أردت مشاركتك بموضوعك فتقبل مروري، وهذه احدى القصص التي قرأتها وأعجبتني :
شكرا لك على ما اضفت
واتمنى الا تكوني عابرة سبيل في صفحتي
دمتي بوووووووووود
لمّا استولى مالك بن فَهْمٍ الأزديّ على مُلْكِ عُمانَ والعراقَ ، وحاز أطرافَها وما حولها ، وكان بِنُزُلٍ ما بين شطِّ عُمانَ إلى ناحية اليمن ، فجعل على أولاده الحرس بالنوبة ، كلٌّ مع جماعة من خواصّه وأُمنائه من قومه الأزد ، لما كان بينه وبين ملوك اليمن من تنافس وتحاسد . إلى أنْ طمع بعضهم في ملك الآخر.
وكان أقربَ ولدِ مالك إليه ، ابنُه سليمة ، وهو أصغرُ ولده ، وكان مالك يُعلّم سُليمة في صغره الرمي بالسهام إلى أن تعلّم وكبر ، واشتدّ عَضُدُه ، فكان يحرس كأحد إخوته بالنوبة . فحسده إخوته لما له في نفس أبيه.
وأقبل نفر من أبناء مالك إلى أبيهم ، فقالوا : يا أبانا إنّك قد جعلتَ على جماعةٍ أولادك الحرس بالنوبة ، وما أحدٌ منهم إلاّ قائم بما يليه ، ما خلا سليمة ، فانّه أضعفُ همّةً ، وأعجز ، وإنّه إذا جنّه الليلُ في الليلة التي تكون فيها نوبته يعتزل عن فرسان قومه ، ويستسلم للنوم ، فلا يكون لك فيه كفاية . وجعلوا يوهنون أمره عند أبيه ، وينسبونه إلى العجز والتقصير . فلم يجدوا لكلامهم أثراً في نفس أبيهم ، فانصرفوا من عنده راجعين بغير ما كانوا يأملون .
ثم إن مالكاً داخله الشك في أمر ابنه سليمة ، فأسرَّ ذلك في نفسه . إلى أن كانت الليلةُ التي
كان فيها نوبةُ ابنِه سليمة . وخرج سليمة في نفر من فرسان قومه يحرسون مالكاً كالعادة ، ولمًا جنّهم
الليل . اعتزل سليمة عنهم المكان الذي يكمن فيه بقرب دار أبيه وخلد إلى النوم .
فبينما هو كذلك ، إذا أقبل مالك بن فهم من قصره في جوف الليل مختفّياً ، لينظر ما يكون من أمر سُليمة ، وقد كانت لحقته سِنةُ من نوم ، فأغمض على ظهرِ فرسه ، وهو متنكّبٌ كنانته ، وفي يده قوسُه ، وأقبل مالك بن فهم في سواد الليل قاصداً نحوه فأحَسّت الفرس بمالك فصهلت الخيلُ، فانتبه سليمة من سِنته مذعوراً . ففوّق سهمَه في كبد قوسه ، ويمّمه نحو شخصِ مالك وهو لا يعلم أنّه أبوه .
فسمع مالك صوتَ السهم ، فهتف به : يا بنيَّ لا ترمِ أنا أبوك . فقال سليمة : يا أبتِ ( قد مَلَكَ السهمُ قصدَه). فأرسلها مثلا . فأصاب السهمُ مالكاً في قلبه ، فقتله . فقال مالك حين أصابه السهم من ابنه سليمة هذه القصيدة، ونعى نفسه فيها إلى القبائل بأرض اليمن ، وذكرَ مسيرَه الذي ساره ، وما كان من شأنه ، واخترت من القصيدة الطويلة هذه الابيات:
فَيا عَجَباً لمـن رَبَّيـتُ طِفـلاً
أُلَقِّمُـه بـأَطـرافِ البَـنـانِ
جَزاهُ اللَه مـن وَلَـدٍ جـزاءً
سُلَيمَـةَ إِنَّـهُ شَـراً جزانـي
أُعَلِّمُـه الرمايَـة كُـلَّ يَـومٍ
فَلَمّا استـدَّ ساعِـدهُ رَمانـي
وَكَم علمتُـه نظـمَ القوامـي
فَلمـا قـالَ قافيـةً هجـانـي
أَعلَّمـه الفُتُـوَّة كـل وَقــتٍ
فَلَمّـا طَـرَّ شارِبُـه جَفانـي
رَمى عَينـي بِسَهـمٍ أَشقَـذيٍّ
حَديـدٍ شَفـرتَـاهُ لهـذَمـانِ
توخّانـي بِقَـدحٍ شَـكَّ قَلبـي
دَقيـقٍ قـد بَرَتـه الراحَتـان
فأَهوى سَهمه كالبَـرقِ حَتـىّ
أَصابَ به الفؤادَ ومـا أَتَّقانـي
فَلا ظَفَرتِ يَداهُ حيـنَ يَرمـي
وَشُلَّت منـه حامِلـةُ البَنـانِ
فَبَكوا يـا بَنـيَّ علـيَّ حَـولا
ورَثُّوني وَجازوا مـن رَمانـي