أصدقائي :
لا أدر لم كلّ هذا النهم"منّي" أمام حكايات الحب ...فحين أقرأ قصص الهوى ...أدرك في داخلي عذوبة وشقاء العاشقين في محرابه..
واليوم ..... حين قرأت هذه الحكاية تمنّيت لو أنّكم قرأتموها لا لشيء الاّ لتدركوا جمال عاشقين ولا أروع .... جبران خليل جبران ومي زيادة
هو غنيّ عن التعريف أمّا هي ..فــ ماذا أقول عنها :
هي من قالت :
" أتمنى أن يأتي بعدي من ينصفني "
لكن لم ينصفها أحد حتى كتبت عنها الكاتبة نوال مصطفى كتابا بعنوان :
مي زيادة أسطورة الحب والنبوغ , ونال هذا الكتاب جائزة أفضل عمل ثقافي عام 2000
هيّا بنا ... ولـ نبحر في حياة أروع امرأة في تارخ الأدب حتى نصل أخيرا الى حكاية حبّها مع جبران ....
هي ....
مي أو ماري الياس زيادة وهذا اسمها الحقيقي , ولدت في مدينة الناصرة بـ فلسطين 1886
لأب لبناني ماروني وأم فلسطينية أرثوذكسية وقضت سنوات عمرها الأولى في المدارس الداخلية في لبنان ثم نزحت مع والدها ووالدتها الى مصر عام 1908 , كان عمرها 22عاما
فتاة في ريعان شبابها وظلّت في مصر حتى توفيّت في 18 أكتوبر 1941
تعلّمت منذ البداية كيف تقهر مشاعرها وتحاصرها , وأمسكت بقوّة لجام قلبها حتى لا يفلت من بين يديها وينطلق صارخا بآهاته وأنّاته بأحلامه وأوجاعه , وفي الوقت الذي فعلت فيه ذلك بقلبها أطلقت لعقلها كل الحريّة لينطلق ويفكر ويحلل ويكتشف ويبحر ...
الفجوة الرّهيبة بين القلب والعقل , الحصار المخيف والانطلاق غير المحدود للفكر .... المحافظة الشديدة مع التمرد والتحرر على كل أنماط الفكر التقليدي ومن هذاالتناقض الجوهري تولّدت كل تناقضاتها الأخرى .
قصتها ...
قصة تراجيديّة بكل ما تحمله الكلمة , قصة امرأة توهّجت كالشمس كظاهرة فريدة في عصرها التف حولها كبار المفكرين في مصر والعالم العربي , واحترم فكرها ونبوغها الأدباء والشعراء
ووقع في حبّها الكثيرين منهم , وكان دائما حبّا من طرف واحد ! فقلب مي كان دائما مغلقا باحكام في وجه الجميع .... وكانت أحيانا تعبّر في كتاباتها عن هذه المشاعر الحائرة فتقول :
ولدت في بلد وأبي من بلد وسكني في بلد وأشباح نفسي تنتقل من بلد الى بلد فلأيّ هذه البلاد أنتمي , انّما أريد وطنا لأموت من أجله أو لأحيا به .
كانت تجيب دائما عند السؤال عن وطنها فتقول :
أنا فلسطينيّة لبنانيّة مصريّة سوريّة
" طافت في الجوّ روح الخريف يا سوريا
وعلى ضفاف النيل أنشأت ربّة الشعر تشدو
فخالجني الشعور بالوحشة
لإغترابي عن سحرك البعيد الخفيّ
وها يعاودني ذكر ربيعك البهيج
وعهد الساعات المفعمة هناء وصفوا
ساعات خلت من الغموم والدموع
ولكن سرعان ما تولّت !
وهي في داخلها لا تعرف لأيّ الباد تنتمي حقّا... وانسحب هذا الشعور بعد ذلك على البشر وعلاقتها بالناس . فرغم الشهرة العظيمة التي حققتها وزحام الرجال من المفكرين والأدباء والمبدعين الغارقين في حبّها ...الاّ أنّها لم تشعر بالإنتماء الى أيّ واحد منهم الاّ .....واحد هو :
جبران خليل جبران الذي أحبّته على الورق فقط من خلال الرسائل المتبادلة بينها من القاهرة ...وبينه من المهجر حيث كان يعيش في أمريكا ....
*************** *************** **************
ما أن انتهت مي من كلمتها في الإحتفال المهيب حتّى ضجّت القاعة بالتصفيق وكادت جدران المكان تهتز من حرارة التأثر و شدّة اعجاب الحاضرين بنبوغ وتألّق وسحر القاء وبلاغة الخطيبة الصغيرة ....
كان ذلك في احتفال أقامته الدولة برعاية الخديوي عبّاس لتكريم الأديب الكبير ( خليل مطران )
وبعث الكاتب المهاجر جران خليل جبران بكلمة ليلقيها أحد الأدباء نيابة عنه في هذه الأمسيّة الهامة و...
قرأت مي كلمة جبران بأسلوب جعل من كلّ كلمة نبضة تطرق قلوب مستمعيها ومن كلّ سطر ومضة تلمع في عقول الحاضرين و....خرج الحاضرون جميعا من الإحتفال لا يذكرون الاّاسما واحدا هو مي صاحبة الصوت العذب والإلقاء المعبّر عن كل كلمة والفكر الّصين الذي ظهر بوضوح في تعقيبها على كلمة جبران بعد أن انتهت منها ومنذ تلك الليلة عام 1913 بدأت خيوط الشهرة تنسج حروف هذا الإسم الذي لم يكن معروفا بهذا الإتساع من قبل وبدأ الجميع يتساءلون عن هذه الأديبة التي تتمتع بجمال الشكل والروح وروعة العقل وعذوبة الصوت معا ...
ومنذ ذاك الوقت افتتحت مي صالونها الأدبي ...متأثرة بتجربة شهيرة في مطلع النهضة الأوروبية خاصة "مدام ريكاميه " حيث كان احدى غرف بيتها منتدى لتبادل الرؤى الثقافية و الفكرية و عرفت ب(الغرفة الزرقاء) و كان هناك أيضا صالون آخر شهير هو صالون
" مدام دو ستايل " ...فكان صالون مي الأدبي" صالون يوم الثلاثاء " قبلة لكل روّاد الأدب و الفكر في ذلك الوقت منهم :خليل مطران ,عباس محمود العقاد, طه حسين ,وكثيرين ...
و يبقى السؤال الأهم :
هل أحبّت مي جبرانا ؟ وهل أحب جبران ميّا ؟
البعض أسماه بالحب السماوي الذي يحلّق عاليا في فضاء الفكر... و وصفه البعض بأنّه محض خيال أو وهم جميل عاشه عاشقان عن بعد دون ان يرى أحدهما الآخر لمرّة واحدة في حياته !!!!!!!!!
اللقاء الأول بينهما كان لقاء على الورق ...بدأته هي برسالة من قارئة الى أديب كبير و كانت قد انتهت من قراءة قصة جبران "مرتا البانية " فكتبت إليه خطابا تعرّفه بنفسها ثم تعلّق على هذه الرواية فماذا قالت هي في هذا الخطاب ؟
[color=#FF00FF][b]من مي إلى جبران :
أمضي بالعربيّة و هو اختصار اسمي , و يتكوّن من الحرفين الاول و الأخير من اسمي الحقيقي الذي هو : ماري . و أمضي" إيزيس كوبيا" بالفرنجية , غير ان لا هذا اسمي و لا ذاك, إاني وحيدة والدي و إن تعددت ألقابي .
حدّثته في هذا الخطاب الأول الذي أرسلته له في عام 1912 عن ديوانها الشعري الأول "أزاهير حلم " الذي كتبته بالفرنسية و كلمته عن حياتها في مصر التي استقرت فيها مع والديها و عن مقالاتها في الجرائد و المجلات العربية .
و تلقّى جبران رسالة مي الأولى بفرح , و كتب إليها مشجعا استمرار المراسلة بينهما , فأهداها روايته الجديدة " الأجنحة المتكسرة "...
لم تصدق مي نفسها, وهي ترى مظروفا مكتوب عليه اسم "جبران خليل جبران " ... و تفتحه لتجد خطابا منه بخط يده و نسخة من روايته موقعة على إهداء رقيق من الأديب الكبير إليها. طارت من الفرحةو جلست مع روايته ... بل غرقت بين سطورها تحاول ان تدخل في أعماق الحرف و ثنايا الكلمة ...ربما وجدته و أمسكت بهذه الروح البعيدة التي تشعر بها قريبة جدا إلى قلبها و عقلها معا .
انتهت الرواية ,و لكن روايتها مع هذا الغريب القريب بدأت بخطاب منها تكتب فيه رأيها في الرواية بصراحة وتتوقف عند نقاط الاختلاف الرئيسة بينها و بين جبران :
"إننا لا نتفق في موضوع الزواج يا جبران , انا أحترم أفكارك , و أجلّ مبادئك لأنني أعرفك صادقا في تعزيزها ,مخلصا في الدفاع عنها , وكلها ترمي إلى مقاصد شريفة , وأشاركك في المبدأ القائل بحرية المرأة فالمرأة يجب أن تكون كالرجل مطلقة الحرية بانتخاب زوجها من بين الشباب ... لا مكيفة حياتها في الغالب الذي اختاره لها الجيران و المعارف , حتى إذا ما انتخبت شريكا لها تقيدت بواجبات تلك الشركة ..أنت تسمّي هذه "سلاسل ثقيلة حبكتها الأجيال " و انا أقول إنها سلاسل ثقيلة ,نعم , و لكن حبكتها الطبيعة التي جعلت المرأة ما هي , فإن توصّل الفكر إلى كسر قيود الاصطلاح و التقاليد فلن يتوصّل إلى كسر قيود الطبيعة لأن أحكامها فوق كل شيء...عند الزواج تعد المرأة بالأمانة , فعندما تجتمع سرّا برجل آخر تعدّ مذنبة إزاء المجتمع و الواجب والعائلة ."
يقف هذا الخلاف الفكري حاجزا بينهما ... و رغم ذلك تظل الأديبة الفريدة بثقافتها المتعددة و موهبتها الأصيلة و رؤيتها الناضجة بلونها المميز في الأسلوب .. و مذاق كتاباتها الخاص الذي يجمع بين تعبيرات الغرب و مفردات الشرق و وجدانياته . يظل هذا كله مركزا للجذب الشديد بينهما .فهذا الذي بينهما ليس حبّا بالمعنى البسيط للكلمة ..بل إن علاقتهما كانت مركبّة ...يتداخل فيها القرب الوجداني مع المتعة الفكرية في الحوار المكتوب بينهما .. تمتزج المشاعر النابضة في القلب بالإعجاب الصادر من العقل . إنّها علاقة فريدة ...و بديعة ..و معذّبة بقدر روعتها !!
تتوقف مي عن الكتابة إلى جبران عامين كاملين بعد أن تسلل إليها الخوف من ان يتعلذق به قلبها و تتحول الصداقة الفكرية إلى حب معذب ثم تعاود المراسلة و تحكي عما أصابها في رحلتها إلى لبنان في الصيف حيث كسرت يدها أثناء ركوب الخيل هناك .
و يرد عليها جبران معاتبا :
حضرة الأديبة الفاضلة .لقد فكرت بأمور كثيرة في تلك الشهور الخرساء التي مرّت دون خطاب منك , لكنه لم يخطر على بالي كونك شريرة ...لنعد إلى متابعة الحديث الذي بداناه منذ عامين كيف انت ؟و كيف حالك ؟هل انت بصحة و عافية (كما يقول سكّان لبنان؟ ) ويجيبها جبران عن اسئلة كثيرةجاءت في خطابها إليه يقول فيها :
صحتي أشبه بحديث السكران ,قد صرفت الصيف و الخريف متنقلا بين أعالي الجبال و شواطئ البحر ,ثم عدت إلى نيويورك أصفر الوجه نحيل الجسم لمتابعة الأعمال , ومصارعة الأحلام (تلك الأحلام الغريبة التي تصعد بي إلى قمة الجبل ثم تهبط بي إلى اعماق الوادي )
و تقوم الحرب العالمية الأولى فتتوقف المراسلة بين مي و جبران من 1914 حتى 1919 ...ثم تبدأمي في إرسال مقالات نشرت لها في جريدة "المقتطف" ... و يرد جبران على مي في خطاب أرسله مع بداية عام 1919 يقول فيه:وجدت في مقالاتك سربا من تلك الميول و المنازع التي طالما حامت حول فكرتي و تتبّعت أحلامي . إنّ مقالاتك هذه تيبّن سحر مواهبك و غزارة اطلاعك, و ملاحة ذوقك في الإنتقاء و الإنتخاب ... و هذا ما يجعل مباحثك من أفضل ما جاء من نوعها في اللغة العربية , و لكن لي سؤال أستأذنك بطرحه : ألا يجيء يوم يا ترى تنصرف فيه مواهبك السامية عن البحث في ماضي الأيام إلى أسرار نفسك و اختباراتها الخاصة ؟ أليس الإبداع أبقى من البحث في المبدعين .....أنا كواحد من المعجبين بك أفضّل ان أقرأ لك قصيدة في ابتسامة ابي الهول من ان أقرأ لك رسالة في تاريخ الفنون , فإنّك تدلينني على شيء عممومي عقلي .. إني أشعر بأن الفن , والفن إظهار ما يطوف و يتمايل و يتجوهر في داخل الروح , هو أحرى و أخلق بمواهبك النادرة في البحث .
و يدفعها جبران إلى الكتابة الإبداعية التي يراها أبقى و أهمّ من الكتابة عن الفنون و عن المبدعين فيقول لها :
"ليس ما تقدّم سوى شكل من اشكال الإستعطاف باسم الفن , فأنا أستعطفك لأنني أريد ان أستميلك إلى تلك الحقول السحرية , حيث أخواتك اللواتي بنين سلّما من الذهب و العاج بين الأرض و السماء .أرجو ان تثقي بإعجابي و ان تتفضّلي بقبول إحترامي الفائق والله يحفظك .
المخلص جبران خليل جبران "
و يصدر جبران كتابه الجديد "المجنون " و كالعادة تكون نسخة مي الموقعة بإهدائه و اسمه على رأس قائمة النسخ المهداة . و فور وصوله إليها ....... تقرأه ليس بعينيها و فكرها ....بل بكل نبضة في كيانها.....فكتاب جبران هو الجزء الوحيد المادي الذي يجسّد هذا الإنسان الهلامي بالنسبة لها ........تقرأه بكل تركيز وغوص .. و ترد في خطاب إلى جبران على ماجاء في هذا الكتاب :
"أجد في كتابك ملاذا سماويا ,بل أثار فيّ الرهبة و الخوف ...أهذه هي كهوف روحك ؟"
فيرد جبران عليها في خطاب :
"ماذا أقول عن كهوف روحي ؟ تلك الكهوف التي تخيفك ,إني ألتجئ إليها عندما اتعب من سبل الناس الواسعة و حقولهم المزهرة و غاياتهم المتعرّشة , إني أدخل كهوفي روحي عندما لا اجد مكانا آخر أسند إليه رأسي , ولو كان لبعض من أحبهم الشجاعة لدخول تلك الكهوف لما وجدوا فيها سوى رجل راكع على ركبتيه و هو يصلّي ."
وتعود مي إلى التوقف والتراجع عن الإستمرار في هذه العلاقة التي اصبحت تسيطر على وجدانها .......وتؤثر الإنسحاب من هذا الحب المستحيل ....تتوقف عن المراسلة لمدّة ثلاثة اشهر حتى يصلها كتاب جبران " الموكب " مع رسالته التي تحمل سطورا قليلة في 10 مايو 1919 يقول فيها :
و العمل كما تجدينه حلم لم يزل نصفه ضبابا و النصف الآخر يكاد يكون جسما محسوسا , فإن استحسنت فيه شيئا تحوّل إلى الحقيقة , و إن لم تستحسني عاد إلى مثل ما كان عليه.
و تكتب إليه معجبة بأشعاره في المواكب :
"رائعة قصائدك في المواكب ..سأستظهر أبياتها ذات الصور الأخّاذة. أنتم اهل الفن تبرزون البدائع بقوى أثيرية احتفظتكم عليها ملوك الجوزاء , فناتي نحن الجمهور و ليس لدينا ما نتفهّمها بها سوى العجز. "
ويسافر جبران في إجازة طويلة ...ثم يعود ليجد ثلاث رسائل من مي في انتظارهفتحضنها عيناه من الفرحة...ويغمره الحنين برؤية حروفها وكلماتها وخطّها الدقيق المرسوم ...فيقرأها مرّات ومرّات ....يتنفّس في رائحة الأوراق رائحة مي وأنفاسها العذبة ....ويجلس منفردا ويكتب لها أجمل خطاب ...تنطق كلّ كلمة فيه بمعنى الحب والحرمان والإفتقاد ...وتتدفّق مشاعر الكاتب الفنّان صادقة ...صارخة ...متوسلة بقاء الحبيب ...وعدم القطيعة أو البعاد .
10/7 /1919 رسالة جبران الى مي :
رجعت اليوم من سفري فوجدت رسائلك الثلاث بل هذه الثروة الجليلة قد وصلت , فانصرفت عن كلّ ما وجدته بانتظاري في هذا المكتب لأصرف نهاري مصغيا الى حديثك الذي يتمايل بين العذوبة والتعنيف ,لأنّني وجدت في رسائلك بعض الملاحظات التي لو سمحت لنفسي الفرحة أن تتألم لتألمت منها , ولكن كيف أسمح لنفسي النظر الى شبه سحابة في سماء صافية مرصعة بالنجوم ؟ و كيف أحوّل عيني عن شجرة زهرة إلى ظل من أغصانها ؟ إنّ حديثنا الذي أنقذناه من سكوت خمسة أعوام لا و لن يتحوّل إلى عتاب أو مناظرة , فأنا أقبل بكل ما تقولينه لعتقادي بأنه يجمل بنا و سبعة آلاف ميل تفصلنا ألاّ أضيف مترا واحدا إلى هذه المسافة الشاسعة بل ان نحاول تقصيرها بما وضعه الله فينا من الميل إلى الجميل و الشوق إلى المنبع و العطش إلى الخالد , يكفينا يا صديقتي ما في هذه الأيام و الليالي من الأوجاع والتشويش و المتاعب و المصاعب , و عندي فكرة تستطيع الوقوف امام المجرّد المطلق لا تزعجها كلمة جاءت في كتاب او ملاحظة أتت في رسالة.
" ما أجمل رسائلك يا مي و ما أشهاها , فهي مثل نهر من الرحيق يتدفّق من الأعالي و يسير مترنّحا في وادي أحلامي ,بل هي كالأوتار ........"
كلمات في رسالة جبران يطغى عليها الفرح لعودة المراسلات بينه و بين مي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ...يرسل إليها خطابه و معها كتاب " المجنون " فترسل مي خطابا عنيفا تنتقد فيه كأديبة و ناقدة أسلوب جبران الذي جاء على لسان بطل روايته .... وتنهي خطابها بجملة شديدة العنف "أهذا هو المجنون ...هو انت المجنون ..."
ولا يغضب جبران من عنف مي في رسالتها .....فهو يفهم جيدا ان ما كتبته جاء من الأديبة و ليس من الحبيبة الساذجة التي تمتدح الإنسان الذي تحبه بمناسبة و بدون مناسبة فـ..مي الأديبة و الناقدة تحب بشكل مختلف ... و تحاور هذا الحبيب الأديب بلغة الفكر المشتركة بينهما و هي على ثقة انه سيفهمها ولن يغضبه نقدها مهما كان قاسيا فهو يعلم جيدا ان تلك القسوة هي التعبير عن منتهى حبها له و حرصها على أن تخرج اعماله الإبداعية في اكمل صورة .
و يجيب جبران مبرّرا:
"المجنون ليس انا بكليتي , و اللذة التي أردت بيانها بلسان شخصية ابتدعتها ليست كل ما لدي من الأفكار و المنازع , و اللهجة التي و جدتها مناسبة لميول ذلك المجنون ليست باللهجة التي أتّخذها عندما أجلس لمحادثة صديق أحبه و أحترمه . و إذا كان لابد من الوصول إلى حقيقيتي بواسطة ما كتبتبه فما عسى يخدمك عن اتّخاذ فتى الغاب في كتابه " المواكب " لهذه الغاية بدلا من "المجنون" ؟
و...... يعيش الأديبان العاشقان مشاعر فرحة عودة الحبيب إلى الحبيب بعد فترة إنقطاع طويلة سبّبتها الحرب العالمية الأولى و قطع سبل المواصلات بين مصر و العالم . و كانت رسائل جبران في تلك الفترة من اروع الآثار الأدبية في أدب الرسائل فـــــــ........
كتب يقول :
لقد اعادت رسائلك إلى نفسي ذكرى ألف ربيع و ألف خريف , و اوقفتني ثانية امام تلك الأشباح التي كنا نبتدعها و نسيرها مركبا إثر مركب . تلك الأشباح التي ما ثار البركان في أوروربة حتى انزوت محتجّة بالسكوت , و ما أعمق ذلك السكوت و ما أطوله !!!!
هل تعلمين يا صديقتي بأني كنت أجد في حديثنا المتقطّع التعزية و الأنس و الطمأنينة , وهل تعلمين بأني كنت أقول لذاتي , هنالك في مشارق الأرض صبية ليست كالصبايا , قد دخلت الهيكل قبل ولادتها و وقفت في قدس الأقداس ,فعرفت السرّ العلوي الذي اتّخذه جبابرة الصباح ثم اتخذت بلادي بلادا لها و قومي قوما لها .,هل تعلمين اني كنت اهمس هذه الأنشودة في أذن خيالي كلّما وردت على رسالة منك و لو علمت لما انقطعت عن الكتابة إلي , و ربما علمت فانقطعت و هذا لا يخلو من أصالة الرأي و الحكمة .
و تعود مي إلى التوقف عن المراسلة لفترة خوفا من ان تغوص أكثر في أعماق تلك المشاعر المستحيلة..
يتبع
[/b][/color]
بقية الحكاية ستكون في صفحات جديدة .. إن أحببتم إكمالها يمكنكم أن تجدوها في صفحات أخرى ....ولكم أن تعذروني إن أطلت فالوقت لايسمح بأكثر من هذا... و الحكاية يجب ان تأخذ حقّها ..بالسرد ...أليس كذلك ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟