هنا نرسم شخصياتنا ونلونها ونكتب لها أحداثاً ، نصيغ من الواقع مواقفَ وعِبـَر ، ليقول القلم ما لم تستطع قوله الحياة ...
الموضوع مغلق

جدار زجاجي

الاثنين كانون الأول 19, 2011 7:24 م

كمْ شعرتُ بالسعادة عندما اتصلت بي تلك الموظفة لتخبرني أنني سأحصل على عقد فصلي في تلك الشركة . و خلال يومين ، كنتُ على مكتبي و أمامي الحاسوب  و الانترنت السريع . حتى التلفاز و الخدمة بشكلٍ عام . غريبٌ ذلك المكتب ، ثلاثة غرفٍ  في الطابق الثالث : غرفة المدير و غرفتان منفصلتان و موصولتان بلوحٍ من الزجاج الشفّاف . كنتُ في مكتبي أعملُ عملي و أنصرفُ بكلّ خفّة ظل ، صحيحٌ أنني و تلك الموظفة كنا نسترق النظر لبعضنا أو ننتظر فرصةً لكي نتعرّف على بعضنا كزميلين في العمل في مشوارٍ قصيرٍ في هذه الحياة التي نسرقُ منها الفرح و نخافُ عليه إذا جاءنا .
و بعد أربعة أيّام أشارت لي بأن آتي لمكتبها ، ففعلتْ ، و من ذلك الجدار الزجاجي لباب خشبي فخمٍ :
صباح الخير يا آنسة ... ؟
-        لبنى .. كيف حالك يا زميلي الصغير ؟
استفزتني كلمة " الصغير " فسألتها :
-        كمْ عمرك ؟ لماذا تزيدين نفسك في العمر؟
تفاجأت من سؤالي و قالت باستغراب : أنا في الثالثة و العشرين و أنت ؟
-        إذن أهلاً بزميلتي الصغيرة ، أنا في السادسة و العشرون . و معظم الناس تقول لي بأنني أبدو أصغرْ . ماذا تريدين آنسة لبنى ؟
ترددتْ ثم سألتني :
-        هل بإمكانك حلّ هذه المشكلة في برنامج المحادثة ؟
-         طبعاً ، اسمحي لي بالجلوس مكانك .
وقفتْ و أفسحتْ لي الطريق ، ثمّ اقتربت مني حتى لامست رائحة مسحوق الغسيل ممزوجاً بالعطر أنفي  و اقتربت مني و هي تسألني و كادت أن تلمسني . ألقيتُ التحيّة عليها في اليوم التالي ، و وجدتها قادمةً نحوي و معها كوبان من قهوة نسكافيه .
-        صباحُ الخير يا غياث .
-        أهلاً لبنى ، شكراً لك .
-        دعنا نبدأ يومنا بالقهوة قبل أن يبدأ العمل .
-        هل حلّت مشكلة البرنامج .
-        نعم . شكراً لك . هل بإمكاني الحصول على بريدك الالكتروني لنتحادث عبر الحواسيب هنا .
-        آسفٌ يا لبنى . لا أفتح بريدي هنا .
-         لا ، هذا أمرٌ عادي ، لا تهتم .
أحسستُ عندها بالخجل ، خاصةً أنّ وجهها الأبيض قد صار أزرقاُ زهرياً . ثمّ تابعتُ عملي و انصرفتْ .
ألقيتُ التحيّة على لبنى في اليوم التالي و جلستُ أشاهد التلفاز و أتصفحّ بعض المواقع على الانترنت .
خشيتُ النظر إلى ذلك الزجاج ، كيف لا و قدْ بدأ الجفاء يغطيه مع تلك الغريبة . أما هيّ ، فقدتْ تابعتْ أمورها بشكلٍ عادي ، لا بل أتت بالفنجان الثاني من القهوة و بدأتْ تحادثني . سألتها : كم لك و أنت تعملين هنا ؟
-        هذه السنة الثانية لي هنا .
-        هل تحبين العمل هنا ؟
-        نعم . أنا مجازة في الهندسة و أحبّ العمل خاصةَ أنني أريد أن أعتمد على نفسي ، و معتادة على وضعي  و أنّ المدير يعاملني بشكلٍ جيّد  .
-        جيد .
-        غياث ، ما رأيك بالحبّ ؟
-        الحب ؟ لا أدري بماذا سأجاوبك و لكن لماذا تسألينني ؟
-        صديقتي انتحرت منذ شهرٍ تقريباً بسبب الحب .
-        أعوذ بالله ، هذا حرام ، كيف حصل ذلك ؟
-        قطعتْ شرايين يدها . فعلاً حرام ، لا بل هذا كفر .
و بدأتْ أفكرّ في جرحي الذي ينزفُ حتّى الآن و أحمدُ الله أنني التجأتُ إليه في كلّ أموري و حتى على سلامة من جرحتني بقّوتها و غرورها و قساوتها و جنونها .
-        بماذا تفكّر يا غياث ؟
-        لا شيء ، حرامٌ عليها و حرامٌ على كلّ إنسان يوقف حياته عند من لا يستحقه .
-        صحيح . هل أحببتَ العملَ هنا يا غياث ؟
-        لا أدري ، إنه عملٌ مؤقتٌ بالنسبة لي . لبنى ما رأيك بالحب ؟
-        ضحكت و قالت : الحبْ هو الحبّ الأول و بعده يفقدُ الكثير .
-        عند الجميع لبنى ؟
-        لا ، لا يمكنني التعميم ، عند أبناء و بنات الأصول . أظنّ ذلك ، الحياة نسبية .
و لكي أغيّر الموضوع قلتُ فوراً :
-        آينشتاين ....
ضحكتْ و انصرفتْ لمكتبها خلف ذلك الجدار الزجاجي الشفّاف . هل أحسّت لبنى بجرحي ؟ هل لديها جرحٌ ما ؟
يا إلهي ، ذلك الجدار الزجاجي موجودٌ أمام كلّ فتاةٍ بالنسبة لي  ، بل إنه موجود أمام كلّ شيء لا تستطيع لمسه عندما تراه ، فمن يختارُ سجن الماضي الميّت ، لا يمكنه الرؤية إلا من ذلك الجدار حتى يكسره أو يكسر وهمه .

صفوة حنّوف




جدار زجاجي

الاثنين كانون الأول 19, 2011 7:53 م

Safwat,  

قصة جميلة ممزوجة بلحظاتٍ جميلة حزينة تصحي الفرحة وتصحي الجرح
تصحي الأمل وتحرق التفاؤل ولولا هذا الجدار الزجاجي لحققت هذهِ القصة
نجاحاً أكثر مما هي عليه,
أتمنى أن ينكسر قيد الذكريات التي مضت ويتحرر السجين من سجنه
ويداوي جراحهُ بيديهِ فالدنيا لم تخلا بعد ولو كنت في مكان غيث لكسرت
الجدار الزجاجي علَّهُ بيومٍ ما يجمعني....
جميلٌ جداً جداً أعجبني ما نثرهُ قلمك المبدع أخي صفوة
تقبل مروري المتواضع و
دمت بحمى الله
*1

جدار زجاجي

الثلاثاء كانون الأول 20, 2011 5:09 م

أتمنى أن ينكسر قيد الذكريات التي مضت ويتحرر السجين من سجنه
ويداوي جراحهُ بيديهِ فالدنيا لم تخلا بعد ولو كنت في مكان غيث لكسرت
الجدار الزجاجي علَّهُ بيومٍ ما يجمعني....

و نتمنى ذلك نحن أيضاً
شكرا لمرورك  *1

جدار زجاجي

الثلاثاء كانون الأول 20, 2011 8:23 م

شكرا لك أخ
safwat
قصة جميلة ورائعة
*good

جدار زجاجي

الثلاثاء كانون الأول 20, 2011 10:07 م

safwat
       العنوان أكثر من رائع  
     رائع دائماً فى كل قصصك
     قصةٌ جميلةُ وتستحقٌ القراءةَ والتعليق
     لأنها تختزل الكثير من المعاني الجميله
     كيف لا وهو منظوم بقلم لايملكه إلا المبدعون
     ودي ووردي واحترامي

جدار زجاجي

الأربعاء كانون الأول 21, 2011 1:52 ص

shaode,  
شكرا لك أخت شودي و ننتظر خواطرك
الأماكن,  
كلّ الشكر لكلامك اللطيف ومتابعتك الطيبة
الموضوع مغلق