***القصيدة الإسلامية ***

محمد الصالح

الكاتب الدكتور (جمال حمداوي )من المغرب العربي
القصيدة الإسلامية هي قصيدة الالتزام الهادف، القائم على الإيمان الرباني، والتصور الإسلامي الشامل للإنسان، والكون، والأشياء، والمعرفة. والقصيدة الإسلامية، تحاول أسلمة الشعر شكلاً ومضموناً، رغبة في تغيير الإنسان، وتوجيهه الوجهة الصحيحة السليمة، التي تتمثل في التشبث بالذكر الحكيم، والسنة النبوية الشريفة، وبناء حياة متوازنة، تجمع الجانب الدنيوي والأخروي وبالتالي، فالقصيدة الإسلامية ليست قصيدة عبثية وجودية، أو ماركسية شيوعية ولا قصيدة سوريالية فوضوية، بدون هدف ولا مبدأ، «الإسلامية في الأدب تعني كل أدب ينطلق من التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان أو ـ على الأقل ـ ينسجم مع هذا التصور ولايعارضه»(1) أي أن الأدب الإسلامي «أدب مسؤول والمسؤولية الإسلامية التزام، نابع من قلب المؤمن وقناعاته، التزام تمتد أواصره إلى كتاب الله الذي جاء «بلسان عربي مبين»(2) ويرى محمد قطب أن الفن الإسلامي (هو التعبير الجميل عن الكون والحياة والإنسان، هو الفن الذي يهيئ اللقاء الكامل بين الجمال والحق، فالجمال حقيقة في هذا الكون، والحق هو ذروة الجمال، ومن هنا يلتقيان في القصة التي تلتقي عندها كل حقائق الوجود)(3).
إن مصطلح الإسلامية، ينبذ النزعات الضيقة، والمبادئ «الشوفينية»، ويتعارض مع التيار الذي يقول بفنية الفن، لا بإسلاميته، كما يتناقض مع المذاهب الأدبية، التي تغرق الإنسان في الأوهام، والخيال المجافي، والمتع المحرمة، أو تدعوه إلى الفردية الأنانية، أوتقوده إلى التصور المادي، ماركسيا كان أوشيوعياً ومن ثم، فالإسلامية، ترفع الإنسان وتسموبه أخلاقياً وعملياً، عقلاً وروحاً، وتزرع فيه حب الإنسانية بصفة عامة، مع تكسير قيود الزمان والمكان والحواجز الوطنية والقومية القائمة على العرقية والتصورات الإقليمية، نحو تحقيق وحدة إنسانية عالمية قائمة على الروحانية والعقيدة الصحيحة، والمودة النقية وتبعاً لهذا التصور فالأديب ينطلق بعيداً وراء حدود الزمان والمكان، فإنه يتجاوز الإقليمية الضيقة ليصبح إنسانياً، وبقدر تمثله الإسلامية تزداد إنسانيته، وليس معنى هذا أنه يتخلص من الشعور بالزمن، بل بالعكس من ذلك إذ الإيمان يفجر في وجدان الفنان المسلم ـ أكثر من غيره ـ شعوراً حاداً بالزمن، ويدفعه إلى مزيد من التعبير، باعتباره عملاً يتقرب به إلى الله، على الطريق الإسلامية الفذة»(4) ولكن حدة الشعور لا تسلمه إلى أن يقع تحت وطأة الزمن، وإنما هو يسعى إلى امتلاكه واختصاره، وبما أن الإنسان المسلم كوني بطبعه، أي إنه يهفو إلى أن ينسجم مع كل ذرة من ذرات هذا الكون الذي هو جزء منه، لا عن طريق قهر الطبيعة ومظاهر الكون، ولكن بإيجاد علاقة مودة بينه وبينها(5)» ويعتبر الدكتور نجيب الكيلاني، أول من وظف مصطلح (الإسلامية) في كتابه (الإسلامية والمذاهب الأدبية)، وبعده الأستاذ أنور الجندي في (الإسلامية)، والدكتور حسن الأمراني في أبحاثه ودراساته، لاسيما مقاله القيم (الإسلامية في الشعر المعاصر بالمغرب)(6) ود. عمادالدين خليل، إذ يقول «إن الأديب المسلم الملتزم يتوجب أن يعتمد (الإسلامية) في تعبيره من أجل أن يكون صدوره منطقياً ومنسجماً مع ما يؤمن به ويعتقده.. ويقينا فإن (الإسلامية) هي غير (الكلاسيكية) أو (الرومانسية) أو (الكلاسيكية الجديدة) أو (الطبيعية) أو (الواقعية النقدية) أو (الواقعية الاشتراكية) أو (الرمزية) أو (السريالية) أو (الطليعية) أو المستقبلية) .. إلى آخره»(7).
إن القصيدة الإسلامية في المغرب لها جذور في الأدب المغربي القديم، لاسيما القصائد النبوية في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر سيرته النقية من الشوائب والبدع الضالة، بيد أن إسلامية الشعر المعاصر في المغرب لم تظهر ملامحه إلا في أوائل السبعينيات وكانت هذه الملامح لاتعدو أن تكون مساقط ضوء في الظلام متناثرة، تظهر بين الحين والحين، سافرة أو حية ممتطية أسلوب المباشرة حينا مستجيرة بالرمز التاريخي أو الواقعي حيناً آخر، وكان الوعي الشعري تابعاً بطبيعته للوعي الفكري والإيماني، ولذلك لم تكن هذه الملامح في كثير من الأحيان تتجاوز استلهام التراث الإسلامي، كما نجد عن الشاعر محمد علي الرباوي خلال المرحلة التي كان ينشر فيها قصائد في مجلة (الشهاب) البيروتية»(8)
إن أواسط السبعينيات تعد مرحلة حاسمة في تدشين القصيدة الإسلامية المعاصرة، وذلك على مستوى نشر المجموعات الشعرية، وطبع دواوين شعراء التجربة الإسلامية المعاصرة، وذلك على مستوى نشر المجموعات الشعرية، وطبع دواوين شعراء التجربة الإسلامية المعاصرة، وكانت أول مجموعة شعرية لمحمد المنتصر الريسوني، ألا وهي (على درب الله)، وفي 1979م دفع حسن الأمراني ديوانه الشعري «صلوات المستضعفين» إلى المطبعة أعقبتها مجموعات شعرية أخرى، وبعد ذلك، بدأ التراكم يتحقق شيئاً فشيئاً، كماً ونوعاً، خاصة مع شعراء وجدة،(9) «محمد علي الرباوي ومحمد بنعمارة وحسن بنعمارة، والتطواني،(10) محمد المنتصر الريسوني»، علاوة على شعراء مغاربة آخرين. ومن خصائص تجارب هؤلاء الشعراء أن نصوصهم الأدبية نابضة بالثقافة الإسلامية ذات الخصائص التالية:
1ـ ثقافة ربانية.
2ـ ثقافة إنسانية.
3ـ ثقافة محررة متحررة.
4ـ ثقافة واضحة.
5ـ ثقافة متوازنة.
6ـ ثقافة مسؤولة واعية.(11)
وإلى جانب الدواوين الشعرية، ظهرت مجلات مُدَعِّمة للقصيدة الإسلامية المعاصرة، بالتشجيع والنشر والقراءة، من بينها مجلة المشكاة، وهي مجلة ثقافية فصلية يترأسها الدكتور حسن الأمراني، ومجلة الفرقان، وهي إسلامية ثقافية شهرية رئيس تحريرها، الشيخ محمد زحل، ومن الكتب النقدية التي صدرت إلى الآن حول القصيدة الإسلامية المغربية، نجد دراسة محمد إقبال عروي تحت عنوان «جمالية الأدب الإسلامي».(12)
يمكن أن نجمل خصائص القصيدة الإسلامية المعاصرة في المغرب فيما يلي:
1ـ إنها قصيدة تناصية، تتعامل مع التراث تعاملاً واعياً، تنتقي الإيجابيات، وتترك السلبيات وهي تزن الحركات الكبرى في تاريخنا بميزان الإسلام، فلا تمجد الحركات المنحرفة، ولا تفتئت على التاريخ(13).
2ـ إنها قصيدة ـ من الناحية البلاغية ـ حبلى بالصورة ـ الرؤيا، القائمة على الترميز والأسطورة، أي إنها تتجاوز صورة المشابهة (التشبيه ـ الاستعارة) وصورة المجاوزة (المجاز المرسل ـ الكناية)، فحسن الأمراني، يوظف في شعره كثيراً من الرموز التاريخية (أسماء وأماكن)؛ كـ : السندباد، شهرزاد، الخليفة، مريم، لقمان، غيلان الدمشقي، عباس بن فرناس، شهريار، قطري بن الفجاءة، عذارى دوار، مسرور السياف، أبوذر، السلطان، الوزير، هولاكو، حراء، القراضة، سديف العلوي، إيزيس، هرمز، وهذه المؤشرات ترمز لصراع الخير والشر، والحق والباطل في ثنائيات متناقضة.
3ـ إنها قصيدة ملتزمة، هادفة، تجمع بين الذات والمجتمع في إطار تصور إسلامي شامل للكون، وهذا الالتزام، مستمد من الشريعة الربانية القائمة على التوازن، والجمع بين ماهو دنيوي وأخروي.
4ـ إنها قصيدة إنسانية، تنطلق من الإنسان إلى الإنسان مستهدفة تحريره من قيود الطين، ومن براثن العبودية، ومن مخالب الشهوة والأنانية والدنس المادي، بقصد رفعه نحو الأعلى، والسموّ به حيال مصاعد الروح، والرقي الأخلاقي.
5- إنها قصيدة الوضوح، في التصور، والرؤية، لأنها تستند إلى مبادىء واضحة ثابتة، وهي مبادىء الشريعة الإسلامية، ووضوح الرؤية «شرط أساسي في سلامة الموقف، وذلك وضوح يتبعه وضوح في الأداء والتعبير ولذلك فهو شعر يعادي التهويم والضبابية والغموض، وإن كان لايعادي الرمز الشفاف، والتعبير الموحي الجميل، بل يعتبره من أهم وسائل الأداء».(14)
6ـ إنها من حيث البناء والتشكيل، قصائد تجمع بين البساطة والتركيب علاوة على النزعة الدرامية، والقصصية، كما أنها تجمع بين الشعر العمودي والشعر الحر، والقصيدة النثرية إلى درجة أنها في بعض الأحيان تشبه الخواطر مع الشاعر محمد علي الرباوي.
7ـ إنها، من حيث اللغة ذات معجم إسلامي واضح يتصارع فيها السالب مع الموجب، الحق والباطل، الخير والشر، الإيمان والكفر، ويتضمن هذا المعجم معاجم فرعية، كالمعجم السياسي، والاجتماعي، والأدبي، والتاريخي.
8ـ من حيث الدلالة، إنها قصيدة تجمع الموروث التاريخي القديم والحديث، وتعبر عن المشكلات السياسية والاجتماعية المعاصرة، في إطار محلي، ووطني، وقومي، وعالمي بروح إسلامية إنسانية كونية، مع طرح البديل الإسلامي لحل جميع المشكلات سهلة كانت أم مستعصية.
9ـ إنها قصيدة مطبوعة بالانزياح والتنافر لإثارة المتلقي واستفزازه لإعادة بنائها، وإنتاجها من جديد.
10ـ إن شعراءها يحملون رؤية إسلامية واضحة نحو الكون: وجوداً، ومعرفة، وقيماً، قوامها تغيير الإنسان، وتوجيهه الوجهة الإسلامية الصحيحة.

::. الدكتور جمال حمداويــــــــــــــــــــــــــــــــ
**الهوامش:
1ـ د. حسن الأمراني: (الإسلامية في الشعر المعاصر بالمغرب) منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ وجدة ـ سلسلة ندوات ومناظرات رقم 8 ص 143 ـ 144.
2ـ د. نجيب الكيلاني: مدخل إلى الأدب الإسلامي كتاب الأمة عدد 14 ص32
3ـ محمد قطب: منهج الفن الإسلامي ص6 دار الشروق ط3ـ1960.
4ـ حسن الأمراني : نفس المقال ص:144.
5ـ انظر المقال السابق.
6ـ انظر عمادالدين خليل (ملاحظات حول النوع الأدبي والمضمون والمذهب/ المشكاة ـ العدد 4/1985 ص38.
7ـ نفسه ص38
8ـ حسن الأمراني: نفسه ص146
9ـ نسبة إلى مدينة وجدة بالمغرب ، حيث يقطنها هؤلاء الشعراء.
10ـ نسبة إلى مدينة تطوان، وهي تقع في شمال المغرب، وبها يقطن الشاعر محمد الريسوني
11ـ أنظر حسن الأمراني (نحو ثقافة ربانية : الخصائص) المشكاة ـ العدد 5 ـ 6 السنة 1986 ص1ـ11
12ـ محمد إقبال عدري: جمالية الأدب الإسلامي ـ المكتبة السلفية ـ الدار البيضاء ط1/1986
13ـ حسن الأمراني : (الإسلامية في الشعر المعاصر بالمغرب) ص 859
14ـ نفسه ص 859
نشر في مجلة (الأدب الإسلامي)عدد(22)بتاريخ (1420هـ)
*** ******** ******* ***
*/*/*/*/*م ن ق و ل*/*/*/*/*
((( محمد الصالح)))

محمد الصالح

ماشاء الله المشاهدات تقارب ال20 ولكن بلا ردود
طيب شو القصة بمنتدانا بدنا رئي يساند المشاركات ..........
متل ماقال احدهم ((( نحن العرب مكتفين علمياً ))))
ساندونا ولو مجاملتاً ..............

*خوف

Obada Arwany

محمد الصالح,
ما بعرف انا ليش حابب علق على ردك التاني لانواحلو

اقتباس:

طيب شو القصة بمنتدانا بدنا رئي يساند المشاركات ..........
متل ماقال احدهم ((( نحن العرب مكتفين علمياً ))))
ساندونا ولو مجاملتاً ..............

نحن يا اخي اللي بيهمنا مو عدد المشاركات ولا عدد المواضيع ولا الأعضاء
لا بل نوعية المواضيع و الأعضاء و الردود و المشاركات
و انا بصراحة بعترفلك انوا مشاركاتك و مواضيعك كلها حلوة و الله
و متعوب عليها
شكرا الك على موضوعك ولا تنسى اخي مازال في مشاهدات يعني ما زال في عالم عم بتشوف يعني لسا الكلام في عالم عم يستفيدوامنو
و الله بيجزيك طبعا علىشغلك
بقا شو الك بكلام الناس :wink:

السلام عليكم

عصام

اخي ابو ابراهيم
انت عملت اللي عليك
بقا لا تسال عن الردود لانو اجرك مو هون بتاخدو
..............................................................
مشكور اخي محمد لنقلك هالمواضيع *good

محمد الصالح

زملائي الكرام مشكورين على متابعة الموضوع ..........
وانا كلي اسف لانوا مافهمتوا شو عم بقصد من كلامي ........................
انا مابدي حدا يقلي مشكور لانوا اكيد الاجرمن الله عزو جل
ومشكورين ثا نيةً

Obada Arwany

محمد الصالح,

اقتباس:

وانا كلي اسف لانوا مافهمتوا شو عم بقصد من كلامي ........................
انا مابدي حدا يقلي مشكور لانوا اكيد الاجرمن الله عزو جل

يا اخي و الله قصدك واضح و هاد شي ايام كتير مننا انزعجوا منوا
و الحمد لله رب العالمين مضت هديك الأيام و متل ما قلتلك مازال في مشاهدات اكيد لسا في عالم عم تستفيد
و شكرا و نحن اللي منعتذر منك
*ورود

محمد الصالح

Obada, مشكور على الإهتمام بالموضوع

آخر المشاركات

قوانين المنتدى

القصيدة الإسلامية