|
انه «حداء العيسى». ولكن يجب علينا ان نفرق بين نوعين من الحداء، الاول «حداء الابل» والثاني «حداء الخيل» فالاثنان هما من بحر الرَجز ـ بفتح الراء والجيم ـ سمي رجزا نسبة الى رجز البعير، فالبعير عندما يكون مقيدا او مريضا يتقارب خطوة ويضطرب مشية، فيسمى مشيه في هذه الحالة «رجزا» ويقال للبعير «راجز» او «رجاز» لانه يرتجز او يرجز في مشيه «مشيه غير طبيعي». حداء الإبل سنتكلم عنه بالتفصيل.. تاريخه وانواعه وطرائقه ومناسباته وكل ما يتعلق به، اما حداء الخيل فنذكر لكم للفائدة هذه الكلمة القصيرة عنه، فهو يتكون من أبيات قليلة يرتجزها الفارس وهو على صهوة جواده، في المعارك والمناسبات الحربية والعرضات الحماسية، وتتميز أبياته بانها تؤجج الحماسة والنخوة في ضمائر وقلوب المقاتلين، وتحثهم على الاستبسال في المعركة.. ومن أراد المزيد عنه فليرجع الى كتابنا «الخيل عند العرب.. عز وكبرياء».
أصل حداء الإبل.. في القواميس والمعاجم والمراجع
جاء في قواميس ومعاجم اللغة العربية الفصحى: «التدوية» اصل الحداء ـ بكسر الحاء وفتح الدال ـ ويجوز الحداء ـ بضم الحاء وفتح الدال او تخفيضها ـ والواحدة من «الحداء او الحداء» هي «أحدية وأحدوة». ورجل حاد وحداء هو الذي يحدو الإبل اي يغني لها لتتبعه. تقول العر ب: فلان حداء قراقريا ـ اي جهوري الصوت شديد النبرات ـ.
والتدويه ـ أصل الحداء ـ كما جاء في القواميس والمعاجم هو ان تدعو الابل فتقول: داه.. ـ بالتسكين ـ او تقول: دهده... دهده ـ بالضم ـ لتجيء اليك او الى اولادها.
وتذكر كتب العرب الأقدمين، ان الاصل الاول للحداء (التدوية والدواهه) أنحدر اليهم وتوارثوه من جدهم الاكبر مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ويؤيد هذا القول عربان البوادي الحاليون حيث يقول كبار السن منهم: ان التدويه هو البداية والاصل لكل انواع حداء الابل.
ذكر ابو الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت 346 هـ) في كتابه «مروج الذهب ومعادن الجوهر»: ان «الحداء» كان عند العرب قبل الغناء، وأصله أن مضر بن نزار بن معد قد سقط عن بعيره في بعض أسفاره فانكسرت يده، فجعل يقول: يا يداه.. يا يداه وكان من أحسن الناس صوتا، فتجمعت حوله الإبل وطاب لها السير معه، فاتخذه العرب حداء برجز الشعر، وجعلوا كلامه اول الحداء، فمن قول الحادي:
يا هاديا يا هاديا
ويا يداه ويا يداهفكان الحداء اول السماع والترجيع عند العرب، ثم اشتق الغناء من الحداء.
وبعض الروايات العربية القديمة تقول: ان الذي انكسرت يده هو غلام مضر بن نزار وليس هو مضر، وتسرد الرواية خبرها كالتالي: خرج مضر بن نزار بن معد الى الفلاة ذات يوم فوجد غلامه قد تفرقت عنه إبله فضربه على يده بالعصى، فعدا الغلام في الوادي الفسيح وهو يصبح: وايداه.. وايداه.. هبييا. هبييت، فسمعت الإبل صوت الذي كان يرعاها ويسقيها فتحركت وعطفت عليه واجتمعت حوله.
فقال مضر: لو اشتق من هذا الكلام مثل هذا لكان كلاما تجتمع عليه الإبل فاشتق الحداء من الاصل لامتلاك أزمة شوارد الإبل في الصحاري.
الحداء أيضاُ كان يقال في الحروب لتشجيع النفس على القتال
كــ قول راكان بن حثلين
يا سابقي ما من مطير ......... جمعين والثالث بحر
والله لأبوج لك الطريق ..............لعيون وضّاح النحر
والأمثله كثيرة
حداء تجميع الإبل.. التدويه بالدواهة
حداء تجميع الإبل، هو ما يسميه البدو الحاليون بـ «التدوية» للإبل ـ اي المناداة لها ـ بواسطة «الدواهة».
بعد أن وردت الإبل في عصر او مغرب الأمس على القليب (البئر) وأرتوت من الماء، وفي صباح هذا اليوم أسقيت كفايتها من الماء، وعطنت على جالل (جانب) القليب، فهي الآن إبل معطنة او عطين (العطن ـ باللغة الفصحى ـ هو مبرك الابل حول البئر بعد ان ارتوت من الماء).
وفي صباح او ضحى هذا اليوم، يركب راعي الابل على رحوله (راحلته)، ثم يدوه (ينادي بواسطة دواهته الخاصة على إبله لكي تتبعه الى الفلاة (المرعى).
و«التدوية» ـ باللغة الفصحى ـ هو المناداة على الإبل، ويتم بواسطة «الدواهة» حيث ان لكل صاحب إبل دواهة خاصة به لا يشاركه فيها أحد، وهي كلمة او كلمات مخصوصة ذات نبرات متميزة ولحن متميز، يلعب بها اللسان وتبثها الحنجرة، وحالما تسمعها الإبل تعرفها وتطرب لسماعها، فتلحق براعيها مسرعة وتمشي خلفه ليقودها الى المرعى البعيد عن مضارب العربان وعن مواطن القلبان (جمع قليب وهو البئر).
وكذلك عندما تكون الإبل منتشرة في الفلاة (المرعى)، ويريد صاحبها (راعيها) ان ينقلها الى مرعى آخر فانه يجمعها بواسطة الدواهة حيث يدوه لها فتتبعه، ثم بعد ذلك يغني لها «حداء الهوبال» فتطس الارض بمشافرها طربا لصوت حاديها حتى تصل بمعيته الى المرعى الجديد.
ويذكر ابو محمد عبدالله بن مسلم ابن قتيبة (ت 276هـ/889م) في كتابه: «الشعر والشعراء» هذين البيتين الجميلين:
ولما قضينا من منى كل حاجة ....... ومسح بالأركان من هو ماسح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ......... وسالت بأعناق المطي الأباطح
إن الحادي إذا أراد حداء الإبل قال : هيد ِ هيد ِ وهي على وزن ( فعلن )
معاتبة لهنّ حلا وحوباً *** وجلّ غنائهنّ هيا وهيد ِ
وقال الصاحب بن عباد : يقولون في زجر الإبل هيد ِ هيد ِ و هييد ِ هييد ِ و هادياً هادياً و هـِــدْ هـِـدْ وكلها على وزن (فعلن) و( فاعلن ) ، وقال القيرواني ان أول الحداء قول مضر : وايداه وايداه وجعلت منه العرب هايداً هايداً وفي اللهو والملاهي : واشتق منه الحداء هادياً هادياً و قوله (وايده ) بالضم أو السكون على وزن ( فاعلاتن ، فاعلان ) على التوالي ، وعندهم أيضاً فأن الرجز هو الحداء لسهولة الرجزوبساطته وكثرة استخدامهم له في الحداء
حداء الإبل احد فنون الشعر الغنائي البدوي ,يجمــع بين سحر المعنى وعذوبة الصوت الذي تطرب لسماعة الإبل وهى تتهادى مثقلة بالأحمـــال عـــبر دروب الصـحــــراء ومسالكها , هائمة طــروبة بصوت الحادي من خلفها وهـو يترنم بأبيات شجية تعينها على عناء السفر وبعــد المسيــر ولوعة الرحيل .
والحداء فن شعري غنائي معروف في سائر أنحـــــــاء البوادي العربية لا يكاد يختلف في المضمون والأداء وان كان يختلف في مخارج الحروف ومعاني الكلـمات والألحان مـن منطقة أو قبيلة لأخرى , ويتكون من بيت واحد من الشعـر ( الغنائي ) بقافية واحدة لكلا الشطــرين وكل بيت يحمل معنى مستقلا عن البيت الذي يلية في توافــــق ابـــداعــى وصوتي يؤديه الحادي بصوت مرتفع ومد وتطويلا لبعـــض كلماته .
ومن المعروف إن الإبل تستعذب الشرب وتستحـــــب السير على صوت الحداء كما يقول عربان البوادي الذيـــن يروون عن تأثير الحداء على الإبل أن أميراً مر بشيخ عـرب فرأى عبداً مقيداً بالحديد فقال الأمير ما الذي جناة هــــذا العبد حتى استحق هذا الجزاء فقال الشيخ اتبعني وآخــذة إلى مراح الإبل فرأى الإبل متعبة منهوكة لاتسطيع حــراكا , فقال للعبد غن لها فغنى فنهضت لساعتها متحمسة كأن لم يكن بها شيئا , فقال الشيخ هذا العبد أتى بالإبل مـــن مكان بعيد وهى تحمل أثقالاً وأخذ يغنى لها حتى ضاعفت سيرها فصارت إلى هذا الحال .
وهكذا يسرى هذا اللحن مع النسائم وصوت ( حادي العيس ) بعذوبة شجية يقطع صمت الصحراء ليتواصل مـع إبله في ألفة متوارثة بالفطرة ...فهو لها بصـوت الفـنـــــان المبدع يشدو وهى تسترق السمع .
|
يمكنك أن تستفيد من الصلاحيات الإضافية للعضو و المشاركة في المنتدى بالتسجيل من هنا , كما يشرفنا أن ينضم إلينا الأساتذة و المعلمون 
تسجيل الدخول
تصفح جوال
الأسئلة المتكررة
بحث
.
::
