- يمنع منعاً باتاً طرح المواضيع الحوارية عن الحب و ما الى ذلك . - يرجى احترام الآراء المختلفة وعدم الإساءة للأعضاء . - يرجى عدم كتابة الردود الخارجة عن الموضوع . كما نرجو الاطلاع على قوانين القسم المعلنة . - في حال مخالفة أي قانون , يحق للمشرف أو المدير إغلاق أو تعديل المواضيع من دون الرجوع لصاحبها
مما لا شك فيه أن العزوف عن القراءة عند العرب موضوع مستهلك لطالما تطرق له الجامعيون والإعلاميون والمعلمون في المدارس والآباء المتوجسون خيفة على مستوى أبنائهم الدراسي. لكن لكثرة ما تردد على مسامعنا الخطاب نفسه لم نعد نتبيَّن خطورة العزوف عن القراءة وأصبحنا وكأننا نبكي القراءة كترف فكري زهد فيه الناس وكوسيلة للترويح عن النفس استبدلت بغيرها من الوسائل. بيد أن الخطب أجلّ مما نتصور وأعظم، لأننا بصدد الحديث عن تكوين الفرد، أي عن قيمته داخل الجماعة التي لم تعد تقاس في مجتمع المعرفة بما يملك الإنسان بل أصبحت تُقيَّم بما يعرف.
لا أشك في قدرة العرب على تشخيص المشاكل والأزمات، لكنهم لا يُتبعون التشخيص العملَ ولا البحثَ عن الحلول، بل نُغرق دائماً في الرثاء وندب الحظ العاثر. كم مرة سمعنا عبارات مسكوكة من قبيل: «أمة اقرأ لا تقرأ»، أو إحصائيات قُتلت بحثاً كالأرقام التي نشرتها قبل سنوات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة التي تفيد، مثلاً، بأن إسبانيا ترجمت في سنة واحدة ما لم يترجمه العرب مجتمعين منذ عهد الخليفة العباسي المأمون.. ثم ماذا بعد؟
لا تكاد توجد دراسات حول أثر هذه الأزمة على المستقبل ولا تفصيل لمناحي الحياة التي ستتأثر منها ولا حلول للخروج من هذا النفق المظلم. لا أدعي أن عندي حلاً أقترحه للقضاء على هذه الظاهرة، لكن على الأقل أنا من الذين تيقنوا أن كارثة معرفية وحضارية ستحل بهذه الأمة إذا هي لم تتصالح مع الكتاب كأهم رافد للحصول على المعلومات وبناء الشخصية وتنمية الذكاء، وهذا يعني أنه لا يجب أن نقف عند وصف المشكلة بل يجب أن تتضافر الجهود لإيجاد الحلول.
عندما نتكلم عن أزمة القراءة يجب أن نقر بداية أنها أزمة عالمية وإن كان العرب في يومنا هذا من أزهد الناس في القراءة، ولا يجب أن نستثني الجامعة من هذه الكارثة، لأنه مذ أصبحت هذه المؤسسة التي تعنى بالتعليم والبحث العلمي كأي شركة تسوق بضاعتها ومنذ أن أصبح الطلبة كالزبائن، أي منذ أن خضعت الجامعة لمنطق السوق، لم يعد غريباً أن يهجر الجامعيون أنفسهم الكتاب حتى في مختلف التخصصات التي تتألف منها العلوم الإنسانية.
التركيز على «ما يهم» أصبح نزعة شبه مرضية عند الطلاب ولربما وجدنا الإجابة في إشكالية التقيد بالمنهج الدراسي منذ الصغر، حيث ذهبت إحدى الدراسات إلى أن الطفل الأميركي لا يخصص أكثر من ست دقائق يومياً للقراءة خارج المنهج الدراسي. الدراسة نفسها تفيد بأن الطفل العربي يقرأ ما معدله سبع دقائق في السنة خارج المنهج!!
غير أن الجامعات العربية تعاني مشكلة إضافية، ذلك أن تغييب الحس النقدي عند الطالب منذ سن مبكرة يجعل منه متلقياً سلبياً لا يستزيد من العلم ولا يأخذ المبادرات لأنه تربى في مجتمع لا يقدر الأفراد ولا يحترم ذكاءهم، والسبب هو أن المؤسسات الجامعية ليست جزراً معزولة عن محيطها بل تعكس مباشرة واقع البلد الذي توجد فيه، وأحياناً المنطقة أو المدينة، وواقع الحريات في البلاد العربية، بل داخل العائلات نفسها، كارثي وهو أهم الأسباب التي تجعل الطالب العربي مجرد متلقٍ سلبي لا يحلق في آفاق كتب أخرى عدا ما أُلزم بقراءته، هذا إن التزم بالمقرر.
أما العزوف عن القراءة خارج الجامعات، فهو بادٍ للعيان ومن أراد أن يتأكد بنفسه فليسأل الناشرين العرب وأصحاب المكتبات ليرى كيف ترتسم الحسرة على وجوه حراس آخر قلاع المعرفة التي تتهاوى الواحدة تلو الأخرى. المشهد نفسه تكرر في البلاد العربية التي زرتها، مكتبات تغلق أبوابها هنا وهناك وناشرون يتكيفون مع الأوضاع بأقل الخسائر الممكنة وميزانيات هزيلة تخصص لوزارات الثقافة، وأحيانا وزراء ثقافة شبه أميين! أما من لا تنفر نفسه من القراءة، فأول ما يلفت انتباهه عندما يذهب إلى مكتبة ما لاقتناء كتاب هو ذاك الكم الهائل من الكتب التي لا يمكن تصنيفها في أي خانة من خانات المعرفة ككتب الأبراج والطبخ وكمال الأجسام وتلك الكتب المترجمة التي يقدمها أصحابها من ذوي الابتسامات الصفراء كوصفات سحرية لتنمية الذكاء واكتساب ود الجنس الآخر والحياة الزوجية السعيدة وجني الثروات ناهيك عن الكتيبات التي تعلم من يشتريها الإنجليزية أو الفرنسية في خمسة أيام!
لقد اضطر عدد كبير من أصحاب المكتبات إلى بيع هذا النوع من الكتب والمقررات المدرسية حتى لا يضطروا لإغلاق مكتباتهم وحتى معارض الكتب السنوية يختلف نجاحها من بلد إلى آخر وهي في جميع الحالات ليست معياراً لقياس نسبة القراء..
وخلاصة القول أن أزمة القراءة عند العرب هي أزمة تربوية بالأساس لأن الأم التي هجرت القراءة والأب الذي يشتري كل شيء ما عدا الكتب لا يمكن أن يربيا طفلاً على حب المطالعة وهي أيضا أزمة إدمان على ابتكارات هذا العصر، خصوصاً الإنترنت والفضائيات التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقوم مقام الكتاب، هذا دون أن ننسى مسؤولية وزارات الثقافة ومن أمسك في الإنفاق عليها، ومن كان عنده وقت للجلوس أمام التلفاز وتبديد الساعات في المجالس التافهة فهو أيضاً يُسهم في أزمة القراءة، ولا أجد ما أختم به إلا ذاك البيت الجميل لأبي الطيب المتنبي: «أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب».
لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى