نحن هنا في آرتين نتبادل الأفكار معا و نستفيد من بعضا البعض لذلك لا تترددي في طرح أي تساؤل لأن المجيب قد يتعرض يوما ما لنفس السؤال الذي تطرحينه فيجده حاضرا بذهنه و يكون بذلك مدينا لك بالشكر
من طبيعة التفكيكية أنها تأخذ الأمور بعيدا جدا لدرجة أنها تتجاهل الكاتب و تركز على النص؛ المعاني الجديدة البعيدة صحيحة و لكن ليس من الضروري أن الكاتب قصدها؛ و لا أعتقد من الصواب أن يضع المترجم هذه المعاني في فم الكاتب؛ إن أراد المترجم أن يقدم هذه المعاني فليقدمها بصفته ناقد و ليس بصفته مترجم في ترجمة النص نفسها؛ هذا مثال آخر من الكتاب نفسه:
This is a big tree
إن سألت أي شخص أختي الكريمة مرح عن ترجمتها سيعطيك الترجمة نفسها (هذه شجرة كبيرة) و لا أعتقد أن هنالك أبسط من ذلك فالموضوع هو الشجرة و صفتها الحجم؛ و لكن دريدا سيقول هل هذه الشجرة كبيرة بالنسبة لمثيلاتها من الأشجار من النوع نفسه أم بالنسبة لأشجار من أصناف أخرى و هل الجملة تحمل معنى المفاجأة بحجم الشجرة أم أن الجملة تخبرنا بأن الشجرة كبيرة فحسب و هل هذه الجملة يستخدمها شخص ليتعلم اللغة الإنكليزية؟ أم تحمل الجملة سخرية؟ و لماذا السخرية؟ و هل الشجرة موجودة في خيالنا أم هي حقيقية؟
و يمكنك طرح سلسلة لا تنتهي من الأسئلة لتفكيك المعاني التي تنطوي عليها الجملة البسيط القصيرة السابقة،،،
إذا عاملت النص على أنه نص فقط من دون كاتب فكل المعاني السابقة محتملة و قد يلغي بعضها السياق؛ لكن النص وراءه كاتب وضع فيه معاني يجب الإلتزام؛ المترجم له حرية تفكيك النص كما يشاء إلى المعاني التي يشاؤها لكن يجب أن يتوخى الحذر عند ترجمتها لأن معظم المعاني السابقة تصلح للناقد الذي يعبر عن فكره أما المترجم فهو يعبر عن فكر الكاتب بالأصل،،،
الآن هذا مثال آخر من الكتاب نفسه أيضا يوضح استخدام التفكيكية بصورة مفيدة و رائعة في تفكيك قصيدة من الأدب الأمريكي لروبرت فروست بعنوان Mending Wall
يرمز الحائط في هذه القصيدة للعادات و التقاليد البالية التي يصر الناس على وضعها للفصل بينهم حيث يصر الكاتب من خلال الراوي على عدم لزومه كفاصل بين حديقته و حديقة جاره بينما الجار يصر على ضرورة هذا الحائط,,, لذلك فالقصيدة مقارنة بين الماضي و الحاضر و الالتزام بالماضي و عدم الالتزام به،،،
من خلال القصيدة فروست يقنع جاره بأن الحائط يجب إزالته و يصف جاره بأنه Savage لكن من خلال القراءة التفكيكية يستطيع الناقد أن يفكك النص إلى معان تجعل الحائط ضرورة لا يجب إزالته؛ ففي النص نفسه هنالك دلالة أن فروست نفسه في وقت مضى طلب من جاره إصلاح الحائط و عدم إزالته؛ و كلمة Savage في الفكر الغربي لا تدل فقط على البدائية المقترنة بالجهل بل تدل أيضا على النبل و البراءة هذا المفهوم الرومنسي للمفكر الفرنسي جان جاك روسو Noble Savage ؛ و لغويا mending ليس بالضرورة أن تكون gerund و الاسم بعده مفعول به بل present participle و الاسم بعده موصوف، و بذلك يصبح الحائط (عادات و تقاليد) مصلحا بين الناس و ليس بحاجة للإصلاح من قبلهم،،،
(هل التفكيكية تتطلب من المترجم ان يبحث في كل المعاني للكلمة ولو اعتبرت ترجمته حرفية؟)
سؤال لا أستطيع الإجابة عليه بالتفصيل لكن المهم في الموضوع مقصد الكاتب فالحروف و الكلمات لا أهمية لها بقدر ما يهمنا المقصد،،،عمل المترجم نقل رسالة الكاتب و له حرية انتقاء الحروف و الكلمات طالما الرسالة لم تتغير،،،تفكيكيا ليس هنالك معنى ثابت فالمصطلحات لا معناها الحرفي و لا الروحي ثابت فكل المعاني تتدفق في فيض و القارئ أو الناقد أو المترجم أو الكاتب ينتقي منها معنى و يثبته بما يتوافق مع الثقافة و الأيديولوجية التي يؤمن بها.
(هل تعتبر التفكيكية انه يجوز ترجمة المصطلحات(idioms) حرفيا مثلا؟)
الفكرة أن التفكيكية تفكك أي معنى ثابت و تحوله إلى سلسلة غير منتهية من المعاني فكل لحظة لها معنى يختلف عن اللحظة الأخرى و بذلك تدعو التفكيكية إلى أي معنى (طبعا هذا لا معنى له
)
(لو انني قد كونت فكرة عنها بانها ستكون اكثر افادة في ترجمة النصوص العلمية)
كمترجم لن أستطيع تفكيك النصوص العلمية لأن المعاني فيها أكثر ثباتا و أنا مرتبط بنقل رسالة العالم؛ لكن كعالم أستطيع أن أفكك ما شئت من المعاني العلمية في النص العلمي لأني لست مرتبطا بمقصد كاتبها الأصلي بل أعبر عن معاني تخصني و لا أدعي أنها تخص أحدا،،،
و السلام،،،