هنا نرسم شخصياتنا ونلونها ونكتب لها أحداثاً ، نصيغ من الواقع مواقفَ وعِبـَر ، ليقول القلم ما لم تستطع قوله الحياة ...
الموضوع مغلق

ريَّانَة

الأحد تموز 10, 2011 9:48 م

لم يكنْ ذلكَ المساء كأيِّ مساء!
كانَ دموياً .. بقَدْرِ ما في شَفَقَ الغروبِ من لازورد.
كانَ لاهباً .. بقدرِ رمضاءِ ذلكِ الصيف الحار.
وكئيباً بقدرِ ما يحملُ وعدُ قدومِ الليلِ من حُلكةٍ في البراري.

كانتِ الجُّثةُ مسجَّاةً على قارعةِ الطريق ..
مُقَطَّعةً أشلاء ..

والجُناةُ حولَها في هَرْجٍ ومَرْج ..
كلٌّ يحمِلُ أداتَهُ، وعلى محياهُ عُنجهيةَ المنتصرِ الذي قد أتى على خصم.
وعلى هيئاتهمُ الرَّهَقَ وعلى جباهِهِم حبَّاتِ العرق ..

هي ..

فتاةٌ بعمرِ الورود ..
فرعاءُ القامةِ، مخاتلة ..
تطفحُ أناقةً وصبا ..
نافَ عمرُها الخمسةَ عشرَ عاماً، كانتْ خلالها تتنقَّلُ في كلِّ ربيعٍ من زهوٍ إلى أزهى ..
وتتحلّى بثوبٍ كأنه سندُسُ الدنيا، يهفهفُ بزركشاتهِ الخضرِ ..
فتُنْعِشُ من يراها .. وتجلِبُ الفَرحَ إلى قلوبِ البائسين ..

وذاك المساء ..

قتلوها ..
نعم قتلوها وقطَّعوا جسَدَها الغضَّ أشلاءً .. ولا من مجير

كانوا يجولون حولها كأنهمْ في رقصةٍ لأكلةِ لحومِ البشر حولَ مشهدِ الضحية
لم يكنْ في قلوبِهِم أي أثرٍ من رحمة .. مع أن المنظر يدمي القلوب .. بحق.
لم أجدْ حولَهُم من يشجب أو يزجر.
ويلاه .. أ إلى هذا الحدِّ تجفو القلوب؟

هي كانت كالسماء إذا أناخت بالخير .. وكالغيم إذا أظل.

كلما كَبُرَت عاماً زادها الله بهاءً وغبطة
وكلما زادَ بهاؤها .. تربَّعت على وجهي ابتسامةٌ قبالَتها .. وهَنِئَتْ عيناي بالمساءاتِ في حضرتها

اليوم ..
ربطوا أطرافَها المفصولةَ عن جسدِها، بالحبال .. وجرُّوها ..

لا أدري إلى أين!!

أما أنا ..
فبحجمِ سماء ذلك الزوال ..
أحاطت بي الكآبة ..
لأجلِ صفصافةٍ ضاقوا بها ذرعاً على ناصية شارع.

14/7/2009

ريَّانَة

الاثنين تموز 11, 2011 1:55 م

كم هو جميلٌ عنصر المفاجأة في قصتك.

ما زلتَ منذ بدايتها وأنت تؤسس في ذهن القارئ أفقاً معيناً لهذه الفتاة، وأغرقتَ في الوصف..
وصف الفتاة
وصف الرجال
وصف حالتك أنت
وكان الغرض من كل وصفك رسم صورة محددة عند القارئ، وكأنها صورة تعذيب فتاتة بريئة وقعت بين يدي متوحشين.

وبعد تأسيسك هذا ..
جئتَ في النهاية لتصدم أفق التوقع الذي بناه القارئ، بحقيقة الفتاة، التي لم تكن إلا شجرةً فتية، قُطِعت واجتمعوا حولها يحتفلون !

كسرك لأفق التوقع الذي أسسته عند القارئ، فيه ذكاء وتدبير، ولا أخفيك أن كثيراً من النصوص تسمو بكسر توقعات القارئ.

إلا أنني وجدتُ في ثنايا القصة القصيرة، ما وقفتُ عنده ورأيته غريباً بعيداً: (وأناخت السماء بالخير)
فلم أجد تشبيه السماء بالناقة تشبيهاً حسناً، فلا وجود لأجواء الناقة في قصتك، وربطك السماء بالناقة وإن كان مؤسساً بدقة إلا أنه بعيدٌ نوعاً ما.

ما عدا هذا، فإن لقصتك لمسة فنية مميزة تمثّلت في النهاية.

*1

ريَّانَة

الثلاثاء تموز 12, 2011 11:23 م

كل الشكر لما أحطتِ به مشاركتي من نقد أدبي يعيد صياغة مشاعر القارئ تجاه نصٍ فيه مفاجأة

(أما أنا ..
فبحجمِ سماء ذلك الزوال ..
أحاطت بي الكآبة ..)


هلّا ألمحتِ سيدتي، إلى عاطفة النص؟
فقد حضرتني .. أثناء كتابتي للقصة .. مشاعرُ دفاقة .. أظنها بدت واضحة!

ريَّانَة

الأربعاء تموز 13, 2011 9:51 م

الدكتور طاهر سماق,  
العاطفة واضحة في النص، عاطفة خوف من وحشية هؤلاء في (قتلهم) للشجرة، وعاطفة حزن على قتلها.
وقد جاءت الألفاظ لتبيّن ذلك ..
يدمي - كآبة - دموياً - جثة - جناة ....... الخ.

الحزن على قطع شجرة شعورٌ فيه كثيرٌ من الإنسانية.

ريَّانَة

الأحد تموز 17, 2011 11:32 م

شكراً .. شكراً .. شكراً للتعقيب
الموضوع مغلق