بسم الله الرحمن الرحيم
قبل أن نخوض غمار أيّ تجربة نقدية ، لابدّ لنا من تحديد الخطوط الأساسية التي ستنبني عليها دراستنا ومن تحديد الرؤية العامة التي تحدد المرجعية الفكرية النقدية التي نناقش العمل الأدبي من خلالها وأقول ( تجربة ) لأنني أَعُدُّ ما أقوم به من عمل محاولة ً لتنمية نظرات نقدية ورؤى آمل أن ترى النور يومًا.
واخترت البداية مع المواهب الأدبية لأنني أرى أن الموهبة إن لم تُراعى ستتراجع وتنطفئ، فكم من شاعر انطفأ شعره في مرحلة معينة وانقطع عن قول الشعر إما لهموم شغلته أو لظروف الحياة الصعبة؟ إنني على ثقة بأنه لو وجد من اهتم لشعره لما توقف ، ولما انقطع ولحاول أن يبدأ من جديد لا لأجله فقط وإنما لأجل محبيه أيضًا.
كما أرى أننا في عصر تُوأَدُ فيه المواهب نقديةً كانت أو أدبية مُضَيّعةً بين براثن النظريات الموغلة في القدم ـ مع احترامي واعتزازي بالنقد القديم ـ وبين سطحية الممارسات النقدية على الساحة الأدبية اليوم، حتى بتنا نرى التصفيق والهتاف لمن يتفوه بطلاسم مدعين أننا نحسُّ بكلماته رغم أننا لم نفهم شيئاً منها ، بينما نعيش التناقض مع تجارب كُتب لها النور ورأت فجر الإبداع وتربعت على عرش الفصاحة اللغوية تتنازعها ألسنة الإعراض والتعريض من جهة، وألسنة التأييد والتعاطف الجارف من جهة أخرى، ولن أذكر الأمثلة لأن صدري يضيق بها ولكن أكتفي بذكر الفكرة لألفت الانتباه إليها.
وبما أن مهمة النقد هي الارتقاء بالتجربة الأدبية شعراً كانت أو نثراً، فحريّ بنا أن نعمل على صقل مواهبنا وتجاربنا لتخرج بأبهى صورة وأسمى هدف للأجيال القادمة، أظن أننا نخطئ حين نغفل أو نهمل مواهبنا الصاعدة، وننتظر موت الأديب لنلفت النظر إلى أعماله الأدبية بحجة أن التجربة لا تتبلور ولا تكتمل معالمها إلا بموت صاحبها ..
تراه ما يفيده المدح أو الذم أو التقييم بعد موته ؟! إن ما احتمله هذا الرأي من خطأ دفعني للبحث والاستقصاء حتى وجدت ضالتي في بعض الدراسات الحديثة التي تنادي بدراسة الشعر المعاصر بهدف صقله وتنميته ليصل إلى المستوى الملائم له في خدمة الإنسانية، فهدف الأدب أولاً وآخراً وهو ما لا يختلف عليه اثنان هو الارتقاء بالإنسانية لنبلغ بها أرقى المراتب.
فكم من شاعرٍ مُقِلٍّ ضاهى بشعريته أكثر المكثرين من خلال بيت أو مقطوعة أو قصيدة؟! والأمثلة على ذلك كثيرة لكل مطلع على شعراء العصور القديمة في حقبها المختلفة، فمَن برزت شعريته في أحد الأبيات فهو بكل تأكيد يمتلكها.
إنّ جيلنا بات منشغلاً بالثقافة الوافدة منكراً في كثير من الأحيان إحياء ثقافته الثرّة متناسياً ما للغته عليه من حق ، ولكنني مع من يرون أن الجيل اللاحق سيولع بالشعر وبالقراءة، وسنرى مواهبنا الشعرية والنثرية اليوم قدواتٍ تُحتذى وأنموذجات راقية يُعتَدُّ بها في الغد ويقع على عاتقنا وزرُ تخلّينا عن استغلال قدراتنا وتطويرها .. هذا أملي .. وهذا منطلقي ..
ولا أدري أخطئ أنا أم أصيب ؟ قررت أن أبدأ من ( آرتين ) كساحةٍ أولى أسأل الله أن يديمها لفائدة الجميع.
التالي..
مقدمة.. مفهوم الشعريةبانتظار ملاحظاتكم وتقييمكم
مدى.