السلام عليكم
عدنا
حضر فصول العام مجلس الأدب في يوم بلغ منه الأريب نهاية الأدب، بمشهد من ذوي البلاغة، ومتقني صناعة الصياغة. فقام كل منهم يعرب عن نفسه، ويفتخر على أبناء جنسه. فقال الربيع:أنا شاب الزمان، وروح الحيوان، وإنسان عين الإنسان، أما حياة النفوس، وزينة عروس الغروس، ونزهة الأبصار، ومنطق الأطيار. عرف أوقاتي ناسم، وأيامي أعياد ومواسم، فيها يظهر النبات، وتنشر الأموات، وترد الودائع، وتتحرك الطبائع، ويمرح جَنيب الجنوب، وينزح وجيب القلوب، وتفيض عيون الأنهار، ويعتدل الليل والنهار. كم لي عقد منظوم، وطراز وشي مرقوم، وحلة فاخرة، وحلية ظاهرة، ونجم سعد يدني راعيه من الأمل، وشمس حسن تنشدنا بأبعد ما بين برج الجدي والحمل. عساكري منصورة، وأسلحتي مشهورة: فمن سيف غصن مجوهر، ودرع بنفسج مشهّر، ومغفر شقيق أحمر، وترس بهار يبهر، وسهم آس يرشق فينشق ورمح سوسن سنانه أزرق، تحرسها آيات، وتكنفها ألوية ورايات. بي تحمر من الورد خدوده، وتهتز من البان قدوده، ويخضر عذار الريحان، وينتبه من النرجس طرفه الوسنان، وتخرج الخبايا من الزوايا، ويفتر ثغر الأقحوان قائلاً:
" أنا ابن جلا وطلاع الثنايا " :
إن هذا الربيع شـيء عجيـب
تضحك الأرض من بكاء السماء
ذهـب حيثـمـا ذهبـنـا ودر
حيث درنا وفضة في الفضـاءوقال الصيف:أنا الخل الموافق، والصديق الصادق، والطيب الحاذق. أجتهد في مصلحة الأصحاب وأرفع عنهم كلفة حمل الثياب، وأخفف أثقالهم، وأوفر أموالهم، وأكفيهم المؤونة وأجزل لهم المعونة، وأغنيهم عن شراء الفرا، وأحقق عندهم أن كل الصيد في جوف الفرا، نصرت بالصبا، وأوتيت الحكمة في زمن الصبا. بي تتضح الجادة، وتنضح من الفواكة المادة، ويزهو البسر والرطب، وينصلح مزاج العنب، ويقوى قلب النور، ويلين عطف التين والموز، وينعقد حب الرمان، فيقمع الصفراء ويسكن الخفقان، وتخضب وجنات التفاح ويذهب عرف السفرجل مع هبوب الرياح، وتسود عيون الزيتون، وتخلق تيجان النارنج والليمون، مواعدي منقودة، وموائدي ممدودة. الخير موجود في مقامي، والرزق مقسوم في أيامي. الفقير ينصاع بملء مده وصاعه، والغني يرتع في ربع ملكه وأقطاعه. والوحش تأتي زرافات ووحدانا، والطير تغدو خماصاً وتروح بطانا.
" ابن حبيب رحمه الله تعالى " :
مصيف له ظل مديد على الورى
ومن حلا طعماً وحلل أخلاطـا
يعالج أنـواع الفواكـه مبديـاً
لصحتها حفظاً يعجـز بقراطـا