هنا نرسم شخصياتنا ونلونها ونكتب لها أحداثاً ، نصيغ من الواقع مواقفَ وعِبـَر ، ليقول القلم ما لم تستطع قوله الحياة ...
الموضوع مغلق

همسة و نسمة

الثلاثاء تموز 06, 2010 9:38 م

صورة




المركز الثقافي ، ساحة المسرح  العامة ، قبل بداية العام الثاني على حرب العراق . كان فارس طالباً في الثانوية العامة و كان يحبّ حفظ المواد  في هذه الساحة لأنه يعتبرها قطعةٌ من الجنة بأزهارها و جوّها الربيعي .
كان لدى فارس دقائق جميلة جدا ، ألا و هي الدقائق التي تمّر فيها فتاةٌ يرتبط بداخله فيها . و كان الغموض بحرا في أعماقه كنوزٌ بالنسبة له .  كما  كانت  بدورها تبادله ابتسامات بريئة و طفولية ممزوجة بين الفرح و الخجل . كان يريد التكلّم معها و كان يملك من الجرأة ما يكفي ، لكن احترامه  لها كان أكبر .  
ذات شمس ، رآها تمشي غاضبةً كطفلة لا تدري شيئاً إلا أنها تعرّضت للإهانة . عيونها الزرقاء كانت تشعّ غضباً و خدودها الوردية كانت شلالات نار من دم  ، حيث كان يتبعها شابٌ يريد معاكستها . لم ينتظر فارس لحظةً ليذهب و يدفعه بضربةٍ طرحته أرضا و جعلته يرتعب و يرتبك و يهرب أيضاً  . ففارس كان بطولٍ أكثر من العادي بقليل و كان صاحب إرادةٍ كبيرة حيث أنه لا يترك أي شيء دون تحقيق ما يصبو إليه .  
شعرتْ تلك الفتاة بفرحِ كبير و استقلت الحافلة و هي ترمي فارس بابتسامة شكر . وصلتْ بيتها و هي تشعر بفرح كبيرٍ و راحتْ تحكي لشقيتها عمّا حصل  فسألتها شقيقتها :
-        هل كان فارس أحلام إذاً ؟
أجابتها : لا ادري ما اسمه حتّى الآن .
. مضت خمسة أيامٍ على ذلك الموقف . و أخيراً تصادفا  في نفس المكان . ابتسم فارس لها مما دفعها إلى التقدم نحوه و السلام عليه .
قالت له : شكراً لك ، لم يعد يتعرّض لي ذلك الشاب الغبي .
-        حصل خير ، لم أفعل غير الواجب .
-        شكراً لك حقاً .
-        بالمناسبة ما اسمك ، و ماذا تفعل هنا دائماً ؟
-        اسمي فارس و أنا طالب في الثانوية .
-         قالت في قلبها : " فارسٌ حقاً " و ابتسمت له .
-        و ماذا عنك ؟
-        اسمي همسة   و أنا آتي إلى هنا لأنني أتبع دورة  في تعليم البيانو في المعهد المجاور .
-        شيءٌ جميل ، يوجد بيانو هنا و كم أكون سعيداً لو سمعتُ شيئاً من عزفك .  
-        مرةً أخرى لأنني في عجلةٍ من أمري و أريد العودة إلى المنزل و أعدك بزيارةٍ قريبة .
-        هل تقبلين دعوتي على الفطور ؟
-        نعم , بعد غدٍ .
-        أنتظرك
-        حسناً
-        إلى اللقاء .
كان اليوم عيداً لكلا الطرفين . لقد غمر الحبّ و السعادة وجوهما و صار الهواء ذو نكهة خاصة عند التنفس لكليهما   . حتى الشعور بالشوق بدأ منذ تلك الليلة .  
و جاء ذلك اليوم الذي جعل كلا الاثنين يلبسان و كأنهما ذاهبان  لعيد . كان فارس محتاراً فيما سيكون الفطور ، و تمنى أن يقدّم أي شيء تحبه
همسة . جاءت همسة و جلسا يسألان بعضهما عن الأخبار و تكلّما مواضيع عامة في الحياة و عن آدم و حواء . ثم سألها :
بماذا ترغبين اليوم على الفطور ؟
-        على هواك .
- إنني أحبّ تناول فطوري في هذه الساحة .
- إنها ساحة جميلة حقاً و ثوب الربيع  يزيّنها بشكل جميل .
-  لكن الربيع في عيونك أجمل .
- ابتسمت همسة ابتسامة رضا و قالت له :
شكراً ، أنت شخصٌ لبق و أشعر بالراحة معك .
-        أشكرك و أتمنى الاستمرار في ذلك .
تناولا فطورهما و  طلب فارس عزفا منها .
هل يسمح لنا بذلك ؟
-        أنا أدرس هنا منذ سنوات و حرّاس المسرح يعرفونني جيداً لان منزلي قريبٌ من هنا و أمين على كل شيء .
-         حسناً .
دخلا المسرح و كان فيه بيانو جميلٌ جداً و لم تبدو مرتبكة عندما بدأت بالعزف . رفعت أكمام قميصها قليلاً . و هنا انتبه فارس إلى علامة حرقٍ قديمٍ في ساعدها الأيمن . عزفت همسة لحناً رائعاً و عندما انتبهت إلى فارس و هو يرنو إلى ساعدها وقفت فجأةً .
-        لماذا وقفتِ ؟
-         فارس ، هذا حرقٌ قديم و أنا غير متضايقة منه  .
-        و لا أنا .
شعرت همسة بالارتياح و أكملت عزفها و بدأت بتصعيد اللحن الذي شارف على الانتهاء و كان هدفها السمو بروحها مع فارس نحو الغيوم و السماء . و عندما انتهت صفّق لها بحرارة و عبّر عن إعجابه بهذا اللحن .
سألته :
-        هل تحبّ الموسيقى الكلاسيكية ؟
-        نعم ، و أحب فلسفة الحبّ عند جبران و المرأة في شعر نزار و الخيل في شعر امرؤ القيس  و نزار في أغاني كاظم  و بدأت أحبّ شيئاً في كل ما ذكرت منذ فترة قريبة .
-         و ما هوّ ؟
-         لا أستطيع البوح الآن ، نحن على خشبة مسرح و أحتاج أن أكون  في  محرابٍ لأبوح  بذلك .  
شعرت همسة بالفرح و سألت فارس  بعد خروجهما من المسرح :
-        ما هذا الطريق ؟
-        إنه طريقٌ مختصرٌ نحو البوابة الخارجية للمسرح و يؤدي إلى الحافلة التي تستقلينها عادةً .
-        حقاً ؟  هل تمانعُ في إيصالي هناك ؟
-        لا ، ابقي قليلاً أرجوك .
-        لا استطيع ، مرة أخرى .
-        حسناً .  

أوصلها فارس ، لكن ما حصل هناك أن قطّة سوداء ذات شيب في رأسها قفزت بجانب  همسة مما دفعها إلى الخوف و الاحتماء بفارس ، الذي شعر بسعادةٍ كبيرة ، خاصةً أنها أقصر منه بقليل و تخاف كالفتاة الصغيرة . تعكّر مزاج همسة و شعرت بالخجل الشديد لما حصل ، لكنها فرحتْ بفارس الذي كان أمينا فعلا عليها  .
ثمّ مضت الأيام و لم تأتي لتزور فارس الذي اقترب موعد امتحاناته  . شعر بالشوق الكبير و ذهب إلى المعهد و كانت صدمته أن الدورة انتهت . وهمسة اختفت .
مضت ثلاث أشهر على غيابها  و دخل فارس الجامعة و  كان يحلم باللقاء بها  . كانت همسة ومضة جميلة ً  .

ثمّ أتى اليوم الذي رآها فيه و شعر بصدمةٍ كبيرة مما دفعه إلى اللحاق بها . مرّ من جانبها ، لكنها نظرت له باستغراب كبيرِ و كأنها لا تعرفه أبدا . استغرب أكثر خاصةً أنها اختلفت قليلاً عليه  و استقل الحافلة و جلس بجانبها  و قال لها :
-        همسة ما بك ؟
-         همسة !  و ضحكت قليلاً و قالت : أنا نسمة ، شقيقتها التوأم .

و هنا لم يدر فارس كيف يتصرّف و بما يجيب و قال :
كيف هذا ؟
-        تابعت ضحكها قائلة : لا بد أنك فارس  ، لقد كلمتني همسة كثيراً عنك . و لا بد أنك لا تصدّق ذلك . لكنني سأثبت لك . رفعت عن ساعدها لتريه أنه لا حرق في ساعدها الأيمن  . و هنا تأكد فارس أنها فعلاً شقيقتها التوأم . و سألها عن همسة . قالت له أنها تزوجت فجأة و سافرت مع زوجها .
-        سلامي لها . قال فارس و اعتذر من نسمة  و نزل من الحافلة و قال في نفسه : "  كل ما اعرفه الآن أنني لا أعرف شيئاً "
صفوة حنّوف
6/7/2010

همسة و نسمة

الاثنين تموز 12, 2010 4:30 م

تذكرني هذه القصة بمسلسلي أهل الغرام وسيرة الحب، فجميعهم يتناولون هذه المواقف السريعة في العلاقات كما فعلتَ هنا.
في هذه القصة تماسكٌ أكثر من سابقتها، وكل المواقف الأخرى فيها ليست استطراداً بل موظفة لتخدم جوهر القصة، وهذا ما يكون في القصة القصيرة، حيث ينبغي تكثيف المواقف وتوظيف المشاهد لتخدم الفكرة الأساسية وتحدد ملامحها.
والقصة مقبولةٌ من حيث واقعيتها، فكل أحداثها قد تصير على أرض الواقع، والجمالية تكمن في الصياغة والتعبير عن الأفكار.
طريقة عرضك بسيطة لاستخدامك ألفاظاً بسيطة، لم توغل في الوصف واستخدام التشبيهات كثيراً.
نوّعت بين السرد والحوار، وهذا أسلوبٌ جميل يبعد الملل عن القارئ

أحببتُ هذه التعبيرات، ووجدتها مناسبةً لسياق لقصة:

- صار الهواء ذو نكهة خاصة عند التنفس لكليهما .
- كانت همسة ومضة جميلة .


عندي بعض الملحوظات:
- صار الهواء ذو نكهة:
ذا نكهة
- و استقلت الحافلة و هي ترمي فارس بابتسامة شكر:
وجدتُ كلمة ترمي هنا قوية لا تتوافق مع الابتسامة، ففي العادة نقول: رماه بنظرة ثاقبة. أما الابتسامة فمن الأنسب أن نستخدم الارسال أي: وهي ترسل إليه ابتسامة شكر.
- وصلت بيتها:
وصلت إلى بيتها، الفعل يتعدى بجار ومجرور.
- و كأنهما ذاهبان  لعيد:
ذاهبان إلى عيد. ولكن برأيك هل يمكن الذهاب إلى العيد؟؟
- لم تأتي :
لم تأتِ
-   سلامي لها . قال فارس و اعتذر من نسمة :
هذه الطريقة تأثرٌ بالترجمة، فالصحيح أن نقول: قال فارس: سلامي لها، واعتذر من نسمة.
أي نجعل القائل أولاً ثم نُلحق به المقول.
- موضوع الحرق لا يكون مشابهاً في نفس المكان، هو إذن وحمة كما يقال عنها.
*1

همسة و نسمة

الخميس تموز 15, 2010 2:27 ص

تذكرني هذه القصة بمسلسلي أهل الغرام وسيرة الحب، فجميعهم يتناولون هذه المواقف السريعة في العلاقات كما فعلتَ هنا.
في هذه القصة تماسكٌ أكثر من سابقتها، وكل المواقف الأخرى فيها ليست استطراداً بل موظفة لتخدم جوهر القصة، وهذا ما يكون في القصة القصيرة، حيث ينبغي تكثيف المواقف وتوظيف المشاهد لتخدم الفكرة الأساسية وتحدد ملامحها.
والقصة مقبولةٌ من حيث واقعيتها، فكل أحداثها قد تصير على أرض الواقع، والجمالية تكمن في الصياغة والتعبير عن الأفكار.
طريقة عرضك بسيطة لاستخدامك ألفاظاً بسيطة، لم توغل في الوصف واستخدام التشبيهات كثيراً.
نوّعت بين السرد والحوار، وهذا أسلوبٌ جميل يبعد الملل عن القارئ

جعلتيني اشعر بالسعادة هذه المرّة لأنني احببت ان أتقدّم و أعلم بأنك من الأشخاص البعيدين عن المجاملة .....
قرأها بعض الأصدقاء و نصحوني بارسالها ....بدا العرض يغريني ...لكنني أحضّر القصّة الثالثة لأهل الغرام ...أتمنى أن تعجبكم

عندي بعض الملحوظات:
- صار الهواء ذو نكهة:
ذا نكهة
- و استقلت الحافلة و هي ترمي فارس بابتسامة شكر:
وجدتُ كلمة ترمي هنا قوية لا تتوافق مع الابتسامة، ففي العادة نقول: رماه بنظرة ثاقبة. أما الابتسامة فمن الأنسب أن نستخدم الارسال أي: وهي ترسل إليه ابتسامة شكر.
- وصلت بيتها:
وصلت إلى بيتها، الفعل يتعدى بجار ومجرور.
- و كأنهما ذاهبان  لعيد:
ذاهبان إلى عيد. ولكن برأيك هل يمكن الذهاب إلى العيد؟؟
- لم تأتي :
لم تأتِ
-   سلامي لها . قال فارس و اعتذر من نسمة :
هذه الطريقة تأثرٌ بالترجمة، فالصحيح أن نقول: قال فارس: سلامي لها، واعتذر من نسمة.
أي نجعل القائل أولاً ثم نُلحق به المقول.
- موضوع الحرق لا يكون مشابهاً في نفس المكان، هو إذن وحمة كما يقال عنها.

أفخر بكونك أستاذتي الوحيدة و المنفردة في اللغة العربية في هذا المنتدى و اعترف بأنني لا أجرؤ على إرسال اي شيء للجريدة قبل أخذ ملاحظاتك
بارك الله بك

همسة و نسمة

الثلاثاء تشرين الثاني 22, 2011 12:09 ص

تكرم عينك
منفعلها

همسة و نسمة

الأربعاء كانون الأول 07, 2011 2:56 ص

صفوة
قصة مولودة من رحم الواقع وبأسلوبٍ راقٍ
نصٌّ بديعٌ ، وتحليقٌ شاهق في أوجِ التجلِّيْ
     أمرٌ ما ههُنا يشبهُ السحر  وأكثر
جرعة الجمال في الصياغة هنا زائدة جداً


التوائم وقفةُ تأملٍ تستحق المتابعة وعالمُ مليء بالأسرار
صفوة
دمت نجماً ساطعاً بسماء الأبداع والتميز

همسة و نسمة

الأربعاء كانون الأول 07, 2011 11:07 م

قصة حلوة جدا......بس برأي إنو إنقطاع العلاقة بمجردإنتهاء الدورة يعني موواقع حتى يبعدكن عن بعض وخاصةإنو نحنا بعصر النت والإتصالات.......
بس  النصيب إلودوركبير بحياتنا...... *1  *1  *1  *1  *1

همسة و نسمة

الأربعاء كانون الأول 07, 2011 11:10 م

أمرٌ ما ههُنا يشبهُ السحر  وأكثر
جرعة الجمال في الصياغة هنا زائدة جداً

[/quote]
 :oops:  :oops:  :oops:  :oops:
التوائم وقفةُ تأملٍ تستحق المتابعة وعالمُ مليء بالأسرار

اي و الله و جزأ لا يتجزأ من حياتنا ... بس فارس بآخر القصة من الصدمة قال :
و قال في نفسه : "  كل ما اعرفه الآن أنني لا أعرف شيئاً "

[/size]

همسة و نسمة

الأربعاء كانون الأول 07, 2011 11:12 م

Fattoun,  
لمركز الثقافي ، ساحة المسرح  العامة ، قبل بداية العام الثاني على حرب العراق .

يعني 2004  
يعني موواقع حتى يبعدكن عن بعض وخاصةإنو نحنا بعصر النت والإتصالات.......

كم من علاقات طالت حتى حصل كل من الآخر على احد منها ؟
شكرا لمرورك كتير
الموضوع مغلق