرس الذي يعمل بالبطّارية وأطلق لصوته العنان ، لكنّ الصِّبية لم يسمعوه أو إنهم قد تجاهلوه ، فراح يقود درّاجته بينهم بحسب ما يمكنه من اجتياز تلك المظاهرة حتى ابتلعه شارعٌ عريضٌ مكتظٌّ بالمارّةِ والسيارات الصغيرةِ والكبيرة . كان يضغط زرّ الجرس كلما لزم الأمر ، لكن ذلك لم يُغنه عن السير بين تلك السيارات متنقلاً من يمين الطريق إلى يساره ثمّ إلى يمينه ..... راح يفكر في المريض ، ويحاول أن يرسم له صورةً في ذهنه ، فتخيّله أباً خرج يسعى على أولاده ، أو أمّاً يحتاجها أطفالها ، وربما كان صبيّةً أو شابّاً ينتظرهما مستقبلٌ ما ، أو طفلاً لم يذق بعد من حلاوة الحياة ، أو عجوزاً فيمدّ الله في عمره . غذّ السير وزاد من سرعته لأن إنقاذ حياة المريض -كائناً من كان – أضحى في رقبته وحده . حين اقترب كثيراً من الساحة العامة التي تتوسط المدينة ، كان عليه أن يكون أكثر مهارةً في القيادة وهو يدخلها ، لأن السيارات التي تتدفق إليها من بعض شرايين المدينة تتوقف فجأةً بسبب الازدحام الشديد ، ثمّ تواصل سيرها ببطءٍ وهي تتوغّل في بعض شرايينها الأخرى . هنا أدرك أن درّاجته أكثر قدرةً على المناورة من سيارة أجرةٍ ربما كان عليه أن يستقلّها . وصل إلى آخر شارعٍ يفضي إلى بنك الدّم ، وكان يسير على اليمين دون أن يخفّف من سرعته ، أما السيارات والحافلات الصغيرة فكانت تتجاوزه كالريح غير آبهةٍ بأحد . قبل أن يصل إلى مفرق البنك بقليل تجاوزته واحدةٌ من تلك الحافلات ، ثمّ توقفت فجأة لتنزل منها شابّة ملهوفة ، فصار عليه في هذه اللحظة أن يكبح درّاجته لكي لا يصطدم بها ، وقام بذلك فتوقف إطاراها عن الدوران ، لكن الدراجة ظلّت تنزلق على إسفلت الشارع بسبب القوّة الدافعة حتى اصطدمت بالفتاة وأوقعتها أرضاً ، بينما كانت الحافلةُ تواصل سيرها . تجمهر بعض المارّة حولهما فوراً ، وأكثرهم حولها ، وكان أسرع هؤلاء شابٌّ أخذ الفتاة من زندها يساعدها على النهوض، وكان يضغط عليه فسحبته من يده وهي تنظر إليه شزراً . بعدما نهضت راحت تُصلح هندامها بينما كان أحمد يناولها ساعة يدها التي أفلتت منها ، وكانت الساعة تتصل بسلسلةٍ تنتهي بصورة معدنية صغيرة لمريم العذراء تحمل طفلها ، تناولتها منه بيدٍ بدت عليها آثار طلاءٍ مختلفٌ ألوانه ، وكانت تنظر إليه بغضب ، ثمّ تابعت طريقها وانعطفت يميناً وغابت عن الأنظار . أما هو فقد كان محاطاً بمن يقرّعه ويرميه بالعمى ، وبعض هؤلاء اتهمه بأنه كان يريد التحرّش بالفتاة ، ولذلك لابدّ من أخذه إلى مخفر الشّرطة لتأديبه . كان عليه في هذه الحال أن يتخلّص مما صار فيه بأقصى سرعة ، فحياة المريض لا تحتمل أيّ تأخير . راح يشرح الأمر لهؤلاء ، ويخبرهم عن وجهته وهو يحلف لهم على صحّة ما يقول فتركوه . امتطى درّاجته من جديدٍ وتابع سيره حتى انعطف إلى اليمين بسرعةٍ فائقةٍ ليعوّض الزمن الذي ضاع منه ، حتى وصل إلى مبتغاه . ركنَ الدرّاجة في مدخل البناية التي يقع فيها البنك كيفما اتفق وصعد الدّرج بسرعة . في غرفة الانتظار لم يكن هناك أحد ، وهذا لم يهمّه بأيّ حال لأنه على استعدادٍ للتبرّع بالمقدار الذي ينقذ حياة المريض إذا كان وضعه الصّحيّ يسمح بذلك . قدّم نفسه للمسؤول كمتبرّع ، وبعد التأكّد من مطابقة زمرة دمه في المخبر أُدخل غرفة قطف الدّم . كانت هذه الغرفة تحتوي على سريرين استلقت الفتاة إياها على أحدهما والدم يُقطف من ساعدها ، وكانت تنظر إلى السقف حين دخوله . استلقى هو على السرير الآخر وبدأ قطف الدم منه أيضاً ، وهو ينظر إليها. ثمّ راحت الفتاة تجول بعينيها في أركان الغرفة حتى التقت بعينيه فأحسّت بأن شيئاً ما ... بدأ يسري في روحها . رفع يده الأخرى يحييها وهو يبتسم فابتسمت أيضاً وهي تردّ عليه تحيّته بإيماءةٍ من رأسها . سألها عن اسمها بصوتٍ خفيضٍ مسموعٍ قائلاً : - O سلبي ؟؟ فزادت في ابتسامتها لسذاجة سؤاله وهي تومئ له موافقة . كان كلٌّ منهما يحسّ بشيءٍ من السعادة لأنهما يحملان الاسم نفسه وهو يقطر من ساعده إلى كيس بلاستيكيٍّ خاصّ . انتهت عملية قطف الدّم منهما معاً تقريباً ، خرجا من الغرفة ليجتازا غرفة الانتظار باتجاه المخرج ، وكانت هذه الغرفة تعجّ ببعض الرجال والنساء والصبايا والشباب ، وهم مختلفوا الملامح والأعمار والملابس . كانت الفتاة تسبقه بخطوتين أو ثلاث ، استوقفها قائلاً : - يا آنسة O ....! استدارات إليه وهي تبتسم وقالت : - O سلبي من فضلِك . قدّم لها اعتذاره عن حادثٍ لم يرتكبه عمداً فقبلته ، ثم دعاها لتناول شيءٍ باردٍ فاعتذرت لأنها تريد العودة إلى البيت لتكمل لوحة كانت تقوم برسمها حين سمعت النداء . افترقا مسرورين لأنهما قاما بصنع أجمل لوحة ، ومما زاد في سرورهما أن أيّاً منهما لا يعرف في أيّ شريانٍ سيجري دمه . تموز 2004 صفوان محمود حنوف |
صفحة 1 من 1 | جميع الأوقات تستخدم التوقيت العالمي+03:00 |
Powered by phpBB® Forum Software © phpBB Group http://www.phpbb.com/ |