هدىحسنا ... أجد النقاش معك ممتع جدا, و لذلك سأكل الحوار معك و أجيبك من مفهوم بارت. مع العلم أنني اقتنعت بوجهة نظر بارت عندما فهمتها جيدا, و صدقيني ربما تعتمدينها إن حللتيها جيدا, كما سبق و قلتي, قدم نظرية متكاملة. و أنا أجد أنها خالية من الثغرات. المقال "فلسفي" بامتياز. يجب علينا أن نغوص في معاني مفرداته كي نفهمه جيدا. حسنا سأقتبس من آراءك مع التعليق :
اقتباس:
ولكن النقاد فيما بعد ثاروا على نظريته التي تنسف المؤلف نسفاً مع أدبه وعمله ، للذلك أثبتت هذه النظرية فشلها لأنها غبنت المؤلف
حسنا لا بد لي هنا من التساؤل عن معنى الفشل! من هو الشخص الذي يحدد إن كانت نظرية بارت قد فشلت فعلا أم لا؟ أقصد من سؤالي التالي: لا نستطيع أن نعتمد على رأي النقاد هنا, فالنقاد هم من يقول أنها فشلت, أتعلمين لماذا؟ لأنه سخر منهم في مقاله, سخر من أسلوبهم و من إدعائهم أنهم يحققون النصر إن نسبوا العمل الأدبي للمؤلف. فبنظرية بارت ألغى دور الناقد, فهو لم يمت الكاتب فقط, بل قال أن موت المؤلف يعني حتما موت الناقد. و يقصد الناقد "الكلاسيكي". و كردة فعل للدفاع عن وجودهم قام النقاد بمهاجمة نظريته. أجد نفسي هنا مضطر للإقتباس من بارت شخصيا, عن فكرة الناقد. يقول في مقاله:
"Once the Author is removed, the claim to decipher a text becomes quite futile. To give a text an Author is to impose a limit on that text, to furnish it with a final signified, to close the writing. Such a conception suits criticism very well, the latter then allotting itself the important task of discovering the Author (or its hypostases: society, history, psyche, library) beneath the work: when the Author has been found, the text is "explained" - victory to the critic. Hence there is no surprise in the fact that, historically, the reign of the Author has also been that of the Critic, nor again in the fact that criticism (be it new) is today undermined along with the Author."
هدى, من جديد سأعتذر عن الترجمة (لأني فاشل ترجميا
)- فيا تعذبي بترجمتا لحالك يا خلي عبير تترجملك ياها
- بس رح أعطيكي المعنى: يقول بارت ضمن ما اقتبست أن حكم المؤلف ( أي وجوده و عدم موته) هو أيضا حكم للناقد. إذ أن ما يحاول الناقد فعله هو محاول فك تشفير النص للوصول إلى المعنى الذي أراده الكاتب, و عندما يبحث في سيرة الكاتب الذاتية من حياته و عدد أولاده و حالته النفسية و ما إلى ذلك, فإنه يعطي معنى النص بالإعتماد على حياة الكاتب- و لو جزئيا- و بذلك يكون قد حقق "النصر" (قال بارت هذه الجملة للسخرية من الناقد). و يخلص بارت إلى أن إضعاف تأثير المؤلف و موته يؤدي حتما لموت الناقد.
اقتباس:
هذا ما أخبرتني به Hidding Rose مؤخراً ، وأذكر أنني لم أوافقها في ذلك للسبب :
أن للمؤلف أسلوباً خاصاً به يختلف عن غيره يمارسه فيأسرنا من خلاله بجمل هذه اللغة أو صياغة الأفكار
إذا, كما قلت لك يا هدى, بارت لم يدع شيئا لم يتحدث عنه. فهو تحدث حتى عن هذه النقطة. و سأقتبس:
As soon as a fact is narrated .... the voice loses its origin, the author enters into his own death, writing begins. The sense of this phenomenon, however, has varied; in ethnographic societies the responsibility for a narrative is never assumed by a person but only by a mediator, shaman or relator whose 'performance'- the mastery of the narrative code- may possibly be admired but never his 'genius'.
إذا أجابك بارت عن نقطة اعتراضك يا هدى, و قال لك أن الكاتب يموت في اللحظة التي يترك فيها القلم من يده. . . و في هذه اللحظة تماما تبدأ الكتابة بالظهور إلى الوجود, فكل قارئ يقوم بكتابة ما يقرأ .. إذا هو يجيبك عن اعتراضك بالقول بأننا لا نطلق صفة "مؤلف" لمجرد أن الكاتب له اسلوبه في صياغة الأفكار, يقول بارت أننا "نعجب" بطريقة سرد الكاتب للأفكار, و لكننا لا نعجب إطلاقا بأفكاره, لأنه ببساطة لا يؤلف أفكاره, بل يقدم الأفكار بأسلوبه, و نحن نعجب بهذا الأسلوب فقط, و مع ذلك هذا الأسلوب لا يحدد معنى الكلمات, فالقارئ وحده من يحدد معنى التراكيب و العبارات في الكتاب ... لاحظي ماذا قلت يا هدى: لكل كاتب أسلوب خاصاً به يختلف عن غيره يمارسه
فيأسرنا من خلاله
بجمل هذه اللغة أو صياغة الأفكار .. هذا تماما ما قاله بارت .. اقرأي ما اقتبست و لاحظي كلمتي performance و admired و كأنه يقرأ أفكارك يا هدى .. فيجيبك سلفا
و لاحظي ما قال بارت أيضا: but never his genius إذا ما أعجبنا به ليس من إبداع الكاتب .. فلم علينا أن نفهم المعنى كما يريدنا الكاتب أن نفهم؟ لم علينا أن نقول أن الكاتب يقصد هنا كذا و كذا ؟ كما فهم الكاتب هذه الأفكار الموجودة سلفا و وضعها في كتاب معين فنحن أيضا قد نفهم هذه الأفكار بطريقة غير تلك التي فهمها بها الكاتب .. و بذلك ما نحن إلا مؤلفون نؤلف أفكار موجود مسبقا في كتاب كتبه فلان من الناس .. هل وصلت الفكرة؟
اقتباس:
وهذا يقودنا إلى طريقة معالجة كل كاتب للفكرة الموجودة - كما ذكر بارت -
و هنا تكمن نقطة الخلاف!!! فلم علينا أنا نبحث عن طريقة معالجة كل كاتب لفكرة موجودة مسبقا؟ لا لا نعالج نحن هذه الأفكار الموجودة في الكتاب بطريقتنا الخاصة بنا, لم علينا أن نهتم بهذا الكاتب؟
اقتباس:
فلولا المؤلف لما وصلتنا المواقف في مجتمعات مختلفة ولا كنا لنعرف ما هي الأفكار التي تسود في عقل نمطٍ معيّن من الناس في هذه الحياة
صدقيني لا تعرف الأفكار مجتمعات معينة دون الأخرى .. فأي فكرة يفكر فيها أي إنسان هي موجودة في كل مكان, و لا تختص بمكان واحد دون الآخر, فالخالق واحد, و كلنا أبناء آدم, إذا نتقاسم جميع الأفكار و نختلف بالأفعال .. و الإستجابة لهذه الأفعال . .
اقتباس:
ولو كان بارت حياً ، لقلت له : ألست مؤلفاً في النهاية ؟؟ ألم تكتب لنا فكرك ؟ هل هذا يعني أنك مت ؟ ما زلنا إلى الآن نناقش نظريتك التي باسمك
صدقيني لا يريد بارت أن نذكر اسمه .. فحتى هو لم ينسب نظرية المؤلف لنفسه, و قال ضمنا في مقالته أنه يقتبس من أفكار موجودة قبله, و لكننا أعجبنا بطريقة سرده للنظرية .. فقط. و بالمناسبة
عندما بدأت بتقديم البرسنتيشن الأسبوع قبل الماضي, لم أتحدث عن بارت نهائيا, بل تحدثت عن النظرية, و قلت ذلك في بداية البرسنتيشن: "بغعتبارنا نتحدث عن موت المؤلف فلا داعي للحديث عن رولانغ بارت"
و بالمناسبة أيضا, يكتب اسم بارت هكذا Roland Barthes ولكنه يلفظ ب "رولان
غ بارت" . . أخذت هذه المعلومة من موقع للفظ أسماء العلم: inogolo دوت كوم.
اقتباس:
إن رأي القارئ أيضاً سيصبح رأي مؤلف ، لأنه لم يعتمد شيئاً جديداً بل بنى عليه ، ولولا رأي المؤلف لما كان القارئ .. ربما هذه الجملة تعني ما قلته :
اقتباس:
يجب أن يولد القارئ على حساب المؤلف
لا لم أقصد ذلك في قولي أنه يجب أن يولد القارئ على حساب المؤلف. قصدت أن في المعادلة ثلاثة أطراف كما قلتي: مؤلف- نص- قارئ .. النص دائما موجود, لأن الله خلقه, و بقي لدينا طرفان, مؤلف و قارئ, و المشكلة أنه لا يمكن أن يجتمع في الوجود مؤلف و قارئ .. فلكي يعيش أحدهما يجب على الآخر أن يموت .. أن يختفي من الوجود , و هذا ما قصدته... بموت المؤلف يولد القارئ .. و لم ييقصد أنه يعتمد على المؤلف بتشكيل أفكاره إطلاقا . . . و قد ناقشت ذلك قبل أن أقتبس هذه العبارة منك.
اقتباس:
إن رأي القارئ أيضاً سيصبح رأي مؤلف
إطلاقا !
اقتباس:
لأنه لم يعتمد شيئاً جديداً بل بنى عليه
ليس فقط القارئ لم يبني على شيء جديد .. كلاهما .. كلا من القارئ و المؤلف لم يعتمد شيئا جديدا .. الكاتب بنى على أفكار سابقة لوجوده .. و القارئ أيضا بنى على نفس الأفكار .. إلا أنه لم يتوسع بكل الأفكار الموجودة في الوجود ... بل بنى على الأفكار الموجودة في الوجود و في النص في آن واحد ( إي أن الكاتب تناول مجموعة أفكار موجودة سابقا و وضعها في كتاب, و القارئ لا ينهل من الأفكار الموجودة في الوجود مباشرة, بل ينهل من الأفكار في الكتاب - والتي بدورها موجودة خارج الكتاب- دويخة مو؟
!! هلق جد ... فكري بالبحر مثل .. البحر موجود .. يأتي شخص ما و ينهل قليلا من هذا البحر (هذا هو المؤلف) .. ثم يذهب بها إلى بيته مثلا و يعطي هذا الماء المأخوذ من البحر إلى أحد أفراد أسرته.. إلى زوجته مثلا .. فتبدأ بالحديق في ماء البحر (هي القارئ) .. و الماء هو النص .. هذا الماء هو جزء من نص كبير (البحر) .. موجود بإرادة الزوج(المؤلف) أو بعدم إرادته .. فقد خلقه الله . . ما قام به الزوج هو فقط أن ينهل "قليلا" من ماء البحر و يجلبه إلى بيته .. كذلك الكتاب .. يحوي مجموعة أفكار قليلة مأخوذة من جميع الأفكار الموجودة في الكون ..
(هلق خيفان ما حدا يطلعلي من الشاشة
).
اقتباس:
هو إذا يبثّ كلمات إلى الجميع ، و(يبثّ) فعل مضاااارع وليس ماضياً
السؤال هنا من بث الأفكار في الكاتب كي يحولها إلى كلمات في كتاب ؟ فكما يبث "المؤلف" هذه الأفكار من خلال نصه إلى القراء كان هناك من يبث نفس هذه الأفكار إلى الكاتب نفسه .. و كان هناك قبل ذلك من يبث الأفكار نفسه إلى الشخص أو الشئ الذي بث الأفكار إلى الكاتب .. و هكذا إلى بداية الخلق .. إلى الله تعالى خالق كل شئ .. "و علم آدم الأسماء كلها ... " إلى آخر الآية الكريمة.
اقتباس:
فالتلقي عملية متكاملة تعتمد ثلاثة أجزاء :
1. الكاتب .
2. النص .
3. المتلقي .
أنا ألغي الجزء الأول .. لأن من قال أن التلقي هي هذه الأجزاء الثلاثة لم يصب بذلك ! فرأي هنا من رأي بارت. و أظن قد أسهبت في تبرير هذا "الكسر" .. كسر عملية التلقي التي وضعها نقاد "يريدون شد اللحاف إلى طرفهم"
عذرا للإطالة .. استهلكت جميع أفكاري في هذا الشأن
و لم أعد أملك ما أضيف .. إلا التعليق على هذه الأفكار إذا لم تقتنعي أيضا يا هدى