أهلا بك زائرنا الكريم في منتديات آرتين لتعليم اللغات (^_^)
اليوم هو الخميس آذار 28, 2024 2:06 م
اسم المستخدم : الدخول تلقائياً
كلمة المرور :  
لوحة الإعلانات الإدارية

عذراً أخوتي .. تم إيقاف تسجيل الأعضاء الجدد في آرتين حتى إشعار آخر


آخر المشاركات

  ... آرتين ...   » لابدّ أن أستأذن الوطن .... نزار قباني *  .:. آخر رد: محمدابو حمود  .:.  الردود: 4   ... آرتين ...   » لا يصلح العطار ما افسدة الدهر  .:. آخر رد: محمد الربيعي  .:.  الردود: 2   ... آرتين ...   » مناقشة كتاب"Translation with Reference to English & Arabic"  .:. آخر رد: Jordan  .:.  الردود: 124   ... آرتين ...   » المعرب و الدخيل و المولد ... تتمة  .:. آخر رد: aaahhhmad  .:.  الردود: 6   ... آرتين ...   » تحميل ملف  .:. آخر رد: مصطفى العلي  .:.  الردود: 0   ... آرتين ...   » The Best Short Stories of J.G. bialard The Terminal Beach  .:. آخر رد: المرعاش  .:.  الردود: 0   ... آرتين ...   » هام للطلاب الي بيواجهوا صعوبه بمادة الصوتيا  .:. آخر رد: bassam93  .:.  الردود: 16   ... آرتين ...   » مساعدة مشروع تخرج عن تراجيديات شكسبير  .:. آخر رد: ahmadaway  .:.  الردود: 0   ... آرتين ...   » نتائج سنوات 2009 2010 2011  .:. آخر رد: أبو عمر  .:.  الردود: 0   ... آرتين ...   » نتائج سنوات 2009 2010 2011  .:. آخر رد: أبو عمر  .:.  الردود: 0

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين [ DST ]


قوانين المنتدى


- يمنع التطرق للمواضيع المتعلقة بالحب (بجميع تشعباته) كموضوع قائم بحد ذاته .
- اي مناقشة جدليه (غير ودية) ستحذف .


منتدى مغلق هذا الموضوع مغلق ، لا تستطيع تعديله أو إضافة الردود عليه  [ 7 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
  • عنوان المشاركة: المرونة
مرسل: الخميس شباط 17, 2011 12:21 م 
آرتيني مشارك
آرتيني مشارك
صورة العضو الشخصية
اشترك في: 10 أيلول 2010
المواضيع: 34
المشاركات: 176
القسم: لغة انكليزية
السنة: 3
الاسم: ابراهيم شما
لا يوجد لدي مواضيع بعد

:: ذكر ::


غير متصل
ما هي المرونة  وهل تعتقد انك مرن الى حد ما *1

_________________
التوقيع
ماشي بنور الله


أعلى .:. أسفل
 يشاهد الملف الشخصي  
 
  • عنوان المشاركة: المرونة
مرسل: الخميس شباط 17, 2011 12:24 م 
آرتيني مشارك
آرتيني مشارك
صورة العضو الشخصية
اشترك في: 10 أيلول 2010
المواضيع: 34
المشاركات: 176
القسم: لغة انكليزية
السنة: 3
الاسم: ابراهيم شما
لا يوجد لدي مواضيع بعد

:: ذكر ::


غير متصل
*1 خصائص يتمتع بها  الانسان المرنحتى يكون فعالاً وهي:
1) التحديد والوضوح:
لابد أن يكون الهدف محددا حتى أسعى لتحقيقه، فإذا قلت أن هدفي رفع الإنتاج مثلاً. فهذا هدف غير محدد. فلا بد أن يكون هناك معايير لقياس هذا الهدف من خلال الكمية أو النوعية أو النسبة المئوية أو الزمن أو جميعها. فأجعل هدفي رفع الإنتاج بنسبة 10% خلال 6 أشهر مع المحافظة على مستوى الجودة. وبتفكيرك في الجوانب التي تحدد الهدف وتوضحه تكون قد غرست البذرة الأولي في الطريق نحو جني الهدف.
2) أن يكون إيجابيا وأن يستحق العمل من أجله:
هذه الخاصية ستكون إطارا للخاصية الأولى. فتختار من الأهداف ما يستحق أن تبذل وقتك وجهدك من أجله وتصوغه صياغة إيجابية. فمثلا هدفي أن لا أكون سمينا. فصيغة النفي تعمل بشكل عكسي فترسخ صورة السمنة في اللاواعي. فأنا إذا قلت لك لا تفكر في أسد أخضر اللون ينام على ظهره رافعاً أرجله إلى الأعلى. فإنك بالتأكيد قد فكرت في تلك الصورة مع أنني طلبت منك ألا تفكر. إذن أهدافك ينبغي ألا تشتمل على صيغة النفي أبدا.
3) أن تضع مسئولية تحقيقه على نفسك:
عندما تضع أهدافك ينبغي أن تكون هي أهدافك أنت فعلا لا أهداف شخص آخر وبالتالي فمسئولية تحقيقها ستكون عليك أنت بشكل كامل. لا يعني هذا أن لا نستعين بأحد ولكن عليك أن تتابع الأمر وتتحقق من سير الأمور على نحو يحقق الهدف. فالهدف التالي مثلا عندما يضعه أب لنفسه : أن يحصل ابني على الامتياز في الدراسة، لا يحقق هذا الشرط. فالحصول على امتياز في الدراسة ينبغي أن يكون من أهداف الابن، أما الأب فيمكن أن يكون هدفه أن أراجع مع ابني دروسه بمعدل ساعة كل أسبوع، مثلا. تحمل المسئولية سيكون أول غذاء تغذي به هدفك لأنك بذلك تزرع الثقة والمسئولية في نفسك وتبدأ التحفز للعمل.
4) التفكير في الدلائل التي تبين الاقتراب من تحقيقه:
الهدف شيء رائع أن يعمل للوصول إليه الإنسان. ولكن كيف أعرف إن كنت أقترب من هدفي أو أبتعد عنه أو كنت أراوح في مكاني. نحتاج عند وضع أهدافنا إلى تحديد العناصر والعوامل التي تدلنا على المسافة المتبقية للوصول غلى الهدف. فالسائق الذي يقود سيارته نحو هدف يبعد 10 كيلومترات مثلا، يراقب عداد الكيلو ليحدد كم بقي له حتى يصل هدفه. فلديه مجس يستخدمه دائما للتعرف على ذلك. وكل منا يحتاج مثل ذلك المجس الذي ينير طريقنا ويساعدنا على التعديل في مسارنا من أجل بلوغ الهدف.
وجود مثل هذا المجس سيكون له دور إضافي في تحفيزنا على الاستمرار في السير نحو الهدف. حيث نشعر بتقدمنا في الطريق بعكس من يسير دون أية دلائل على تقدمه فإنه قد ييأس نتيجة عدم وجود ما يشعره بحركته وتقدمه.
فلو وضع بائع لنفسه هدفا أن يرفع مبيعاته بنسبة 10% خلال 3 أشهر مثلا. فأحد الدلائل على تقدمه نحو هدفه أن ترتفع مبيعاته بعد شهر بمقدار 2%، فيحفزه ذلك على الاستمرار. دليل آخر على ذلك أن يتلقى خطاب شكر من رئيسه على جهوده لرفع مبيعاته. دليل آخر أن يتلقى المزيد من طلبات الشراء من عملائه. ودليل آخر أن يتعرف على عملاء جدد مما يزيد من فرصه لرفع المبيعات... وهكذا. مجرد التفكير في مثل هذه الأحداث قبل وقوعها فعليا وتخيلها وكأنها حدث مع تأمل صورها وسماع أصواتها واستشعار مشاعر الفرح بالنجاح يعتبر كالماء والسماد للأهداف يغذيها وينميها ويزيدنا قناعة بها وبإمكانية تحققها مما يشكل حافزا لنا على بذل المزيد من أجل الوصول إليها.
5) دراسة الآثار السلبية والإيجابية:
دراسة الآثار السلبية والإيجابية للهدف جانب مهم للغاية في حياة الهدف. فلو وجد الإنسان أن الهدف الذي يسعى إليه سيكون له آثار سلبية على حياته تفوق الفوائد التي سيجنيها منه فعليه أن يختار بين أمرين. إما أن يجد حلولا لتلافي الآثار السلبية قبل الشروع في العمل من أجل الهدف أو إلغاء الهدف لأنه غير مجد. وكمثال على الآثار السلبية الإنسان الذي يرغب في إكمال دراسته العليا، إذا وجد أن تحقيق هذا الهدف سيعيقه عن عمله الذي هو مصدر رزقه، وسيعيقه عن تربية أبنائه تربية سليمة والوفاء بحقوق الزوجية نحو زوجه، ولم يجد أي وسيلة لتخفيف هذه الآثار. فإن العمل من أجل هذا الهدف يمكن أن يدمر حياته فعليه إلغاءه أو على الأقل تأجيله.
بعد التحقق من الاحتياطات اللازمة للآثار السلبية ننتقل إلى دراسة الآثار الإيجابية. ونقصد بالآثار الإيجابية الجوانب التي ستتحسن في حياتك كنتيجة حتمية لتحقق الهدف. والتعرف على هذه الجوانب بشيء من الاستقصاء يؤدي إلى زيادة الحافز من أجل تحقيق الهدف بل ويجعل العمل من أجله ممتعا كذلك. فالطالب الذي وضع له هدفا أن يحصل على شهادة البكالوريوس بتقدير ممتاز في مجال تخصصه، سيكون من الآثار الإيجابية قدرته على الحصول على وظيفة أو إكمال دراسته العليا بحسب رغبته. ومن آثار تحقق ذلك الهدف أيضا حصوله على المكافأة التي وعده بها أبوه. ومنها أن يحضر حفل التخرج في الجامعة ويتسلم شهادته من مدير الجامعة في حفل مهيب ويعيش تلك اللحظات بكل حواسه، فيتخيل صورة ذلك الحفل كفلم متحرك يحدث الآن ويستمع إلى الكلمات التي تلقى في الحفل ويسمع التهاني وهي تقدم له من أهله وأصدقائه، ويشعر بمشاعر الفرح والفخر والسرور والراحة وكل ما يتمنى أن يشعر به في ذلك اليوم. كل هذا سيتم عند وضعه للهدف، أول السنة على سبيل المثال، ولكن معايشته لهدفه بهذه الطريقة سيلهب حماسه للعمل على تحقيق ذلك الهدف. وسيصبح تذكر هذه الصور والأصوات كالوقود له ينشطه كلما فتر. وكل ما سيحتاجه هو أن يتذكر صورته وهو يعيش حفل التخرج ويعيش التجربة لثوان مما يعطيه جرعة هائلة من الحماس. وسيكون هذا الخيال أفضل غذاء يغذي به نبتته هدفه الصغيرة لتنمو وتترعرع ويأتي أوان حصادها آخر السنة بإذن الله.

_________________
التوقيع
ماشي بنور الله


أعلى .:. أسفل
 يشاهد الملف الشخصي  
 
  • عنوان المشاركة: المرونة
مرسل: الأحد شباط 20, 2011 11:01 ص 
آرتيني مشارك
آرتيني مشارك
صورة العضو الشخصية
اشترك في: 10 أيلول 2010
المواضيع: 34
المشاركات: 176
القسم: لغة انكليزية
السنة: 3
الاسم: ابراهيم شما
لا يوجد لدي مواضيع بعد

:: ذكر ::


غير متصل
المبحث الأول
مفهوم المرونة
المرونة لغة:
قال ابن فارس:  (" مرن " الميم والراء والنون أصل صحيح يدل على لين شيء وسهولة) ( ). وجاء في لسان العرب:  (مَرَنَ يَمرُن مَرانةً ومُرُونةً: وهو لين في صلابة. ومَرَنتَ يَد فُلانٍ على العمل أي صَلبُت واستمرت والمَرَانة: اللينُ ) ( ).
المرونة في الاصطلاح:
إن مفهوم المرونة كغيره من المصطلحات في العلوم الإنسانية تتعد فيه المفاهيم وتختلف ومرد ذلك الاختلاف إلى أن البعض ينظر إلى المرونة من خلال الوسط العلمي الذي يعيش فيه فمنهم من يرى أن المرونة هي التوسط، ومنهم من يرى المرونة هي الحل الأيسر،ومنهم من يرى المرونة في اللين واليسر، ومنهم من يرى المرونة أنها القابلية للتغير إلى الأحسن والأفضل، ومنهم من يرى المرونة في تحقيق خير الخيرينِ ودفع شر الشرّينِ، ومنهم من يرى المرونة في تقبل الآخرين وأفكارهم، ويشير إلى هذا المعنى الأخير الياسين بقوله: (إن على الإنسان أن لا يتخلى عن المرونة في تعامله مع نفسه ومع الآخرين، وليس المقصود بالمرونة بما دون الحق فليس ذلك من المرونة ولا من الشهامة والرجولة، التي يبنيها الدين في الإنسان، و إنما  المقصود ألا يقتصر الإنسان في فهمه وتعامله على جانب واحد من جوانب الحق، لا يتعداه إلى غيره من الجوانب، فإذا تعددت آراء العلماء الموثقين حول نقطة معينه، فلنا أن نأخذ برأي من هذه الآراء دون أن نحاول فرضه على الآخرين، ودون أن يمنعنا ذلك من اعتبار أن الآخرين قد يكونون على الحق ولو أخذوا رأيا آخر من غير أن تقوم بيننا مجادلات، أو تنشأ خلافات وخصومات) ( ). ويمكن أن نستخلص من هذا التعريف:
أن المرونة تكون في تقبل آراء الآخرين، وأن لا يقتصر الإنسان على جانب واحد من الحق، وأن لا يفرض رأيه على الآخرين.
ويشير رزوق إلى أن المرونة تكون في القدرة على التكيف، وهي ميزة تساعد على الانفتاح بقوله:   (تشير المرونة... باعتبارها خاصة تنم عن القدرة على التكيف   و التلاؤم، وميزة تشير إلى الانفتاح على صعيد القدرات والقوى والاستعداد من جانب المرء لتطويعها وملاءمتها بحيث تنطوي على قابلية التطويع) ( ). وتعرف المرونة بأنها هي  (الحد الفاصل بين الثبات المطلق الذي يصل إلى درجة الجمود، والحركة المطلقة التي تخرج بالشيء عن حدوده وضوابطه، أي إن المرونة حركة لا تسلب التماسك، وثبات لا يمنع الحركة) ( ). ويلاحظ أن كل هذه المعاني السابقة من التوسط والقابلية للتغير  والأخذ بأيسر الحلول... وغيرها، معاني تتضمنها المرونة.
ولهذا يمكن القول: إن المرونة هي الاستجابة الانفعالية والعقلية التي تمكن الإنسان من التكيف الإيجابي مع مواقف الحياة المختلفة "سواء كان هذا التكيف بالتوسط أو القابلية للتغير أو الأخذ بأيسر الحلول..."
وقبل أن نختم الحديث عن تعريف المرونة  قد يكون هناك تداخل عند البعض بين مفهوم المرونة والمدارة والمداهنة الذي يتطلب منا توضيح ذلك.
الفرق بين المرونة والمداراة والمداهنة:
وحتى نتعرف على الفرق يتطلب منا أن نتعرف على مفهوم المداراة والمداهنة
أولاً: مفهوم المداراة:
المداراة لغة:  
قال ابن منظور  (والمداراة في حسن الخلق والمعاشرة مع الناس يكون مهموزاً وغير مهموز، فمن همزه كان معناه الاتقاء لشره، ومن لم يهمزه جعله من داريت الظبي أي اختلت له، وختلته حتى أصيده) ( ).  
وقال الجوهري  (فأما المداراة في حسن الخلق والمعاشرة، فإن الأحمر يقول فيه:  إنه يُهمزُ ولا يُهمزُ يقال: دارأته و داريتُه، إذا اتقيتهُ ولاينتُه.) ( ).
المداراة اصطلاحاً:
قال ابن بطال  (المداراة من أخلاق المؤمنين هي خفض الجناح للناس، ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة... والمداراة هي الرفق بالجاهل الذي يستتر بالمعاصي ولا يجاهر بالكبائر، و الملاطفة في رد أهل الباطل إلى مراد الله بلين ولطفِ حتى يرجعوا عما هم عليه) ( ). وقال ابن حجر (المداراة الدفع برفق) ( ).
وقال المناوي  (المداراة: الملاينة و الملاطفة) ( ).
(المداراة معناها التلطف بالمدعو،وإظهار البشاشة له ومراعاته دون إخفاء، أو تحسين لباطل، أو تغير لحقيقة) ( ). ويلاحظ من خلال التعريفات السابقة أن المداراة تأتي على عدة معاني:
1/ المداراة بمعنى حسن الخلق والمعاشرة مع الناس.
2/المداراة  بمعنى الدفع برفق.
3/ المداراة بمعنى الملاينة والملاطفة وإظهار البشاشة.
وللمدارة أمثلة تطبيقية في حياة النبي .
فقد أفرد البخاري في صحيحه باباً بعنوان  (المداراة مع الناس) و أورد فيه حديثاً عن عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:  (ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ أَوْ ابْنُ الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْكَلَامَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ الَّذِي قُلْتَ ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْكَلَامَ قَالَ أَيْ عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ) ( ).
ثانياً: مفهوم المداهنة:
المداهنة في اللغة:
قال ابن منظور  (المُداهَنة والإدهان: المصانَعة واللين، وقيل: المداهنة إظهار خلاف ما يضمر) ( ). وقال الجوهري  (والمُدَاهنةُ كالمصانعة.والإدهَانُ مثله، فال الله تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وقال قوم: داهنت بمعنى واريت، وأدهَنتُ بمعنى غششتُ) ( ).
المداهنة اصطلاحاً:
قال الجرجاني  (المداهنة هي أن ترى منكرا وتقدر على دفعه ولم تدفعه حفظاً لجانب مرتكبه أو جانب غيره أو لقلة مبالاةٍ في الدين) ( ).
من خلال مفهوم المداهنة يمكن القول: إن المرونة والمداراة التي هي صورة من صور المرونة شيء  و المداهنة شيء آخر، فالمرونة والمداراة جائزة بخلاف المداهنة فإنها محرمة شرعاً.
ويشير إلى هذا المعنى ابن القيم بقوله: (وكذلك المداراة صفة مدح،والمداهنة صفة ذم، والفرق بينها أن "المداوي"* يتلطف بصاحبه حتى يستخرج منه الحق أو يرده عن الباطل، والمداهن يتلطف به ليقره على باطله ويتركه على هواه فالمداراة لأهل الإيمان والمداهنة لأهل النفاق) ( ). وهذا ما يؤكده ابن بطال بقوله:  (وقد ظن من لم ينعم النظر أن المداراة هي المداهنة، وذلك غلط،لأن المداراة مندوب إليها، والمداهنة محرمة) ( ).
ويوضح القرطبي محل الفرق بقوله (والفرق بين المداراة والمداهنة، أن المداراة:بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدّين، وهي مباحة ومستحسنة في بعض الأحوال، والمداهنة المذمومة المحرمة:هي بذل الدّين لصالح الدنيا) ( ).
ونخرج من ذلك أن المداراة صورة من صور المرونة، وأن المداهنة شكل من أشكال النفاق.

المبحث الثاني
حدود المرونة بين الثوابت والمتغيرات:
قد يقع بعض المفكرين الإسلاميين في فهم خاطئ لحدود وضوابط المرونة فمنهم فئة تبرز جانب المرونة في أحكام الإسلام كلها، وفي الجهة الأخرى فئة تبرز جانب الثبات والخلود، وهذا ما أشار إليه القرضاوي بقوله:  (يكاد الذين يكتبون عن الإسلام، ورسالته وحضارته  في عصرنا ينقسمون إلى فئتين  متقابلتين  فئة تبرز جانب المرونة والتطور في أحكام الإسلام وتعاليمه، حتى تحسبها عجينة لينة قابلة لما شاء الناس من خلق وتشكيل بلا حدود ولا قيود،وفي الشق الآخر فئة تبرز جانب الثبات والخلود في تشريعه وتوجيهه حتى يتخيل إليك أنك أمام صخرة صلدة لا تتحرك ولا تلين) ( ). إذا هناك ثوابت ومتغيرات فيما يتعلق في أحكام الشريعة الإسلامية
المقصود بالثوابت:
قال ابن منظور  (ثبت:ثَبَتَ الشيء يَثبُتُ ثبَاتاً وثُبوتاً فهو ثابت) ( ).
(و ثابَتَهُ و أثبَتَه: عَرَفَه حق المعرفةِ) ( ).
وجاءت آيات بلفظ الثبات أو ما يشتق منها كما جاء في قوله تعالى:  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ( ) وفي قوله تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ  ( ) وقوله تعالى: وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً  ( ).
قال ابن القيم:  (ومادة التثبيت أصله ومنشأه من القول الثابت... والقول الثابت هو القول الحق والصدق،وهو ضد القول الباطل الكذب، فالقول الحق كلمة التوحيد ولوازمها) ( ).
واصطلاحاً هي:  (الأمور الثابتة على حالة معينة لا تقبل التغير وهي مسلمات عقلية وشرعية تجتمع الأمة عليها وتتميز بها عن غيرها من الأمم والشعوب.وضدها المتغيرات) ( ). فيكون المقصود بالثبات هنا  (هو ما جاء به الوحي من عند الله سواء بلفظ أو المعنى دون اللفظ وانقطع الوحي عن رسول الله   وهو لم ينسخ فهو ثابت محكم له صفة البقاء والدوام لا تغير له ولا تبديل، وهو كذلك أبداً إلى يوم القيامة) ( ).
ودليل هذا الثبات قوله تعالى  وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( ).
ويعدد القرضاوي، مجالات هذا الثبات في الشريعة بقوله:  (نجد الثبات يتمثل في العقائد الأساسية الخمس، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر... وفي الأركان العملية الخمسة من الشهادتين، وإقامة الصلاة،وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام، وهي التي صح عن الرسول   أن الإسلام بني عليها.
وفى المحرمات اليقينية من السحر، وقتل النفس، والزنى، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، و التولي يوم الزحف، والغصب،والسرقة والغيبة والنميمة،وغيرها مما يثبت بقطعي القرآن والسنة.
وفي أمهات الفضائل من الصدق، والأمانة، والعفة، والصبر، والوفاء بالعهد، والحياء وغيرها من مكارم الأخلاق التي اعتبرها القرآن والسنة من شعب الإيمان.
وفي شرائع الإسلام القطعية في شئؤون الزواج،والطلاق، والميراث والحدود، والقصاص، ونحوها من نظم الإسلام التي ثبتت بنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة فهذه الأمور ثابتة، تزول الجبال ولا تزول) ( ).
ولتوضيح مكانة الثبات في أمور العقيدة ما ورد في دعوة كفار قريش لرسول الله  أن يعبدوا معبوده سنة وأن يعبد آلهتهم سنة،  (قالوا:يا محمد هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك، تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فإن كان الذي بأيدينا خيراً مما في يدك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك، فقال: " معاذ الله أن أشرك به غيره " ). ( ) فكان هذا الرد الحاسم القاطع من النبي : " معاذ الله أن أشرك به غيره " ثم ينزل الوحي مؤكداً قيمة الثبات في العقيدة قال تعالى:  قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ  ( ). ويقول قطب  (ولحسم هذه الشبهة، وقطع الطريق على هذه المحاولة، والمفاصلة الحاسمة بين عبادة وعبادة، ومنهج و منهج، وتصور و تصور، وطريق و طريق.. نزلت هذه السورة، بهذا التوكيد، وبهذا التكرار، لتنهي كل قول، وتقطع كل مساومة وتفرق نهائياً بين التوحيد والشرك، وتقيم المعالم واضحة، لا تقبل المساومة والجدل في قليل ولا كثير) ( ) ويواصل قطب في توضيح أبعاد هذه المفاصلة بقوله:  (ولقد كانت هذه المفاصلة ضرورية لإيضاح  معلم الاختلاف الجوهري الكامل، الذي يستحيل معه اللقاء على شيء في منتصف الطريق. الاختلاف في جوهر الاعتقاد، وأصل التصور، وحقيقة المنهج، وطبيعة الطريق. إن التوحيد منهج،والشرك منهج آخر.. ولا يلتقيان) ( ).
- وكمثال آخر يؤكد حرص النبي  على الثبات تطبيقه للحدود بغض النظر على من يقام عليه الحد ومن ذلك ما ورد  في قصة المخزومية  التي سرقت وحاولت قريش تخليصها بشفاعة أسامة بن زيد رضى الله عنه لها.
روى البخاري - في صحيحه- عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا  (أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمْ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا) ( ).
وهنا نسأل هل هذا الثبات يُعد خاصية تتميز بها الشريعة الإسلامية عن غيرها من الشرائع الوضعية ؟ أما هو دليل على الجمود  والتصلب ؟ أما هل يمكن أن نجمع بين الثبات والمرونة؟ وما هي المجالات التي يمكن أن تعمل فيها المرونة؟
وللإجابة على هذه التساؤلات يمكن أن نسترشد ببعض أقوال أهل العلم.
يشير قطب أن الشريعة الإسلامية تميزت بخاصية الثبات، وأن المجتمعات ذات القوانين الوضعية تكون دائماً عرضة للمتغيرات، وذلك عند تفسيره لقوله تعالى وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( ) حيث يقول: (لقد تمت كلمة الله –سبحانه- صدقاً- فيما قال وقرر وعدل فيما شرع وحكم فلم يبق بعد ذلك قول لقائل في عقيدة أو تصور أو أصل أو مبدأ أو قيمة أو ميزان، ولم يبق بعد ذلك قول لقائل في شريعة أو حكم، أو عادة أو تقليد.. ولا معقب لحكمه ولا مجير عليه...إنه ليس المجتمع الذي يصدر هذه الأحكام وفق اصطلاحاته المتقلبة.. ليس المجتمع الذي تتغير أشكاله ومقوماته المادية، فتتغير قيمه  وأحكامه.. حيث تكون قيم وأخلاق للمجتمع الزراعي،وقيم وأخلاق أخرى للمجتمع الصناعي. وحيث تكون هناك قيم وأخلاق للمجتمع الرأسمالي البرجوازي،وقيم وأخلاق أخرى للمجتمع الاشتراكي أو الشيوعي.. ثم تختلف موازين الناس وموازين الأعمال وفق مصطلح هذه المجتمعات! الإسلام لا يعرف هذا الأصل ولا يقره.. الإسلام يعين قيماً ذاتية له يقررها الله سبحانه وهذه القيم تثبت مع تغير أشكال المجتمعات) ( ).
ويؤكد القرضاوي هذا المعنى بقوله:  (من أجلى مظاهر الوسطية، التي تميز بها نظام الإسلام،وبالتالي تميز بها مجتمعه عن غيره: التوازن بين الثبات والتطور، أو الثبات والمرونة، فهو يجمع بينهما في تناسق مبدع، واضعاً كلاً منهما في موضعه الصحيح... الثبات فيما يجب أن يخلد ويبقى، والمرونة فيما ينبغي أن يتغير ويتطور.
وهذه الخصيصة البارزة لرسالة الإسلام، لا توجد في شريعة سماوية ولا وضعية.
فالسماوية – عادة- تمثل الثبات، بل الجمود أحياناً، حتى سجل التاريخ على كثير من رجالاتها وقوفهم في وجه الحركات العلمية، والتحريرية الكبرى، ورفضهم لكل جديد في ميدان الفكر أو التشريع أو التنظيم) ( ).
ويضيف القرضاوي أيضاً موضحاً حال الشرائع الوضعية:  (وأما الشرائع الوضعية فهي تمثل عادة المرونة المطلقة، ولهذا نراها في تغير دائم، ولا تكاد تستقر على حال، حتى الدساتير التي هي أم القوانين، كثيراً ما تلغى بجرة قلم، من حاكم متغلب أو مجلس للثورة، أو برلمان منتخب انتخابا صحيحا أو زائفا حتى يصبح الناس ويمسوا  وهم غير مطمئنين إلى ثبات أي مادة، أو قاعدة قانونية) ( ).
وعلى ضوء ما سبق نجد أن الثبات خاصية تتميز بها الشريعة الإسلامية عن غيرها من الشرائع  (فهو الذي يحفظ للمجتمع المسلم تميزه واستقلاله، وهو الذي يحفظه من الذوبان والفناء في المجتمعات الأخرى، كما أنه يحمي المجتمع من الانجرار وراء أمراض الهوى وشهوات القوى المسيطرة، بل هو الذي يحفظ للشريعة توازنها وعدالتها من أن تعبث بها أهواء القوى المختلفة و تشوهها بلعبة الديمقراطية وغيره) ( ). إذن نجد الشريعة الإسلامية بطريقة متجانسة تجمع مع هذا الثبات المرونة مع التأكيد على  (أن أحكام الشريعة مع ثباتها ورسوخ قواعدها وكلياتها لم تكن جامدة صلبة بل فيها من المرونة والمواكبة للتغيرات الزمانية والمكانية. الأمر الذي جعلها أيضاً خالدة باقية لا يضرها ظهور الجديد من المكتشفات وتطور الأمم والمجتمعات) ( ). وكنوع من التوضيح المنهجي بين مجال الثبات ومجال المرونة في الشريعة الإسلامية يقرر القرضاوي أنه  (نستطيع أن نحدد مجال الثبات، ومجال المرونة، في شريعة الإسلام ورسالته الشاملة الخالدة، فنقول: إنه الثبات على الأهداف والغايات، والمرونة في الوسائل والأساليب. الثبات على الأصول والكليات، والمرونة في الفروع والجزئيات. الثبات على القيم الدينية والأخلاقية  والمرونة في الشؤون الدنيوية والعلمية) ( ).
وخلاصة القول:
فالمرونة خاصية ثابتة من خصائص الشريعة، ولكنها تعمل في المتغيرات  "الوسائل، والأساليب، والفروع،والجزئيات " فهي تتخذ من الثوابت قاعدة  ومرتكزات  (فالمرونة حصيلة حركة في إطار ثابت، فهي ليست حركة مطلقة، وليست ثباتاً مطلقاً. وبذلك تكون المرونة هي الحد الفاصل بين الثبات المطلق الذي يصل إلى درجة الجمود، والحركة المطلقة التي تخرج بالشيء عن حدوده وضوابطه، أي أن المرونة حركة لا تسلب التماسك، وثبات لا يمنع الحركة) ( ). هذا وقد تضمن القرآن الكريم الكثير من الشواهد التي تؤكد على خاصية المرونة و أهميتها.

المبحث الثالث
شواهد المرونة في القران.
إن القرآن الكريم هو هداية الله العظمى للبشرية جمعاء،وهو الذي تستمد منه الشريعة التي ارتضاها لعباده، فيستمد الإنسان منها منهجه في الحياة في جميع ميادينها وبكل جزئياتها.
وما ذلك إلا لسعة الشريعة وشمولها، وما كانت هذه السعة وهذا الشمول إلا لثباتها ومرونتها في ذات الوقت،فالثبات يتجلى في القواعد والكليات من مثل العقائد والأحكام والفضائل مما يثبت بقطعي القرآن والسنة.وهنا نتعرض لذكر بعض الشواهد القرآنية التي تؤكد على خاصية المرونة،ومن شواهد المرونة في القران الكريم.
أولاً / التأكيد على مبدأ الشورى
قال تعالى:  وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ( ). وقال تعالى:  وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ( ).
والشورى هي (استنباط المرء رأي غيره فيما يعرض له من الأمور و المشكلات) ( ). وهي مبدأ إسلامي ثابت، وتتمثل المرونة هنا في أنه لم يُحدد شكل معين للشورى، ولا ما هي الصور و المسائل التي تجري فيها الشورى.
يقول جاد الحق:  (قررت هاتان الآيتان مبدأ الشورى، دون أن تحددا
أو إحداهما المسائل التي تجرى فيها الشورى وجوباً أو جوازاً، ومن هم أهل الشورى وما هي إجراءاتها، وهل نتيجتها ملزمة أو لا) ( ).
وتتمثل المرونة أيضا  (في عدم تحديد شكل معين للشورى، يلتزم به الناس في كل زمان وكل مكان فيتضرر المجتمع بهذا التقيد الأبدي، إذا تغيرت الظروف بتغير البيئات أو الأعصار أو الأحوال) ( ). وعلى ضوء ما سبق فالمسلم المرن مطالب بالأخذ بمبدأ الشورى بحيث يتجسد ذلك في فتح باب الحوار الإيجابي مع من حوله ومناقشتهم في جميع القضايا.
ثانياً / التأكيد على قضية اليسر:
قال تعالى:  يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ( ).
وقال تعالى:  مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَج ٍ ( ).
وتتمثل المرونة هنا في اليسر وعدم الحرج،  (وقد بلغ اليسر في الشريعة إلى درجة التخفيف من الواجبات عند وجود الحرج، والسماح بتناول القدر الضروري من المحرمات عند الحاجة) ( ). ومثال ذلك إن الشريعة حرمت أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وشرب الخمر،قال تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ( ) ثم إباحة ذلك عند الضرورة بقدر الحاجة من باب اليسر ورفع الحجر وهذا من المرونة قال تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ).
ثالثاً / اتساع دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قال تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( ).
وقال تعالى:   وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ( ). فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ثوابت هذه الشريعة الربانية.
وتتمثل المرونة في أن  (هذه النصوص لم ترسم طريقاً محددة، ولا كيفية معينة للأمر والنهى والدعوة، بل تركت ذلك لعقول الناس وضمائرهم، يقررون ما يرونه أصلح لهم فقد يُترك جزء من الأمر والنهى للأفراد يمارسونه، وذلك في الأمور التي لا تحتاج إلى تعاون الجماعة، ولا إلى نفوذ السلطة. وقد يُوكل جزء آخر إلى مؤسسات جماعية شعبية منظمة: هيئات، جمعيات...) ( ).
رابعاً / اللين والملاطفة في القول:
 قال تعالى: فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى  ( ). وقال تعالى: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورا ( ).
وتتمثل المرونة هنا في القول اللين الميسور حتى مع من بلغ معه الاستكبار أعلى درجاته. قال ابن كثير:  (هذه الآية فيها عبر عظيمة هو أن فرعون في غاية  العتو والاستكبار و موسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين) ( ). فالملاطفة واللين أوقع في النفوس وأدعى للقبول،الأمر الذي يتطلب أن يكون المسلم صاحب قول لين ميسور مع من حوله، حتى يكون أبلغ وأنجع في توصيل رسالته التي يريد.
خامساً / دفع شر الشرين:
قال تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً، فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً  ( ). وتتمثل المرونة هنا في أن الخضر عليه السلام اختار أخف الشرين، فتبقى السفينة معيبة خير من أن يأخذها الملك، وقتل نفس واحدة خير من قتل نفسين. قال بكار:  (قد علمنا الخضر-عليه السلام- كيف نوازن بين الإبقاء على سفينة معيبة، وبين ذهابها بالكلية ؛ ولا ريب أن بقاءها معيبة أخف شراً ؛ كما علمنا أن موت نفس واحدة أخف شراً من هلاك نفسين) ( ).
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن مسأَلة دفع شر الشرين، تحتاج إلى علم واسع، وفهم دقيق، وحكمة بالغة، ولا تكون مبذولة لكل أحد.
سادساً / الإعداد والقوة:
مما لاشك فيه أن الإعداد وحيازة القوة أمر مطلوب من الأمة الإسلامية حتى تبقى للأمة مكانتها، وقوتها بين الأمم،فلا تستباح بيضتها.
قال تعالى: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ( ).
وتتمثل المرونة هنا أن الله لم يحدد طريقة معينة من الإعداد، أو قوة محددة لا نحيد عنها، بل الإعداد بكل الطرق،وتجمع القوة بجميع أشكالها.
قال السعدي ("مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ" أي كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية؛ وأنواع الأسلحة ونحو ذلك، مما يعين على قتالهم. فدخل في ذلك أنواع الصناعات، التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات، من المدافع، والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والقلاع، والخنادق، وآلات الدفاع، والرأي والسياسة، التي بها يتقدم المسلمون، ويندفع عنهم بها  شر أعدائهم، وتعلم الرمي،والشجاعة  والتدبير) ( ). بل تؤكد زينب الجبيلى هذا المعنى بقولها: (بل إن من واجبنا اليوم امتلاك الذرة والنوويات وكل ما أحدثه العلم من عدة السلاح: صواريخ موجهة و قنابل ذرية وأقمار صناعية وكل علوم الحرب يجب أن نملكها ونصنعها لنصون بها عشرتنا بالله ثم بما أمرنا الله به) ( ). وهكذا يتضح لنا من خلال الأمثلة السابقة  شواهد المرونة في القرآن الكريم،وما ذكر على سبيل المثال والاستشهاد لا على سبيل الحصر،وحتى تكتمل الصورة أكثر فإن الأمر يستلزم ذكر شواهد من السنة النبوية.

المبحث الرابع
شواهد المرونة في السنة النبوية:
إذا كان القرآن الكريم أوضح لنا الإطار لشواهد المرونة، فإن السنة النبوية توضح لنا الإطار التطبيقي للمرونة التي تجلت في سيرته   (إن المتأمل  في السنة النبوية يجدها حافلة بالأمثلة والدلائل تتمثل فيها هذه الخصيصة الهامة من خصائص الإسلام... فقد كان ... مرناً في الكيفيات والجزئيات، وفي مواقف السياسة ومواجهة الأعداء، ونحو ذلك) ( ). ومن أمثلة ذلك:
أولا / احترامه وتقديره  لوجهات النظر:
وتتمثل مرونته  في تقديره لكل وجهة نظر يبديها ذو رأي من أصحابه،فتجده  يأخذ برأي الحُباب بن المنذر بن الجموح في يوم بدر،في مكان نزول الجيش و يأخذ برأي سلمان الفارسي   في حفر الخندق  يروي ابن هشام قصة الحُباب ابن المنذر يوم بدر بقوله:  (فَحُدثتُ عن رجال من بنى سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل أمنزلاً   أنز لكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي و الحربُ والمكيدة ؟ قال: "بل هو الرأي والحرب والمكيدةُ"قال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزلٍ فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماءً من القوم فننزله ثم نعورُ ما وراءه من القلب، ثم فَنبني عليه حوضاً ماءً، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون؛ فقام رسول الله   ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماءٍ القوم نزل عليه، ثم أمر بالقُلُب فَعوّرَتٌ وَ بَنَى حوضاً على القليب الذي نزل عليه فمليء ماءً، ثم قذفوا فيه الآنية) ( ). فقد حقق النبي  بمرونته بتقدير وجهة النظر كل الخير والفتح المبين.
ثانياً / سعة الأفق وبعد النظر:
وتتمثل مرونته  أيضا في عدم الإصرار على الجزئيات، والتي قد يكون بالإصرار عليها ضياع ما هو أهم منها، وما ذلك إلا لسعة أفقه وبعد نظره  ومن ذلك على سبيل المثال ما وقع في صلح الحديبية، يروي ابن هشام قال:  (دعا رسول الله  علياً ابن أبي طالب رضوان الله عليه،فقال: أُكتب بسم الله الرحمن الرحيم، قال: فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن أُكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله :  أُكتب باسمك اللهم، فكتبها، ثم قال: اكتب هذا ما صلح عليه محمدُ رسول الله سهيل بن عمرو،قال: فقال سهيل: لو شهدت أنك رسول الله لم أُقاتلك ؛ ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، قال: فقال رسول الله : اكتب هذا ما صلح عليه محمدُ بن عبد الله سهيل ابن عمرو...) ( ). ويعلق عبد الظاهر على هذه القصة بقوله:    (أصر سهيل بن عمرو ألا يكتب علي بن أبي طالب بسم الله الرحمن الرحيم وأن يكتب بدلاً منها باسمك اللهم، وألا يكتب محمداً رسول الله بل محمد بن عبد الله، وقد وافق  على ذلك في مرونة رائعة واعية حكيمة وقبل    في هذا الصلح شروطاً ظاهرها إجحاف بالمسلمين ولكن عاقبتها كل الخير والفتح المبين، وحقق   بمرونته هذه وبعد نظره أكبر فتح في تاريخ الدعوة الإسلامية أوصلها إلى آفاق جديدة ومساحات واسعة فقد كان هذا الصلح مقدمة فتح بين يدي فتح مكة) ( ).
ثالثاً /  مراعاة الأفهام.
إن الإنسان قد يرغب في تحقيق مصلحة معينه، ولكن لعدم مراعاته لأفهام الناس فإن فعله لهذه المصلحة قد يوقعه في مفسدة عظيمة، ولذلك كان النبي  يتخلى عن بعض المصالح خشية الوقوع في المفسدة ومثال ذلك ما أورده البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  (يَا عَائِشَةُ لَوْلَا قَوْمُكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِكُفْرٍ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ فَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ بَابٌ يَدْخُلُ النَّاسُ وَبَابٌ يَخْرُجُونَ) ( ). قال ابن حجر موضحاً هذا المعنى:  (ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه) ( ). وعلق النووي على هذا الحديث بقوله:  (وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام منها: إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم ؛ لأن النبي  أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم  مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه، وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريباً، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة، فيرون تغيرها عظيماً، فتركها ) ( ). ومن قواعد الشريعة الإسلامية  أن دفع الضرر مقدم على جلب المصلحة، وهذا من المرونة.

رابعاً / الأخذ باليسر وترك العسر والمشقة:
من مؤشرات المرونة تعدد الخيارات ومما يؤكد ذلك ما أخرجه البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا) ( ). عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  (يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا) ( ).
  وذكر بن حنبل في مسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ بِوُضُوءٍ أَوْ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ سِوَاكٌ وَلَأَخَّرْتُ عِشَاءَ الْآخِرَةِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) ( ).
فهذا النبي  يتحلى بخلق اليسر، فما سُئل يوم منى عن تقديم أو تأخير بين الحلق والرمي والذبح، إلا قال افعل ولا حرج فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ فَقَالَ:  (اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ) ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ: (ارْمِ وَلَا حَرَجَ) قَالَ فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ ( ).
فاليسر من أهم الخصائص التي يمكن أن يتحلى بها المسلم المرن،فيجمع الناس من حوله ويملك عليهم قلوبهم وعقولهم.

خامساً / تقبله  للناس على ما هم عليه من خطأ:                               
وتتمثل مرونته   أيضاً في تقبله للناس على ما هم عليه من خطأ، ومعاملتهم على أنهم بشر يصيبون ويخطئون، وتتمثل مرونته أيضا في رفقه بالجاهل، وحسن تعليمه، واللطف به، وتقريب الصواب إليه.
روى مسلم في صحيحه عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ:  (بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ و َاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) ( ).
وعلق النووي على هذا الحديث بقوله:  (فيه بيان ما كان عليه رسول الله   من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به، ورفقه بالجاهل، ورأفته بأمته،وشفقته عليهم. وفيه التخلق بخلقه   في الرفق  بالجاهل، وحسن تعليمه، واللطف به،وتقريب الصواب إلى فهمه) ( ).
وهذا النبي  ترك الأعرابي يبول في المسجد حتى فرغ من بوله.
فقد روى مسلم في صحيحه عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أنه قَالَ:  (بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْ مَهْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَمَرَ رَجُلًا مِنْ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْه) ( ). فكان لهذه المرونة المتمثلة في اليسر والين في تعامله مع الأعرابي كبير الأثر في نفسه، حتى قال الأعرابي:  (اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تُشْرِكْ فِي رَحْمَتِكَ إِيَّانَا أَحَدًا فَقَالَ لَقَدْ حَظَرْتَ وَاسِعًا وَيْحَكَ أَوْ وَيْلَكَ...) ( ).
سادساً / اختلاف جوابه  لاختلاف حال السائلين:
ومن مرونته  مراعاته لأحوال السائلين، فكان يعطي كل واحد حاجته ويرشده إلى ما يناسبه ومن ذلك ما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ:  (كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ شَابٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ لَا فَجَاءَ شَيْخٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ نَعَمْ فَنَظَرَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمْتُ نَظَرَ بَعْضِكُمْ إِلَى بَعْضٍ إِنَّ الشَّيْخَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ) ( ). ويعلق أبو غدة على هذا الحديث بقوله:  (أي فلا يخشى عليه إفساد الصوم بالوقوع في الجماع، بخلاف الشاب فقد يجره التقبيل إلى الجماعِ أو الإنزال فيفسدُ عليه صومه. فاختَلَفَ الجواب لاختلاف حال السائلين) ( ). ويلحق في هذا المعنى أيضاً، اختلاف وصيته  عندما تطلب منه، وما ذلك إلا لاختلاف حال السائل، ومن ذلك ما ورد عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ:  (اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ) ( ). وروى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه:أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصِنِي قَالَ: (لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ لَا تَغْضَبْ) ( ). وما هذا الاختلاف في الجواب لذات السؤال إلا لاختلاف حاجة السائل.
ومن هذا الباب أيضا اختلاف جوابه  عند سؤاله عن أفضل الأعمال أو أحب الأعمال، فقد أجاب  كل سائل حسب حاجته وهذا من مرونته  فمن ذلك ما أورده البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ قَالَ:  (تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ) ( ).
وروى مسلم عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أنه قال:  (إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ قَالَ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) ( ). والأمثلة في هذا الباب كثيرة، وخلاصة القول أن على المعلم المسلم المرن أن يراعي حاجة امتثال أثناء سؤاله أو هذا من المرونة.

المبحث الخامس
شواهد المرونة في هدي الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنهم
وإذا انتقلنا إلى الصحابة رضي الله عنهم فهم الرعيل الأول الذين تربوا في كنف النبوة  وتشربوا الكثير من الأخلاق والصفات النبوية، ومن هذه الصفات التي كانت واضحة في سيرتهم وهديهم خاصية المرونة، ومن أمثلة ذلك:
أولاً / أبو بكر  وتقبله التقويم من الآخرين
فهذا أبو بكر  في خطبته يسمح للناس بتقويمه متى علموا اعوجاجاً منه.
أورد الطبري عن أبي بكر  أنه قال:  (يا أيها الناس، إنما أنا مثلكم، إني لا أدري لعلكم ستكلفونني ما كان رسول الله  يطيق، إن الله اصطفى محمداً على العالمين وعصمه من الآفات، و إنما أنا متبع ولست مبتدع، فإن استقمت فاتبعوني، وإن زغت فقوموني...) ( ).
ثانياً / عمر بن الخطاب  ورجوعه إلى الحق:
إن قبول النصح  عند صدوره من أي شخص كان،والرجوع للحق  من شيم الكرام
روى ابن كثير في تفسيره عن مسروق أنه قال:  (ركب عمر بن الخطاب المنبر ثم قال: أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء وقد كان رسول الله   وأصحابه و الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو مكرمة لم تسبقوهم إليها فلأُعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم،ثم نزل، فاعترضته امرأة من قريش فقالت:يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال:وأي ذلك؟ فقالت أما سمعت الله يقولوآتيتم إحداهن قنطاراالآية، فال: فقال اللهم غفراً،كل الناس أفقه من عمر،ثم رجع فركب المنبر فقال يا أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب) ( ). وتتمثل مرونة عمر  في هذا الموقف في قبوله النصح من امرأة هي من عامة الناس، ورجوعه للحق في ذات الموقف دون تردد، وهو يقول: كل الناس أفقه من عمر.
ثالثاً / عثمان بن عفان  ومراعاة فهم الأعراب:
ومن المرونة أن يراعي المعلم مستوى الفهم عند المتعلمين، فهذا عثمان بن عفان   يُروى عنه أنه صلى في منى أربع ركعات ذكر أبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ:  (صَلَّى عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعًا) ( ). وقد ذكر أهل العلم أن عثمان  فعل ذلك حتى لا يظن الأعراب الصلاة ركعتين. فقد روى أبو داود عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَتَمَّ الصَّلَاةَ بِمِنًى مِنْ أَجْلِ الْأَعْرَابِ لِأَنَّهُمْ كَثُرُوا عَامَئِذٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ أَرْبَعًا لِيُعَلِّمَهُمْ أَنَّ الصَّلَاةَ أَرْبَعٌ ( ).
رابعاً / ابن عباس  و وصيته لتلميذه عكرمة:
وتتمثل المرونة في هذه الوصية في أنه على الإنسان أن يراعي حال الناس، فلا يحدثهم إلا إذا رغبوا في ذلك، فإذا حدثهم فعليه أن  يراعي نشاطهم حتى لا يملوا، فهذا ابن عباس  يوصي تلميذه عكرمة أن يراعي نشاط الناس عند التحدث لهم.                     يروي البخاري عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:  (حَدِّثْ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ فَإِنْ أَكْثَرْتَ فَثَلَاثَ مِرَارٍ وَلَا تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ وَلَا أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِي الْقَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ وَلَكِنْ أَنْصِتْ فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ فَانْظُرْ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ يَعْنِي لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ) ( ). وعلق ابن حجر على هذه الوصية بقوله:  (وفيه كراهة التحديث عند من لا يقبل عليه ؛ والنهي عن قطع حديث غيره، وأنه لا ينبغي نشر العلم عند من لا يحرص عليه ويحدث من يشتهي بسماعه لأنه أجدر أن ينتفع به) ( ). وهذه المرونة كانت منهجاً واضحاً في غير واحد من السلف فهذا   عبد الله بن مسعود   يقول:  (إِنَّ لِلْقُلُوبِ نَشَاطًا وَإِقْبَالًا وَإِنَّ لَهَا تَوْلِيَةً وَإِدْبَارًا فَحَدِّثُوا النَّاسَ مَا أَقْبَلُوا عَلَيْكُمْ) ( ) وعلى ذات المنهج يسير التابعي الحسن البصري في تأكيد مراعاة نشاط الناس وإقبالهم على السماع فعن أَبُي هِلَالٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُول:كَانَ يُقَالُ حَدِّثْ الْقَوْمَ مَا أَقْبَلُوا عَلَيْكَ بِوُجُوهِهِمْ فَإِذَا الْتَفَتُوا فَاعْلَمْ أَنَّ لَهُمْ حَاجَاتٍ ( ). وخلاصة القول أن السلف رضي الله عنهم كانوا شديدي الحرص على مراعاة نشاط الناس وإقبالهم عند التحدث لهم.  
خامساً / عمر بن عبد العزيز   وتدرجه في الإصلاح:
وهذا عمر بن عبد العزيز   تتمثل مرونته في مراعاته لأحوال الأمة وحرصه على المرونة في التدرج في الإصلاح.
قال الشاطبي  (وفيما يحكى عن عمر بن عبد العزيز أن ابنه عبد الملك قال له: "مالك لا تنفذ الأمور ؟ فو الله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق" قال له عمر:  " لا تعجل يابني، فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين، وحرمتها الثالثة. وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدفعوه جملة، ويكون من ذا فتنة") ( ).
فهو يخشى أن يحمل الناس على الحق دفعة واحدة، فتقع الفتنة بسبب ذلك.
وفي مشهد أخر يحكي ابن الجوزي: أن  (عبد الملك دخل على أبيه عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين،إن لي إليك حاجة فأخلني،وعنده مسلمة بن عبد الملك. فقال أسر دون عمك ؟ قال: نعم. فقام مسلمة وخرج وجلس بين يديه فقال: يا أمير المؤمنين ما أنت  قائل لربك غداً إذا سألك فقال: رأيتَ بدعةً لم تمتها أو سنة فلم تحيها، فقال له: يابنى أشيء حملك الرغبة إلي أم رأي رأيته من قِبل نفسك ؟ قال: لا والله، ولكن رأي رأيته من قِبل نفسي، عرفت أنك مسئول، فما أنت قائل؟ فقال له أبوه... يابيى إن قومك قد سدّوا هذا الأمر عُقدةً عقدة و عروةً عروة ومتى ما أريد مكابرتهم علي انتزع ما في أيديهم لم آمَن أن يفتقوا على فتقاً تكثر فيه الدماء، والله لزوال الدنيا أهون علي من أن يُهراق في سببي محجمَة من دم، أو مَا ترضى أن يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة ويحي فيه سنة؟حتى يحكم الله بيننا) ( ). إنها المرونة في مراعاة التدرج في منهج التغيير والإصلاح.

سادساً / ابن تيمية و التتار:
وتتجلى عند ابن تيمية رحمه الله في هذا الموقف المرونة الذهنية في اختياره أخف الضررين، ودفعه شر الشرين روى ابن القيم عن ابن تيمية أنه قال: (مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه، و قلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية و أخذ الأموال فدعهم) ( ).
إن فعل ابن تيمية بعدم الإنكار عليهم في هذا الحال  من عيون فقه إنكار المنكر.


المبحث السادس
ثمرات المرونة
أولاً: الصحة النفسية:
ومن ثمرات المرونة تحقيق الصحة النفسية الجيدة، ولقد تعددت التعاريف في مفهوم الصحة النفسية، ونذكر منها:
(بأن الصحة النفسية هي البرء من أعراض المرض العقلي أو النفسي. ويلقى هذا المفهوم قبولاً في ميادين الطب العقلي) ( ).  (ولاشك أن هذا المفهوم سلبي، لأنه يقصر مفهوم الصحة النفسية على خلو الفرد من الأمراض النفسية والعقلية) ( ). و أما التعريف الآخر فيأخذ مفهوماً أشمل وأعم وينظر إلى الصحة النفسية بشكل أعمق.
يقول زهران في تعريف الصحة النفسية بأنها هي  (حالة دائمة نسبياً، يكون الفرد فيها متوافقاً نفسياً وشخصياً وانفعاليا واجتماعياً أي مع نفسه ومع بيئته، ويشعر بالسعادة مع نفسه، ومع الآخرين، ويكون قادراً على تحقيق ذاته واستغلال قدراته وإمكاناته إلى أقصى حد ممكن، ويكون قادراً على مواجهة مطالب الحياة، وتكون شخصيته متكاملة سوية، ويكون سلوكه عادياً، ويكون حسن الخلق بحيث يعيش في سلامة وسلام) ( ). ويعرفها ثالث  (بأنها النضج الانفعالي والاجتماعي وتوافق الفرد مع نفسه ومع العالم حوله والقدرة على تحمل مسؤوليات الحياة ومواجهة ما يقابله من مشكلات وتقبل الفرد حياته والشعور بالرضا والسعادة) ( ). ومن مظاهر هذه الصحة النفسية الجيدة، الراحة والاطمئنان، والقدرة على مواجهة المصاعب، وضبط النفس، والقدرة على التحمل، والنظرة الإيجابية للحياة من حوله. وكل تلك المظاهر هي نتائج وثمار المرونة، فالمرونة كما       منها سابقاً  (هي الاستجابة الانفعالية والعقلية التي تمكن الإنسان من التكيف الإيجابي مع مواقف الحياة المختلفة) ويلاحظ أن التعاريف السابقة لم تذكر جانب الإيمان الصادق بالله،وأن الصحة النفسية الجيدة قبل أن تكون أحد ثمرات المرونة هي إحدى ثمرات الإيمان الصادق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ  ( ).
وقال تعالى:الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ( ). وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون ( ).
وروى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ                    (مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ) ( ).
ثانياً / النظرة الإيجابية للحياة:
كلما كان الإنسان مُتحلياً بخاصية المرونة،كان أكثر إيجابية في تعامله مع ما يدور حوله من موجودات،فإن  (النظرة الإيجابية في الحياة هي التي تحدد أيضاً مكانته وقيمته الاجتماعية في الحياة، لأنها سبب في العمل والحركة، وعامل في الفاعلية والعزم...  فالنظرة إلى الأشياء عند المسلم ينبغي أن تتسم بالإيجابية التي لا تعرف إفراطاً ولا تفريطاً، مثل هذه النظرة المعتدلة ستمكنه من التفاعل مع الواقع بثقة و حزم، وفاعلية وعزم لأنه يدرك أنه هو الصانع للأحداث، والمؤثر في الوقائع، وأن عليه تقديم العمل الصائب ليحصل على أحسن النتائج، أما إذا تخلفت النتائج فسيكون مطمئناً راضياً بقضاء الله وقدره) ( ) لأنه يعلم أن ما يحدث له إنما هو بقدر من الله كما جاء في نصيحته البليغة الشاملة  لابن عباس    (... وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ...) ( ) فعندما يقع الأمر فإن الإنسان المرن هو الذي يستطيع أن يتعامل معه بنظرة إيجابية، فهذا أبو بصير   عندما أرد أن يلحق بصف المسلمين، منع من ذلك بسبب بنود صلح الحديبية، فلم يعجز وقعد عن العمل، و انتظر الفرج، وإنما نظر إلى الأمر بإيجابية، فأخذ يخطط لحرب عصابات ولم تعقه  بنود صلح الحديبية، حتى استنـزف قريش. وهذا خالد بن الوليد  يوم مؤته بعد أن استشهد الأمراء الثلاثة زيد ابن الحارثة و جعفر بن أبي طالب و عبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، تفاعل خالد مع الأمر بإيجابية فيستلم الراية يوم مؤته بلا تأمير من أحد.
وهذا القرطبي يحكي لنا قصة ذلك الجندي المجهول في معركة القادسية ،حيث نفرت خيل المسلمين من الفيلة.. (فعمد رجل منهم فصنع فيلاً من طين، و أنّس به فرسَه، حتى ألفه، فلما أصبح: لم ينفر فرسه من الفيل، فحمل على الفيل الذي كان يقدمها، فقيل له: أنه قاتلك، قال: لا ضير أن أُقتل، ويفتح للمسلمين) ( ).
ثالثاً: الاستمرارية في العطاء:
إن العمل المتقطع، لا يؤتي ثمرته، وإن العمل المتكرر يورث الكابة، والإنسان المرن يكتسب استمرارية لا تعرف الانقطاع، وعمله لا يعرف الكآبة والملل، فهو يواصل العمل بهمة وحماس، وروح وإتقان،في عطاء متجدد، وما ذلك إلا أنه مرن في استخدام وسائله،فهو دائم التنقل بين وسيلة وأخرى، و وقت و آخر.
فهذا نوح عليه السلام لبث يدعو قومه داعياً أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاما ً ( ) عمل مستمر دون انقطاع،يميزه التنقل بين وسيلة وأخرى في الدعوة إلى الله قال تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً، وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً، ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً ( ).
 وهذا النبي  يواصل هذه الاستمرارية في تنوع وسائله وأساليبه  (فإن الرسول  دعا سراً وجهراً، وسلماً و حرباً، وجمعاً و فرداً، وسفراً وحضراً، كما أنه عليه الصلاة والسلام قص القصص، وضرب الأمثال، واستخدم وسائل الإيضاح بالخط على الأرض، وغيره، كما رغب وبشر، ورهب و أنذر، ودعا في كل آن، وعلى كل حال وبكل أسلوب مؤثر فعال) ( ).
وهذه الاستمرارية هي خير كما أخبر النبي   فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  (أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ) ( ).


رابعاً / الاتصال الفعال:
إن الإنسان منذُ ولادته في هذه الحياة، فهو يقوم بعملية اتصال أراد ذلك أو لم يُرِد، وهذا الاتصال هو الذي يكون العلاقات الإنسانية، والفرد منا يربط مدى نجاحه        و فشله بمدى نجاح وفشل علاقاته الإنسانية ويشير إلى هذا المعنى النابلسي بقوله   (يرتبط نجاح الفرد أو فشله بمدى نجاح أو فشل علاقاته الإنسانية. وبالتالي بمستوى اتصاله الإنساني بالآخرين. وعن هذا الاتصال ينجم تفاعل الشخص مع محيطه) ( ) بل وتؤكد بعض البحوث العلمية أن نجاح الفرد في عمله وحياته الشخصية مرتبط بقدراته على الاتصال، حيث  (أثبتت أن 85% من النجاح يعزى إلى مهارات  وفنون الاتصال بينما 15% فقط من النجاح يعزى إلى معرفتنا لعملنا وتمكننا من تخصصنا) ( ) ولذلك فإن نجاح المسلم مثلاً في تحقيق رسالته الدعوية والتربوية يرتبط بقدرته على اتصاله بمن حوله.
ولذا إذا أمعنا النظر في مفهوم الاتصال نجد عدداً من التعريفات، ومن هذه التعريفات  أن الاتصال هو  (عملية نقل هادفة للمعلومات من طرف إلى آخر بغرض إيجاد نوع من التفاهم المشترك) ( ) ويُعرف آخر الاتصال بأنه: (كل نشاط يشترك فيه طرفان أو أكثر كقوى فاعلة في هذا النشاط من حيث التبادل في الإرسال والتلقي، وذلك بدرجات متفاوتة من الفاعلية سواء في وجهة النشاط ككل، أو فيما قد ينتج عنه من تأثير) ( ). ويمكن القول أن الاتصال الفعال هو (اختيار أفضل السبل و الوسائل لنقل الأفكار والمشاعر والسلوك للآخرين بصدق و وضوح بغرض التأثير الإيجابي في أفكارهم ومشاعرهم و سلوكهم بعيداً عن المصلحة الذاتية الخالصة.
و الإنسان المرن يمتلك خاصية الاتصال الفعال وما ذلك إلا  لأن  الإنسان المرن لديه القدرة على تقبل الآخرين وعدم الاصطدام بهم، ومعرفة أحوال المخاطبين له، ويتفاعل معهم بإيجابية.
أما الإنسان الذي يفتقد المرونة فهو كثير الاصطدام مع أفكار الآخرين ومشاعرهم، وضعيف القدرة على التفاعل معهم.

المبحث السابع
معوقات المرونة
والمقصود بالمعوقات هنا الأمور التي تحول بين الإنسان وبين اكتسابه المرونة.
ومن هذه المعوقات ما يلي:
أولا: التقليد الأعمى:
إن التقليد منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم،  وليس المراد هنا التقليد المحمود الذي   يكتسب به  (الناشئ من بيئته كثيراً من المعارف و المهارات و العادات و الأخلاق الحسنة، التي توصل إليها الناس بعد تجارب القرون الكثيرة الأولى) ( ) و إنما المقصود بالتقليد هنا هو التقليد الباطل المذموم وهو  (قبول قول الغير بلا حجة) ( ). ويعرفه الخطيب البغدادي بأنه (قبول القول من غير دليل) ( ). وهذا النوع من التقليد هو المذموم في الشريعة الإسلامية، فقد ذمه القرآن الكريم:
قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ  ( ).
وكذلك ذمه غير واحد من السلف، فهذا مالك بن أنس يقول:  (إنما أنا بشر أُخطئ   و أُصيب، فانظروا في رأيي كل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه) ( ).
وقال الشافعي:  (ما من أحد وإلا وتذهب عليه سنة رسول الله   وتعزب عنه فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله  خلاف ما قلت: فالقول قول رسول الله  وهو قولي وجعل يردد ذلك) ( ) والمقصود بالتقليد الأعمى  هنا  (هو عدم استعمال العقل واللجوء إلى المحاكاة) ( ) وهذا  (التقليد من الأدواء المهلكة التي كان لها تأثير عظيم في تاريخ الفكر الإسلامي، بل على الفكر الإنساني جملة إذ إن ثمرة التقليد إهمال النص الشرعي، وتعطيل العقل البشري... ثم يصبح فكر الإنسان- وما يترتب عليه من القول والعمل – أسيراً لا حراك به، ليس له القدرة على الأمل أو النظر) ( ) وهذا التقليد الأعمى  يعطل العقل،ويضيق عليه ويقيده، فلا بد أن يعطي للعقل الحرية فلا تحده حدود، ولا تقيده ضوابط، إلا حدود الشرع وضوابطه، أما إذا وضع العقل في قالب جامد وإطار ثابت لا يخرج عنه يفقد مرونته الذهنية التي هي  (قدرة العقل البشري على إدراك الفروق الدقيقة بين الأشياء والمراوحة المستمرة بين الأسس والأصول) ( ) فيستطيع أن  يحقق  خير الخيرين فيعلم أن الخير درجات، ويبتعد عن شر الشرين ويعلم أن الحرام درجات ويفرق بين الوسائل والغايات.
ثانياً / التعصب
التعصب هو  (شيمة من شيم  الضعف، وخلة من خلل الجهل، يبتلى بها الإنسان فتعمي بصره و تغشي عقله، فلا يرى حسناً إلا ما حَسُن في رأيه وصواباً إلا ما ذهب إليه أو من تعصب له) ( ).
وقد ذم الإسلام التعصب، وحذر منه، سواءً كان هذا التعصب للجنس، أو الفكر، أو الحزب، أو لمذهب،أو للأئمة و القادة، أو القومية، أو الوطنية.
أخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال:  (اقْتَتَلَ غُلَامَانِ غُلَامٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَغُلَامٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَنَادَى الْمُهَاجِرُ أَوْ الْمُهَاجِرُونَ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ وَنَادَى الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا هَذَا دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا أَنَّ غُلَامَيْنِ اقْتَتَلَا فَكَسَعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ قَالَ فَلَا بَأْسَ وَلْيَنْصُرْ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا إِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ فَإِنَّهُ لَهُ نَصْرٌ وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْه) ( ). قال ابن تيميه:  (لما دعا كل واحد منهما طائفته منتصراً بها أنكر النبي  ذلك، وسماها "دعوى الجاهلية" حتى قيل له" إن الداعي بها إنما هما غلامان" لم يصدر ذلك من الجماعة. فأمر بمنع الظلم، و إعانة المظلوم ليبين النبي  أن المحذور من ذلك إنما هو تعصب الرجل لطائفته مطلقاً فعل أهل الجاهلية. فأما نصرها بالحق من غير عدوان: فحسن واجب، أو مستحب) ( ). وأخرج مسلم في صحيحه أيضا عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  (مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ) ( ).
واخرج أبو داود في سننه عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ) ( ).
(وتقوم آلية التعصب على اعتقاد المتعصب أنه قبض على الحقيقة النهائية التي تدفع به إلى وجوب الالتزام الكامل برأي أو مذهب أو جماعة أو قبيلة أو فترة تاريخية معينة مما يجمع عادة بين الفضيلة و الرذيلة والحسن والقبح و الخطأ والصواب) ( ). فهو بعد ذلك لا يرى إلا رأيه،مما يجعله، أحادي في تفكيره،لا يقبل الآخرين  ولا يقبل وجهة النظر الأخرى، بل يصادر آرائهم، بل يعلن الويل والثبور على المخالف، ويكون شعاره  (فمن كان على مذهبي فهو أخي وحبيبي، ومن كان على غير مذهبي فهو عدوي وغريمي) ( ). ولو تمهلنا قليلاً لوجد جُل  هذه المسائل إذا لم نقل كلها،في الجزئيات وليست في الكليات، في الفروع وليست في الأصول، في المتغيرات وليست في الثوابت، في الوسائل وليست في الأهداف.فلماذا لا يرفع هذا المتعصب شعار الإنسان المرن، شعار محمد رشيد رضا  ("نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه") ( ).
ثالثاً / ضيق الأفق أو قصر النظر
والمقصود هنا بضيق الأفق هو النظر إلى الأُمور بسطحية دون مقاصدها و أبعادها،
وإن ضيق الأفق يؤدي بالإنسان إلى تغييب المرونة عنه، فينظر إلى الأمور بزاوية واحدة  مما يجعله  يصطدم بكثير من العقبات التي تواجهه، فتجده غير قادر على استيعابها أو الالتفاف حولها  (إن ضيّق الأفق أو قصير النظر، سيواجه في طريقه الكثير من العقبات والصعاب، ولن يستطيع –لضيق أفُقه أو قصر نظره- استيعاب هذه العقبات، وتلك الصعاب، ومحاولة التغلب عليها) ( ) وبالتالي تكون النتيجة الاعتراض على كل جديد، ومصادرة آراء الآخرين، مما يجعله يعيش في جو من التوتر والقلق، بسب عدم رضى الناس عنه.
وإن الناظر في السيرة النبوية يرى كيف كان النبي   لم يحطم الأصنام التي حول الكعبة خلال ثلاث عشرة سنة من الدعوة، وما فعل ذلك إلا يوم فتح مكة، وما ذلك إلا لسعة أُفقه  وبعد نظره  (لأنه كان يرى أن البدء بتحطيم هذه الأصنام قبل تحطيم الأصنام الموجودة بداخل النفوس،تلك التي توجه وتدعو إلى الشرك و الإثم  والرذيلة، سيساعد على إعادة بناء هذه الأصنام من الذهب، بدلا من الحجارة، بل سيضاعف من عددها، لذا تركها، وعمد إلى إصلاح النفوس من داخلها...) ( ).

رابعاً / الخرافات والأوهام:
عندما يصاب الإنسان بالضعف في إيمانه تتخطفه الشياطين من كل مكان فينـزلق في متاهات الضلال، ويغفل جانب العقل والتفكير، فيسعى في البحث عن حلول لمشاكل الحياة، فيلجأ إلى الخرافة والأوهام.
والخرافة هي" مجموعة من العقائد في المؤثرات والقوى التي يقبل وجودها دون نقد،وتشير الخرافة في الفرد إلى نزعة قبول مثل هذه المعتقدات والتصرفات على أساس منها" ويعرفها آخر بأنها هي" الأفكار والممارسات التي لا تستند إلى أي تبرير عقلي، ولا تخضع لأي مفهوم علمي، سواء من حيث النظرية أو التطبيق" ( ). والشريعة الإسلامية قد حررت الإنسان من الخرافات والأوهام، وجعلت العقل يقوم بعمله على منهجية علمية واضحة،في معالجة مشاكل الحياة المختلفة، ولم تكتفِ الشريعة الإسلامية بهذا فحسب، بل حاربت هذه الأوهام والخرافات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ) ( ) وعَنْه   قَالَ: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) ( ). وهذا النبي  يعلم الصحابة في موقف تربوي ضرورة استبعاد الخرافة والأوهام، روى مسلم في صحيحه قال: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى تَنْكَشِفَ) ( ). ويعلق أبو رزيزة على هذا الموقف التربوي بقوله:  (ففي هذا الموقف التربوي يرشدنا  إلى ضرورة استبعاد الأوهام والخرافات التي كانت شائعة عند بعض الناس في الجاهلية من أن كسوف الشمس والقمر له علاقة بموت بعض الأشخاص العظام.. كما أنه أثبت أن ما حدث خاضع للسنن التي يجريها الله في هذا الكون...) ( ). وخلاصة القول إن الخرافة والأوهام من معوقات المرونة الذهنية فهي تعيق العقل عن التحليل والربط بين الأسباب والمسببات، والتعامل مع الحقيقة بموضوعية وإنصاف.
خامساً / اتباع الهوى:
يعرف الهوى بشكل عام بأنه هو (ميل الطبع إلى ما يلائمه) ( ) وليس المقصود هنا بالهوى الشهوة و إنما المقصود ما كان مختصاً بالآراء والمعتقدات، فقد فرق أهل العلم بين الهوى والشهوة.
يقول الماوردي:  (إن الهوى مختص بالآراء والاعتقادات، والشهوة مختصة بنيل المستلذات، فصارت الشهوة من نتائج الهوى، وهي أخص، والهوى أصل، هو أعم) ( ). وقد ذم الإسلام من اتبع الهوى دون عقل أو تفكير، في غير موضع.
قال تعال: فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  ( ). وقال تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً  ( ) وقال تعالى: بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ( ). وهذا النبي   يستعيذ من الهوى فيَقُولُ:  (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَهْوَاءِ) ( ).
إن اتباع الهوى يعيق المرونة، وما ذلك إلا لأن الهوى يصد صاحبه عن الحق وإن ظهر له الدليل والحجة، ويقصي الرأي الآخر وهو يعلم أنه صواب، ويمنعه من الاعتراف بالخطأ، ويبعد صاحبه عن الإنصاف والموضوعية في الحكم.
سادساً / الانكفاء على الذات:
ونقصد بالانكفاء على الذات هنا  (التمركز العقلي حول الذات أو عدم إعطاء وجهة النظر الأخرى أي اعتبار أو عدم  وضع الإنسان نفسه مكان الطرف الآخر عند مناقشة أي قضية أو مسألة أو موضوع أو مشكلة من المشاكل أو عدم تفهم رأيه أو موقفه من تلك المشكلة أو الموضوع) ( ). وهذا الانكفاء يخرج عقلية أحادية، عقلية البعد الواحد، وصاحب هذه العقلية من الصعب معايشته، وما ذلك إلا لأن الآخر لا يعني له شيء، وليس عنده الاستعداد لتقبل وجهة نظر آخر أو تفهم الطرف الآخر، فلغة إقصاء الآخر عنده بارزة و واضحة، مما يجعل الناس يتخذون منه موقف سلبياً، فينعزلون عنه، ولا يرغبون فيه، مما يجعله ينقبض عن الناس و ينكفئ بصورة  أشد، مما يدخله بعد ذلك في مراحل من الإحباط واليأس.
وما يعلم هذا المنكفئ على ذاته، أنه لو عاش في الآخر وتقبل الناس  وتفهم وجهة النظر الأخرى أن كل هذا يساعده على الوعي بذاته والتكيف معها.

المبحث الثامن
طرق كسب المرونة
إن المرونة خاصية يمكن للإنسان أن يكتسبها، ومن الطرق التي تعين الإنسان على اكتساب المرونة ما يلي.
أولا / طلب العلم:
إن للعلم و أهله مكانة عظيمة في الإسلام، فبالعلم يحوز الإنسان على الرفعة عند الله قال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( ) ويوضح النبي   مكانة العالم وفضله بقوله:  (فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ) ( ). بل إن الشريعة الإسلامية وضعت الأجر العظيم لمن سلك طريق العلم ذكر أبو داود عن أبي الدرداء أنه قال:  (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ...) ( ) وإن شرف العلم لا يخفى على أحد فهو واضح في كتاب الله وسنة نبيه .
وإن الإنسان المسلم إذا أخلص في طلب العلم، فإنه يرزق نور العقل مع نور البصيرة بإذن الله،كما أن العلم يضيف لصاحبه سعةً في الإدراك، وزيادة في الوعي، ودرجة في الفهم، وحسناً في التأتي، ولهذا كان طلب العلم من أهم طرق كسب المرونة.
و المقصود هنا بالعلم جميع العلوم المباحة بجميع أنواعها، وليس المقصود علوم الشريعة فقط وإن كانت علوم الدين أشرف العلوم و أفضلها (وأولى العلوم و أفضلها علم الدين، لأن الناس بمعرفته يرشدون، وبجهله يضلون) ( ).
ثانياً / تنوع الثقافة:
بالإضافة لطلب العلم، فإن على الإنسان حتى يكتسب المرونة أن يعدد  وينوع قراءاته في فنون المعرفة الأخرى خارج تخصصه الأكاديمي  (فالمتخصص في الدراسات الشرعية     – مثلا- لا ينحصر في هذا التخصص ؛ بل تمتد عنايته واطلاعه في الدراسات الأدبية والفكرية والإنسانية الأخرى ؛ فهو ينتقل في حقول العلم والفكر، ويمتص رحيق الأزهار بألوانها و أشكالها المتنوعة، وهكذا بقية المتخصصين في فروع أخرى من العلم) ( ). فيكتسب ثقافة تاريخية، وعلمية ، وإنسانية، وثقافة في الحاضر و الواقع الذي يعيش فيه.فالمسلم كنحلة يتنقل بين أزهار المعرفة والثقافة، فيجمع فنون العلم والحكمة، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها.
ثالثاً / الاستفادة من تجارب الآخرين قديماً وحديثاً:
من الجميل أن تبتدئ من حيث انتهى الآخرون، فلماذا لا توفر الأعمار، وتختصر الأزمان، فيمكث المعلم المبتدئ مثلاً مع من سبقه في رسالة التعليم فيستفيد من خبرته وتجاربه، فيختزل خبرة ثلاثين سنة مثلاً في سنة واحدة، وكذلك الطبيب الناشئ يكون مع الخبير المتمرس، فإن من  (مميزات الخبره أنها تبني على ما قبلها، وهي في الوقت نفسه تؤدي لما بعدها) ( ).
1 / محاورة أهل العلم والخبرة في كل فن:
إن استخراج ما عند أهل العلم والخبرة لا يكون إلا بلغة الحوار وحسن السؤال، فإنه بالحوار يفتح للإنسان أبواب من الخير لم يكن يتوقعها،و حسن السؤال مفتاح للعلم يقول الزهري: (العلم خزائن و مفاتيحها السؤال) ( ). وعندما سئل الأصمعي: بم نلت ما نلت ؟ قال:  (بكثرة سؤالي وتلقى الحكمة الشرود) ( ). وبعد الاطلاع على هذه التجارب والخبرة يحاول الإنسان بقدر  (الطاقة اختزانها في عقله لكي يستطيع توظيفها التوظيف الأمثل إذا دعت الحاجة إلى ذلك) ( ). وإن لم يستطع الإنسان محاورة أهل العلم والخبرة مباشرة، فليستفد من تقنيات العصر، فيمكن للإنسان اليوم أن ينشئ حواراً مع من يشاء في أرجاء المعمورة وهو جالس في منزله عن طريق شبكة "الإنترنت" بكل يسر وسهولة.
2/ القراءة المستمرة:
إن أول كلمة نزلت اقرأ قال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ( ) فالقراءة مفتاح العلم والمعرفة، وإن مجالات القراءة متعددة وستشير إلى مجالات معينة من القراءة تكسب الإنسان المرونة أكثر من غيرها، ومن أول هذه المجالات:
أ / القراءة في سير الأنبياء عليهم السلام:
وفي مقدمتهم سيرة المصطفي ، قراءة واعية متفحصة، ففي سيرته  تتمثل قيم الإسلام الحية.
ب/ القراءة في كتب الأعلام والتراجم.
وهي الكتب التي تحتوي على سير الرجال من العلماء والعباد والأدباء، والشعراء والعظماء، وغيرهم ؛ وخاصة سير الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين ومن بعدهم من الدعاة و المصلحين إلى زماننا هذا من أمثال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ورشيد رضا،وأبي الأعلى المودودي، وسعيد النورسي وغيرهم فإن حياتهم مليئة  بأنواع من التجارب والخبرات في مجالات الحياة المختلفة.
ج / القراءة في كتب الذكريات.
وهذا لون من التأليف الجميل، فإن بعض الفضلاء من العلماء، والأدباء ،و أهل السياسية وغيرهم  قد سطروا ما مر بهم من أحداث، ومواقف في مجالات الحياة المختلفة، وكيف تعاملوا معها، مما يثري الإنسان بتجارب حية.
د/ القراءة في كتب الرحلات:
إن هذه الكتب مليئة بجمل من الفوائد، ومن أهم هذه الفوائد التي نستفيد منها هنا، أن هذه الكتب تعطي فكرة عن طبيعة الشعوب وتقاليدهم وعاداتهم ومورثاتهم، مما يكسب الإنسان فقهاً كاملاً في كيفية التعامل مع الآخرين.
هـ/ القراءة في تاريخ نهضة الأمم والشعوب:
وهذه القراءة تعرف الإنسان على الأسس، والأسباب التي أدت إلى قيام أُمة من الأُمم، فكيف استطاعت اليابان مثلاً أن تكون من الدول الصناعية في فترة قصيرة من الزمن، بعد خروجها من حرب مدمرة، كيف صنعت بنظام التعليم ؟ وماذا أحدثت في النظام الاجتماعي؟ومحاولة الاستفادة من كل هذه التجارب فيما يوافق قيم ومبادئ الشريعة الإسلامية، وبما يلائم واقعنا المعاصر.
وخلاصة القول:
إن القراءة المستمرة في المجالات السابقة الذكر تكسب الإنسان سعة في الأفق وبعداً في النظر، فهو يرى كيف تجري سنة الله في البشر، وكيف يقلب الله الأيام بين الناس.
بل إن القراءة في هذه المجالات لا تكسب الإنسان المرونة ! بل تكسبه الكثير و الكثير من المرونة.
رابعاً /تغير مواقع الإدراك:
تغير مواقع الإدراك هي أحد تقنيات ما يسمى اليوم بالبرمجة اللغوية العصبية  (NLP)
وتعني هذه العملية أن الإنسان ينظر إلى الخبرة أو الموقف أو التجربة من ثلاث زوايا أو ثلاثة مواقع مختلفة هي:
الموقع الأول / الذات.  أي من خلال وجهة نظرك أنت.
الموقع الثاني / (من وجهة نظر الشخص المقابل. فأنت تتخيل المشهد من خلال رؤيتك له بعيني جليسك) ( ) فأنت الآن تنظر إلى نفسك وأنت تتحدث.
الموقع الثالث /المراقب.
وهو شخص ثالث ينظر إلى ما يجري بين الموقع الأول وهو الذات وإلى الموقع الثاني وهو وجهة نظر الشخص الثاني، وهذا المراقب يبعد العاطفة ويحكم العقل حتى يخرج بحكم أقرب إلى الموضوعية.
وتتمثل المرونة هنا في (أن تخيل هذه المواقع الثلاثة يفيدنا كثيراً في تحقيق التوازن بين وجهة نظرنا

_________________
التوقيع
ماشي بنور الله


أعلى .:. أسفل
 يشاهد الملف الشخصي  
 
  • عنوان المشاركة: المرونة
مرسل: الأحد شباط 20, 2011 11:09 ص 
آرتيني مشارك
آرتيني مشارك
صورة العضو الشخصية
اشترك في: 10 أيلول 2010
المواضيع: 34
المشاركات: 176
القسم: لغة انكليزية
السنة: 3
الاسم: ابراهيم شما
لا يوجد لدي مواضيع بعد

:: ذكر ::


غير متصل
بتمنى تنال اعجابكن *1  *1  *1  *1

_________________
التوقيع
ماشي بنور الله


أعلى .:. أسفل
 يشاهد الملف الشخصي  
 
  • عنوان المشاركة: المرونة
مرسل: الخميس شباط 24, 2011 11:38 ص 
آرتيني مشارك
آرتيني مشارك
صورة العضو الشخصية
اشترك في: 10 أيلول 2010
المواضيع: 34
المشاركات: 176
القسم: لغة انكليزية
السنة: 3
الاسم: ابراهيم شما
لا يوجد لدي مواضيع بعد

:: ذكر ::


غير متصل
يُحكى أن هناك ذبابة تحاول الخروج من نافذة مغلقة، فظلت تحوم وتدور من اليمين إلى اليسار، ومن أعلى إلى أسفل، إلى أن تعبت واستنفدت طاقتها وماتت. وكان بالقرب منها باب مفتوح، ولكنها لم تحاول أن تبحث عن طريقة أخرى للخروج، وأصرَّت على طريقة واحدة مرة وراء الأخرى إلى أن ماتت. لقد كان في استطاعتها أن تخرج من هذا المأزق لو أنها فقط حاولت؛ فالذبابة كانت تصرُّ على الخروج من النافذة، ولم تكن لديها المرونة الكافية لتبحث عن مخرج آخر.
من الممكن أن تكون ذا همة عالية وطاقة كبيرة ولديك مهارات متعددة، ولكن إذا لم يكن لديك مرونة واستعداد لتغيير خطتك في كل مرة تواجه فيها التحديات والمصاعب فمن الممكن أن تفشل كما حدث بالضبط للذبابة. ويرجع سر نجاح اليابانيين إلى قدرتهم على التلاؤم السريع مع الغير، ودائماً يحسِّنون من إنجازاتهم. وهذه وصفة سهلة لبلوغ درجة المرونة الكافية:
1 قم بإعداد قائمة بأهدافك، وقم بترتيبها حسب الأولويات.
2 قم باختيار الهدف الذي تريد تحقيقه أكثر من أي هدف آخر.
3 دوِّن ثلاث خطط من الممكن أن تساعدك على تحقيق هدفك، بحيث إنه لو لم تنجح إحدى الخطط تكون مستعداً بالخطط الأخرى.
4 توقَّع مقدماً العقبات التي من الممكن أن تواجهك، وقم بإعداد الحلول لها.
5 اجعل ذهنك دائماً متفتحاً لأفكار جديدة.
6 خصِّص يومياً وقتاً لمراجعة خطتك، وابحث عن طرق لتحسين أي موقف.
فابدأ من اليوم وكن مستعداً لأي تغيير، وقم بتحصين نفسك بالمرونة، ستشعر بالتغييرات في حياتك إلى الأحسن، وستصل إلى قمة النجاح والسعادة وشكرا لمروركن *1  *1 تحيااااتي

_________________
التوقيع
ماشي بنور الله


أعلى .:. أسفل
 يشاهد الملف الشخصي  
 
  • عنوان المشاركة: المرونة
مرسل: الثلاثاء آذار 01, 2011 3:07 ص 
مشرفة قسم مهارات تطوير الذات
مشرفة قسم مهارات تطوير الذات
صورة العضو الشخصية
اشترك في: 15 نيسان 2007
المواضيع: 64
المشاركات: 3023
المكان: حمص
القسم: انجليزي
السنة: MA
لا يوجد لدي مواضيع بعد

:: أنثى ::


غير متصل
ابراهيم شما,  

الله يعطيك العافية يا ابراهيم على هالموضوع المميز والمتكامل فكرةً وطرحاً

أخد معي وقت كتير كتير بالقراءة.... بس من البداية قررت كون مرنة وأقراه على دفعات وطفيت عدة مقاطع حسيتا مفهومة من العنوان  :mrgreen:

الحقيقة الواحد ما بيتوقع تحت عنوان "المرونة" يكون في كل هالأفكار والآليات والخطوات.. وحتى التعاريف :shock:  يعني حسيت انفتح قدامي أفق جديد من المصطلحات والتعريفات 8)

شكراً كتير إلك وبتمنى بقية الأعضاء يستفيدو من موضوعك *1  وحاول ترتاح مدة أسبوع تقريباً قبل ما تنزل موضوع جديد بكل قسم بحيث تتوافق سرعتك مع سرعة الأعضاء بالتواصل والرد :wink:

*1

_________________
التوقيع لــلــمــلائــكــة  حــضــورهــا


أعلى .:. أسفل
 يشاهد الملف الشخصي  
 
  • عنوان المشاركة: المرونة
مرسل: الأحد آب 07, 2011 1:29 م 
آرتيني مشارك
آرتيني مشارك
صورة العضو الشخصية
اشترك في: 10 أيلول 2010
المواضيع: 34
المشاركات: 176
القسم: لغة انكليزية
السنة: 3
الاسم: ابراهيم شما
لا يوجد لدي مواضيع بعد

:: ذكر ::


غير متصل
الملاك,  شكرا ع مرورك وعلطافتك انا ما ستنيت اسبوع -ستنيت خمس شهور هههههههه  :wink:  :wink:  *1  *1

_________________
التوقيع
ماشي بنور الله


أعلى .:. أسفل
 يشاهد الملف الشخصي  
 
منتدى مغلق هذا الموضوع مغلق ، لا تستطيع تعديله أو إضافة الردود عليه  [ 7 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين [ DST ]


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
cron

جميع الحقوق محفوظة لـ ©2012Art-En.com . تصميم بواسطة Art-En . راسلنا . سياسة الخصوصية . قوانين المنتدى
Powered by phpBB© . Translated by phpBBArabia