قرأ صلى الله عليه وسلم يوم قول الله في إبراهيم: ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [ ابراهيم: 36 ]
وقرأ قول اللـه في عيسى : ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )[ المائدة: 118 ].
فبكى صلى الله عليه وسلم فأنزل اللـه إليه جبريل عليه السلام وقال: ياجبريل سل محمد ما الذي يبكيك؟ - وهو أعلم-، فنزل جبريل وقال: ما يبكيك يا رسول اللـه؟ قال أمتي.. أمتي يا جبريل، فصعد جبريل إلى الملك الجليل. وقال: يبكي على أمته واللـه أعلم، فقال لجبريل: انزل إلى محمد وقل له إنا سنرضيك في أمتك ) رواه مسلم .
كان النبي (صلى الله عليه وسلم) رقيق القلب يبكي اذا سمع القرآن الكريم، أو اذا رأى من يبكي من خشية الله، وقد جاء ذلك فيما روى عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت “أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون” (سورة النجم، الآيتان ،59 60)، بكى أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حنينهم بكى معهم فبكينا لبكائه، فقال (صلى الله عليه وسلم) لا يلج النار من بكى من خشية الله، ولا يدخل الجنة مصر على معصيته، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيغفر لهم.
هناك الكثير من المواقف التي بكى فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) شفقة على أمته، حيث كان رحيما بها خائفا و مشفقا عليها من عذاب النار، فعندما انكسفت الشمس روي أنه (صلى الله عليه وسلم) قام يصلي وبكى في صلاته وهو يدعو خوفا على أمته أن يهلكوا بعذاب من عند الله.
ويحكي عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما هذا الموقف فيقول: “انكسفت الشمس يوما على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصلي حتى لم يكد يركع، ثم يركع، فلم يرفع رأسه، ثم رفع رأسه، فلم يكد أن يسجد، ثم سجد، فلم يكد أن يرفع رأسه فجعل ينفخ ويبكي ويقول: يارب ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون، ونحن نستغفرك، فلما صلى ركعتين انجلت الشمس، فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا انكسفا فافزعوا الى ذكر الله”.