آرتين لتعليم اللغات
https://forum.art-en.com/

مِشكاةُ نور
https://forum.art-en.com/viewtopic.php?t=23361
صفحة 1 من 1

الكاتب:  الدكتور طاهر سماق [ الجمعة ديسمبر 24, 2010 12:08 am ]
عنوان المشاركة:  مِشكاةُ نور

قليلاً ما تستأثِرُ بكَ طلعَةُ أحدٍ ما..!

ويومَها ..
كانتْ طلعتُها تُشِعُّ بالنورِ.
عندما دخلتْ بصُحبَةِ والِدِها، وعلاماتُ الإرهاقِ تعلو وجهَها المُضيءِ كمشكاة
الأبيضِ كاللجينِ
الرقيقِ كبتلةِ ياسمين.

تلَقَّيتُها بغِبطةٍ ملأتْ عليَّ قلبي، قبلَ أن تتجاوزَ مدخلَ الغرفة.

بادرتُ بالنُّهوضِ عن مقعدي مرحِّباً ..

صافحتُ والِدَها، وربَّتُّ على كتفِها، وابتسمت ..
لكنَّها ..
كأنما لم تعبأ بشيءٍ مما يجري حولَها ..

كانت ساهِمةَ النَّظراتِ مُجفِلَةً كأنَّما أرنبٌ برِّيٌّ انبرى لهُ صيَّاد.

كانتْ تتوهَّجُ كأنهُ الجمرُ من تحتِ الرماد.

كلُّ ذلك .. حتى قبلَ أن أسمع شكايتَها ..

أجلستُها، وسألتْ:
خير؟!
ردَّ والدُها:
لا ندري .. !! هي محومةٌ منذُ أيامٍ، ولم تستجِبْ لأي علاج!

لم يكنِ الأمر يحتملُ المزيدَ من الاستفسارات! فالطفلةُ ذاتُ الأعوامِ العشرةِ كانتْ مُرهَقةً حدَّ الإجهاد.

وعلى سرير الفحص .. كانت حرارتُها شديدة .. تزيدُ عن الإثنتين والأربعين درجةً مئوية.
حُمَّى لمْ يسبِقْ أن واجهتُ مثيلاً لها رُغمَ قِصَرِ حياتيَ المهنيَّةِ بعد.

أصغيتُ قلبها ..
فكانَ كقلبِ عصفورٍ من شدَّةِ تَسَرُّعِه ..

فحصتُ البلعوم، فلم أشاهدْ سوى احتقانٍ بسيطٍ لا يُفَسِّرُ كلَّ ذاك الكمِّ من الدعثِ والتعبِ الباديَين.

كانَ لا بُدَّ من حِقنَةٍ عضليَّةٍ لخفض الحرارة ..
ثم ..

استدرتُ لأكتبُ وصفتيِ التي قدَّرتُ أن أُرَكِّزَ فيها على الصَّاداتِ الحيويةِ ونحنُ في تلك البقعةِ الريفيةِ النائية.

" نَهَشَها كلبٌ منذ حوالي شهرٍ يا دكتور "

ألقيتُ قلمي وكأنما القدَرُ تغيَّر.

كأنما كنتُ أتحسسُ درباً في الضَّبابِ الكثيفِ فإذا به ينقَشِع.

ينقَشِعُ فجأةً فأرى الوضوحَ ..
وأيَّ وضوح!!؟

وضوحٌ فيهِ من الألمِ أكثرَ مما فيه من اليقين.
وقعتُ على حقيقةٍ تمنَّيتُ لو أنني ما قاربتُها ..

قلتُ له:
والكلب؟؟

قال: هرب .. ولم نعثُرْ لهُ على أثرٍ بعدها..

فقمتُ إليها بجرعةِ ماء .. تلقَّفتها بلهفةٍ.

لِمَ لا؟؟ ..
فلقد كانَ الظَّمأ استولى عليها ..
ولكنْ ..

ما إن وصلتْ أوَّلُ قطرةِ ماءٍ إلى بلعومِها حتى تشردَقتْ، وبدتْ وكأن الموتَ باغَتَها.

تورَّدَ وجهُها البريءُ، وجحظتْ عيناها المترعتانِ طفولةً، وانتابتها حالةٌ من الذُّعرِ كأنما تواجهُ تنِّين ..

أبْعَدَتِ الكأسَ عن فمِها بِهَلَعٍ، فقدَّمتهُ ثانيةً .. فبدا منها الرُّهاب، وبدَتْ منِّيَ الصَّدمة.
خَنَقتني العَبْرَة .. واستدرتُ إلى طاولة مكتبي، ومزَّقتُ وصفتي .. وتمالكتُ نفسي، وهمستُ لوالِدِها:

سيدي .. إنَّ ابنتَكَ مصابةٌ بالسُّعار.
وإنَّ الأوانَ يا سيِّدي قد فات.
ولم يعدْ هناك من تدبيرٍ سوى تدبيرِ الله.
ثلاثةُ أيَّامٍ أو أربعة .. و ..

ينقضي الأمر.

ثمَّ استَدَرتُ إليها ومسحتُ على وجنتَيْها مواسياً وابتسمت:
صغيرتي .. لا تجزعي .. ولا يهمُّكِ .. ها!؟

بصمتٍ .. باختناق ..
تحاشيتُ أن تنسكب دمعتيَ يومَها ..
لكنَّني ..

أهرَقتُها الآن

الكاتب:  عاشقة العربية [ الاثنين ديسمبر 27, 2010 10:08 pm ]
عنوان المشاركة:  مِشكاةُ نور

ما أقساها من تجربة !
وربما يقاسي الطبيب من هذه التجارب كثيراً، ويبكي لهذه المشاهد كثيراً ..
فما ذنب طفلة لا ناقة لها ولا جمل في حياتها أن ترى الموت باكراً بين أسنان كلب؟ فتنطفئ المشكاة وتنهيها عضة.
هذه مفارقة القدر الذي لا حكم لنا عليه.

الجميل في القصة أنها تجربة شخصية تحمل ذاتية الكاتب ورأيه وإحساسه:

- تلَقَّيتُها بغِبطةٍ ملأتْ عليَّ قلبي.
- خَنَقتني العَبْرَة .. واستدرتُ إلى طاولة مكتبي، ومزَّقتُ وصفتي .. وتمالكتُ نفسي.


وعلى الرغم من أن فكرة القصة بسيطة إلا أنك طبعتها بطابع أدبي جمالي، فألقيتَ عليها من بواعث نفسك وصبغتها بتشبيهات واضحة:
- كانت ساهِمةَ النَّظراتِ مُجفِلَةً كأنَّما أرنبٌ برِّيٌّ انبرى لهُ صيَّاد.
- كانتْ تتوهَّجُ كأنهُ الجمرُ من تحتِ الرماد.
- كمشكاة، الأبيضِ كاللجينِ، الرقيقِ كبتلةِ ياسمين
: لقد حصرت كل الصور التي تشبه نور المشكاة في هذه التشبيهات المتلاحقة، وهي تشبيهات بسيطة لا ترهق القارئ، فكان صحيحاً تلاحقها هنا.

وبما أن فكرة القصة بسيطة فقد كانت الصور بسيطة أيضاً، فأغلبها تشبيهات ومجازات، لا استعارات.
أما كلمة تشردقت، فلم أجد لها أصلاً في المعاجم *ممم ولم تخطر ببالي كلمة بديلة :roll:
ربما تستطيع أن تستبدلها بتركيب أحلى:
فتعثّرت قطرة الماء في بلعومها .... الخ ، مجرد اقتراح بديل :wink:

أقترح عليك أن تدوّن مذكراتك الطبية بهذه الصبغة الأدبية، فلا تعلم، فربما ترى هذه المذكرات النور يوماً.
شكراً لك *1

الكاتب:  الدكتور طاهر سماق [ الأحد يناير 02, 2011 12:36 pm ]
عنوان المشاركة:  مِشكاةُ نور

أحتفي باهتمامِكِ سيدتي

ولكنْ .. كأنما في اقتراحِك الأخير ما يوحي بالعزاء؟

أولم ترى النور مذكراتي هنا على صفحاتِ هذا المنتدى؟؟

وغيرهِ من المنتديات؟؟
يكفيني ذلك

الكاتب:  عاشقة العربية [ الاثنين يناير 03, 2011 10:55 pm ]
عنوان المشاركة:  مِشكاةُ نور

الدكتور طاهر سماق,
بلى هي كذلك .. ويشرفنا أنها في آرتين.
لكن في عالم الانترنت من سينسب إلى نفسه ما تكتب ..
لذا توثيقها مكتوبة مطبوعة سيوثّقها فتُنسب إليك قطعاً .

الكاتب:  الملاك [ الثلاثاء يناير 11, 2011 7:52 pm ]
عنوان المشاركة:  مِشكاةُ نور

الدكتور طاهر سماق,
كدأبك سيدي الكريم
متقن الصنعة متفنن بالفن... قصة جميلة مؤثرة تلمس شغاف القلوب ومحبوكةٌ بأسلوب طبيبٍ أديبٍ قد لا نصادفه في الزمان مرتين...
ولكن :wink:

ألا ترى معي أن العبارة التالية ضعيفة منطقياً ولغوياً *ممم
اقتباس:
حُمَّى لمْ يسبِقْ أن واجهتُ مثيلاً لها رُغمَ قِصَرِ حياتيَ المهنيَّةِ بعد.

فكر بالأمر :idea:

سأذهب الآن لإكمال جولتي بين قصصك الأخرى 8) وبقية ما نثرة الأصدقاء من قصص :idea: .... أتمنى لك التوفيق أي دربٍ من دروب العلم والأدب والفن اخترت *1

صفحة 1 من 1 جميع الأوقات تستخدم التوقيت العالمي+03:00
Powered by phpBB® Forum Software © phpBB Group
http://www.phpbb.com/