[align=center]قلب تحت الرماد[/align][/b][/color]
قال لها وهي تقف وراءه واجفة ودموعها تنهمر كما الأمطار التي تتضارب خلف النافذة:
- عودي إلى دارك, فلتغادري الآن ... ليس لك في القلب مكان.
- ولكني أحبك.. أين العهود والوعود ؟؟ أنا أعرف أنك تهواني وأني أسكن قلبك, جئت إليك هاربة من الجحيم .... أنت جنتي الموعوة !!! ..
أسكتها بقوة: كفي عن هذا الهراء وعودي إلى دارك, حيث زوجك وأطفالك الصغار, هم بحاجة إليك, ينتظرونك كصغار العصافير يتلهفون لدفء أنفاسك.
- والماضي وهذه الذكريات التي تسكننا وذاك الوجد الذي لا يبارحني؟؟
- الماضي مات ... والذكرى ابتلعتها الرياح ... ولم يعد لها أي معنى الآن ...
- حسام ! .. اسمعني .. لم أعد أحتمل .. صبري يفوق طاقتي .. أي زوج هذا الذي تتحدث عنه ؟؟ تعال وانظر إلى بقايا هذا الرجل المذاب تحت جبروت الخمرة والإدمان لقد تحول في نظري إلى مسخ رجل.
- تحمليه إلى أن يفيق ... ساعديه على التخلص من هذا الإدمان , قفي إلى جانبه , لا تتخلي عنه ...
- أنت تعلم كم احتملت !! وتجرعت كأس الغصات والآلام وحدي, كان جزائي الضرب والمهانة والذل والفقر .... أي احتمال سخيف تتحدث عن يا بطل المواقف ؟؟؟!!!
- ليلى .. مزيداً من الصبر إنه في قمة الضعف .. وأنت تعلمين كم هو طيب النفس ؟! وذهبي الجوارح, إدمانه طارئ نتج عن هروبه من شبح الافلاس الذي تعرض إليه في آخر الصفقات ... أنا أعلم الناس به لابد أن تزول هذه العاصفة .
- هكذا أنت ... تعتلي مرصدك العاجي لتراقب هزيمة غيرك مما خلفته آثار يديك .. تركتني وأنا بأمس الحاجة إليك , لتسافر بعيداً تبحث عن أمجادك , ولتبارك لي بعد طول انتظار زفافاً أسطورياً في كذبة, جعلتني أدفن قلبي بين ظلوعي , أحبس دموعي وأدعي السعادة بجسد بلا روح وفؤاد بلا نبض .
- ليلى .. عودي الآن .. غادريني إلى الأبد ... لا تنكأي جروح الماضي بعد التآمها ... ذاك الفارس الذي رحل بعيداً يبحث عن أمجاده , ما هو إلا ذاك الفارس الخائب الذي افترش الحدائق وفتت الصخر بحثاً عن لقيمات لا تسد رمقه , ورمق أسرته التي كانت تنتظر حوالاته أول كل شهر كان هو الأجدر والأحق بك مني يتوجك أميرةً تطوف أرجاء داره الوارفة, قلت لك عودي وغادريني وانسي هذا المكان.
رمقته بعيون كسيرة ضمنتها كل عذابات القهر والحرمان ... أهذا كل ما لديك ؟؟ كان حلمي الأوحد أن يضمنا سقف واحد ... وها أنذا جئتك على أقدامي وبين يديك بكل حبي وأشواقي وقيودي حررني من عبوديتي , أنا على عهدي ... أنظر إلي كل قطرة من دمي تناديك .
تعمد ألا ينظر إلى عينيها , راوغ بنظراته , استجمع كل قسوة الصخور وشموخ الجبال التي لا تنكسر مردداً: عودي من حيث أتيت , أطفالك جياع يلفهم الصقيع .... بحاجة إليك .. كوني لهم الجناح الذي يحميهم ويقيهم.
- ومن قال إني سأتخلى عنهم ... سأعوضهم بعد فك وثاقي عن كل هذا الحرمان , بل وأفضل فالحر قادر على العطاء أكثر من العبد .
- لن يكون الأمر بهذه البساطة التي تتحدثين عنها , فهذه رحلة عمر سنعيشها مكتوبة بخط القدر وقدرك أن تفتحي ذراعيك لاحتواء عواصف بيتك لتدافعي عن قلاعك بكل قوة ... لا تنهاري ولا تستسلمي .. قودي السفينة بأمان وثقة .
كفكفت دموعها... وحزمت شعرها الأسود الذي بللته الأمطار بقبعة صوفيه وقالت وهي ترتدي معطفها بكلمات قطعتها غصة الدموع:
- هكذا أنت ... استسلمت للقدر .. أنت لست لي .. أضعتني صغيرة وكبيرة ... وسأبقى أحبك ... وصفقت الباب خلفها .. وبقايا دموعها تملئ المكان حتى لكأنه أحس بعبراتها أمواج بحر تخنقه ... وكأن عربيداً يقتلع نبضاته وأوصاله.
ها هي تنظر إليه من خلف النافذة... كانت ترتعد من البرد , تثير الشفقة بنحولها وبأسها وبعينيها الباكيتين أبداً.. ودّعته بصمت يرعد كالبرق , عصفت بكيانه , بكل خاجاته , وعندما توارت عنه انهار مستلقياً على أقرب أريكة لديه مردداً اسمها , لأني أحبك يا نصفي التائه عني ... قسوت عليك ... لأنك في قلبي ولن تبرحي هذا القلب , أردت أن أصونك من الضياع . فارسك المهزوم .... أراد أن يكون بطلاً في الموقف المصيري .... فأعاد الأميرة المأسورة إلى قلاعها الأقوى .
من قال أنك غادرتني يا حبيبة الروح ؟؟ ... وأنت تسكنين جوارحي ومن بعدك أضربت عن كل نساء الأرض. عودي حبيبتي , واتركي فارسك يداوي جراحه المثخنة بنفسه , فلقد عودته الأيام على ابتلاع العلقم ممزوجاً بالحرمان والمكابرة .
وفي خطوات متثاقلة أمسك بمظروف قديم متهالك , كان يحتوي صورة قديمة لها مهترئة.... وقصاصات ورقية دونت فيها بعض أسطر طفولية متعثرة الكلمات بخط ذوات الأربعة عشر عاما .
قرب المظروف إلى صدرة بكثير من الشوق.... في امتزاج أذاب كل سنين عمره ولعل الآتي منه أيضاً.
|
