أقدم لكم قصة قصيرة "رمزية", قصة قد درستها في جامعة تشرين عندما كنت في السنة الأولى. أعتقد أنها غير متوافرة في الإنترنت بنسخة عربية مترجمة, لذلك عمدت إلى كتابتها هنا بنفسي, لكنها ليست ترجمتي طبعا. لن أطيل و أترككم مع القصة.
[align=center]الفتاة التي تهوي[/align][/color]
[align=center]The Falling Girl[/align][/color]
كانت مارتا في التاسعة عشر من عمرها, نظرت إلى الأسفل من سطح ناطحة السحاب فشاهدت المدينة تشع في الغسق و شعرت حينها بالدوار.
كانت ناطحة السحاب فضية اللون, هائلة, و محظوظة بكونها واقعة تحت أجمل مساء صاف و جميل. كانت الريح تحرك السحاب الرقيق المتكون على شكل بضعة خيوط نحو خلفية زرقاء رائعة لا توصف.
كانت تلك الساعة التي تكون فيها المدينة مأخوذة بالإلهام حتى أن العميان يستطيعون التفاعل مع ذلك المنظر الجميل, و من ذلك الارتفاع رأت الفتاة الشوارع و الأعداد الهائلة من المباني التي كانت تلتوي تحت فورة المغيب الطويل. في الأفق و عندما ينتهي لون المنازل الأبيض و يصبح غير مرئي يبدأ لون البحر الأزرق. من الأعلى يظهر البحر و كأنه يهتز و يرتفع, و من الشرق يظهر غطاء الليل و هو يقترب, أصبحت المدينة و كأنها جهنم جميلة تحترق مع الأضواء النابضة.
في الحفلة كان هناك رجال ذوي نفوذ و نساء نفوذهن أكبر, الفراء و آلات الكمان و السيارات اللامعة مثل العقيق اليماني و الأضواء الصادرة من النوادي الليلية, مداخل قاعات الفنادق المظلمة, النوافير, ألماسات, حدائق هادئة قديمة, حفلات رغبات, علاقات غرامية, و فوق كل شئ السحر الذابل (المستهلك) للمساء الذي يحث أحلام العظماء و البهاء, برؤية هذه الأشياء و بدون أمل تركت مارتا نفسها تسقط من الأعلى, شعرت و كأنها تتمايل و تتقلب في الهواء لكنها كانت تسقط.
بمجرد معرفة أن ناطحة السحاب عالية جدا فإن الطريق نحو الأسفل كان ما يزال بعيدا جدا, من يعرف كم سيستغرق وصولها إلى هناك, و مع ذلك كانت الفتاة تسقط.
في تلك الساعة كانت المصاطب و الشرفات تمتلئ بالناس الأغنياء و الأنيقين و الذين كانوا يشربون الكوكتيل و يتحدثون بمواضيع سخيفة, كانوا متجمعين في حشود حتى أن أحاديثهم العالية شوشت على صوت الموسيقى!!
تجاوزتهم مارتا جميعا و كثيرا من الناس نظروا خارجا ليراقبوها, شجارات من ذلك النوع (غالبا بين الفتيات) لم تكن على سطح ناطحة السحاب, كانوا يقيمون نوعا من التسلية من أجل المستأجرين, كان ذلك سبب ارتفاع سعر الشقق السكنية.
لم تكن الشمس قد غابت كليا فقد فعلت ما بوسعها لتنير ثياب مارتا البسيطة. لبست ثوبا بسيطا ربيعيا رخيص الثمن, و مع ذلك فإن الضوء القادم من غروب الشمس كان يمجدها نوعا ما و يجعلها أنيقة.
من شرفات الأشخاص أصحاب الملايين, مدت أذراع شبان أنيقين باتجاهها مقدمين أزهارا و كوكتيل "يا آنسة هل ترغبين بشراب؟ أيتها الفراشة اللطيفة, لم لا تتوقفي لدقيقة معنا؟" ضحكت وهي تتمايل بسعادة (لكن في تلك الأثناء كانت تسقط) "لا شكرا يا أصدقائي لا أستطيع أنا في عجلة من أمري."
"إلى أين اتجاهك؟" سألوها.
"آه, لا تدعوني أقول لكم" أجابت مارتا و هي تلوح بيدها تحية توديع وديعة.
شخص فتي طويل أسمر و مميز جدا مد يده ليختطفها و يلتقطها خارجا, لقد أعجبها لكنها حالا و بسرعة دافعت عن نفسها: "كيف تستطيع أن تجرؤ أيها السيد؟؟"
كان لديها قليل من الوقت لإعطائه تربيته صغيرة على أنفه, عندئذ كان الناس اللطفاء مستمتعين بها و ذلك أعطاها قليلا من بالرضى فقد شعرت بالروعة.
على المصاطب المليئة بالزهور بين الخدم المصطهج بلباسهم الأبيض وانفجار الأغاني الغريبة جدا, كان هناك حديث لبضع دقائق ربما أقل بين نساء كانوا يمرون بقربها (من الأعلى للأسفل). بعضهم نظر إلى جمالها, و الآخرون ظنوا أنها هكذا و هكذا, و كل واحد وجدها ممتعة.
"لقد تركت حياتك كاملة ورائك" أخبروها بذلك, "لماذا أنت في عجلة من أمرك؟" مازال لديك الوقت لتشغلي نفسك به. توقفي معنا لمدة قصيرة, إنها حفلة متواضعة بين الأصدقاء, ستقضين وقتا جيدا في الحقيقة."
حاولت أن تقوم بمحاولة للإجابة لكن قوة الجاذبية كانت أسرع حيث حملتها إلى الطابق الأسفل ثم طابقين, ثلاثة, أربعة نحو الأسفل, في الحقيقة تماما كما تسرع بفرح بالدوران عندما تكون في التاسعة عشر من العمر. بالطبع المسافة التي كانت تفصلها عن الأسفل أي عن مستوى الطريق, كانت هائلة (ضخمة), صحيح أنها بدأت في السقوط فقط منذ فترة قليلة, لكن الطريق بدا بعيدا جدا, في هذه الأثناء كانت الشمس قد غاصت في البحيرة يمكن لأي شخص أن يراها قد اختفت متحولة إلى فطر محمص مومض, و نتيجة لذلك لم تعد تصدر أشعتها المفعمة بالحيوية لتضيء فستان الفتاة جاعلة منها مذنبا مغريا.
كان شيئا جيدا كون نوافذ مصاطب ناطحة السحاب مضاءة و الانعكاسات الساطعة موهتها كليا عندما كانت تتجاوزها.
مارتا الآن لم تعد ترى سوى جماعات من الناس السعداء, داخل الشقق كانت توجد بعض الأعمال حيث يوجد الموظفون ذوي المآزر السوداء و الزرقاء, يجلسون على مقاعد في صفوف طويلة, بعض منهم كانوا شبانا كبيرين في السن مثلها أو أكبر منها قلقين على أيامهم منذ الآن. كل فينة و أخرى كانوا يرفعون أبصارهم عن واجباتهم وعن آلاتهم الكاتبة و بهذه الطريقة شاهدها الموظفة و مجموعة منهم ركضوا إلى النافذة. "إلى أين أنت ذاهبة؟ لماذا بهذه السرعة؟ من أنت؟" صرخوا سائلين.
يستطيع المرء أن يكتشف بالحدس أن هناك شيئا قريبا من الحسد من خلال كلماتهم.
"إنهم بانتظاري هناك في الأسفل" أجابت مارتا, "لا أستطيع التوقف سامحوني" ضحكت ثانية متموجة عند سقوطها المتهور, لكنها لم تكن ضحكتها المعهودة.
هبط الليل بمكر و بدأت مارتا تشعر بالبرد, في هذه الأثناء, عند النظر نحو الأسفل, شاهدت هالة ساطعة من الأضواء عند مدخل البناء, توقفت سيارات سوداء طويلة (من المسافة الشاسعة بدت صغيرة كالنمل) و كان الرجال والنساء يخرجون منها متشوقين للدخول.
بدت أنها تميز تلألؤ المجوهرات في ذلك الحشد المندفع, كانت الرايات تطير فوق المدخل, و يوجد كما هو واضح حفل كبير, تماما النوع الذي حلمت به مارتا عندما كانت صغيرة.
ستساعدها السماء لو تخلفت عنه. هناك في الأسفل, كانت الفرصة بانتظارها, القدر الرومانسية, افتتاحي حياتها الحقيقية, هل ستصل في الوقت المحدد؟ و بحقد لاحظت فتاة أخرى تسقط حوالي 30 مترا فوقها, كانت بلا شك أجمل من مارتا و كانت تلبس ثوبا مسائيا راقيا. كانت تسقط لسبب مجهول بسرعة أكبر من سرعة مارتا, لذلك بعد بضع دقائق تجاوزتها و اختفت في الأسفل و مع ذلك كانت مارتا تناديها, ستصل الحفلة دون شك قبل مارتا, ربما لديها خطة لتقوم بها لتستطيع الحلول مكان مارتا, ثم أدركت أنهما ليستا وحيدتين, على طول حرف ناطحة السحاب كانت عدة نساء يغصن نحو الأسفل, وجوههن كانت مشدوهة بالإثارة الناجمة عن الطيران, كانت أيديهن تلوح ببهجة كأنهن يقلن: "انظروا إلينا, نحن هنا, تعالوا و أمتعونا, أليس هذا العالم ملكنا؟" كانت تلك عبارة عن مباراة.
كانت تلبس رداء رثا بينما كانت الفتيات الأخريات تلبسن أثوابا حديثة تجاري الموضة, و بعضهن يضعن فراء المنك على أكتافهن العارية. كانت واثقة من نفسها عندما وثبت, شعرت مارتا بارتعاش ينمو داخلها ربما كان البرد وربما كان الخوف أيضا. الخوف من كونها فعلت خطأ دون وجود دواء له.
يبدو أن الوقت متأخر و الليل قد حل. بدأت أضواء النوافذ تنطفئ الواحدة تلو الأخرى, و صدى الموسيقى أصبح نادرا, و أصبحت المكاتب فارغة, لم يتكئ الشبان على عتبات النوافذ مادين أيديهم, ما لوقت الآن؟ على مدخل البناء في الأسفل, في هذه الأثناء تأخر الوقت وحينها استطاع أي شخص تمييز التفاصيل العمرانية, كانت الأضواء ما تزال تسطع لكن صخب السيارات توقف بين حين و آخر, في الحقيقة خرجت جماعات صغيرة من الناس من الطابق الأساسي و هم متعبون, ثم انطفأت أضواء المدخل.
شعرت مارتا أن قلبها مشدود, للأسف لم تستطع الوصول إلى الحفلة في الوقت المناسب, رأت ذروة ناطحة السحاب بقوتها الفظة و هي تدق للأعلى, كان الظلام قد حل كليا.
في الطوابق العليا كانت بضع نوافذ ما تزال مضاءة, و فوق الأعلى كان الوميض الأول للفجر ينتشر. في الطابق الثامن والعشرين كان رجل عمره حوالي 40 سنة يأخذ قهوته الصباحية ويقرأ جريدته بينما كانت زوجته ترتب الغرفة, أشارت الساعة المعلقة على الحائط الجانبي أن الساعة هي 8,45 . مر عندها ظل بجانب النافذة, صرخت الزوجة: "ألبرتو!!! هل رأيت ذلك؟ لقد رأيت امرأة تسقط من هنا." قال دون أن يرفع عينيه عن الجريدة: "من هي؟" أجابت المرأة: "امرأة مسنة, امرأة كبيرة عاجزة, بدت خائفة."
تمتم الرجل: "هذه هي الحال دائما, في هذه الطوابق المنخفضة تسقط النساء المسنات دائما, تستطيعين رؤية فتيات جميلات في الطوابق 115 العليا, تلك الشقق لا تكلف كثيرا من أجل لاشئ." راقبت الزوجة, "على الأقل نجد في الأسفل هنا الميزة, تستطيعين سماع صوت الارتطام عند ملامستهن الأرض", قال ذلك هازا برأسه بعد أن توقف مصغيا لبضع دقائق ثم أخذ رشفة من قهوته.
_________________
[english][align=center]"We are the choices we have made."[/align][/english]