لا تمرّ الحياة على طريقنا زائراً لطيفاً، فهي تحفر في كل خطوة آثاراً طفيفة تكاد لا تُرى، بل وتغرس كثيراً خطواتها لتكون هذه الخطوات وشماً أبدياً منحوتاً على جسد فانٍ.
وتستمر في مرورها، فتمحو ريحها أطلال الآثار الطفيفة لتُبقيَ الأليم الذي لا يمكن شفاؤه، ظناً منها أنها تهذبنا وتصقلنا وتمتحن ما علّمتنا إياه، وتنذرنا من لمسِ هذه الجروح أو الاقتراب منها أو حتى التفكير بها، لتتحول من جروح ينبغي مداواتها والاعتناء بها إلى وحش نظنه سيفتك بأرواحنا ويشردنا من نعمة الحياة، فنقنع بالجروح لتصبح مع الوقت ندوباً تشوه صورنا، ولا يمكن تستطيع عملية تجميل واحدة أن تزيل قبحها.
مَن منا استطاع أن يتجاهل إخافة الحياة حتى يداوي جرحه ويزيل ما خلفته من وشوم؟
تُرى هل نحن مستعدون للشفاء؟
وأن ما أنزفَ النفسَ وآذاها نستطيع سحقه بشي من الأمل؟
والأهم من هذا ..
أيمكننا أن نفعل ذلك وحدنا أم أننا بحاجة إلى مَن يأخذ بيدنا ويربّت على كتفنا، ويوقد جذوة الحياة مجدداً فينا وينتشلنا من بئر اليأس وعتمته ؟
إنني أكاد أجزم أن وجود هذا الطبيب المنقذ وثقتنا الكبيرة به، هي التي ستحوّلنا من جليد صلد لا نفع فيه إلى ماء عذب يُحيي ما حوله، وهذا بسبب حرارة إيمانه بما نملك.
إنه يعيد الروح إلى جسدها، ويشحذ همة ميتة، ويعيد بريق الخير إلى قلوبٍ مطفأة ..
إنه لا يزيل الوشم ولا يداوي الجرح، بل يساعدنا لنفعل ذلك، فهو لا يعطينا سمكة، بل يعلمنا كيف نصطاد ..
وهو كذلك يأخذ من الحياة صقلها لنا، لكن ليعيد تشكيل روحٍ ناضجةٍ منطلقة، لا مشوّهة ميتة كما فعلت هي (الحياة).
وبعد أن اعتادت عيوننا ظلمة بئر اليأس، تفتّحت ثانية على ضياء وإشراق وما أجمله من ضياء! .
وهنا، ورغبةً في النور، فإننا نساعد هذا الطبيب ونسهّل عليه ولادة همة الشباب وحكمة الشيوخ في جسد التأمت جروحه، فوحدها هذه الإرادة التي تسكننا من تعيدنا إلى النور.
فيصبح الطبيب المنقذ صديق الروح وخليل النفس وشريك العقل.
فهل يسكن في حياتك هذا الشخص الإيجابي؟
فربما يكون حولك.
وهل جربتَ يوماً أن تكون هو (الشخص الإيجابي الطبيب المنقذ)، مع أحد آخر آذته خطوات الحياة الثقيلة.
فربما أنت هذا الشخص المنتظَر، الذي سيرمّم ما انكسر.
