آرتين لتعليم اللغات
http://forum.art-en.com/

عقوق الأحلام
http://forum.art-en.com/viewtopic.php?f=111&t=21824
صفحة 1 من 2

الكاتب:  د. سلوى الوفائي [ الاثنين آب 16, 2010 3:49 م ]
عنوان المشاركة:  عقوق الأحلام



لا أحد يستطيع أن يمنع الكبار أن يحلموا فالحلم حقٌ إنسانيٌ لا جدال فيه
و لكنني أقف في صفوف الفقراء لأحتفظ و إياهم بحقي في مراقبة الحلم.
هل سيدخلنا الحلم جنات عدن؟ هل سنتوسد الأرائك و تحفنا الغلمان و الحور العين حاملة خمرة الحب في كؤوس مترعة؟
هل سيعم السلام العالم و تعود القدس لنا ؟
حين يصير الحلم أكبر من الحالم يتحول إلى كابوس مرعب لمئة عام مقبلة.
كل ما تقوله الصحف و الإنترنت و رجال الأعمال و الدبلوماسيون عن الحلم لا يعنيني.
ما يعنيني أنا الفقيرة الغنية بعشقي الخرافي لحمص هو ماذا سأروي لأولادي عن معاني الحلم و كيف سأفسره لهم و انا لست ابن سيرين و لا أملك من فنون التفسير سوى قلب صغير تعلق بأهداب أم رؤوم شابت ذوائبها و هي تروي الياسمينة و الفلة و القرنفلة؟
كان من الممكن أن أتجاهل التفسير و أقول لهم إنها مجرد أضغاث أحلام ما عليكم إلا أن تلتفتوا يسرة وتنفثوا ثلاث مرات قائلين ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) و لا تروا حلمكم لأحد مغبة أن يقع ...
و لكن حين تلامس الرؤية أقدار أولادي يختلف الموضوع و لا أستطيع أن أتجاهله.
هنا يتداخل الحلم بالواقع كتداخل السكين في أنسجة القلب...إنّها سكين مصمّمة حسب المواصفات العالمية القياسية .. حضارية بكلّ المعايير ، نال مصممها براءة اختراع لأنّه استطاع أن يزوّدها برأس نووي فأصبحت تضاهي كل سكاكين العالم بقدرتها على اختراق شغاف القلب... و استطاعت هذه السكين أن تقطع نياط الروح و أن تجتثّ همزات الوصل بيني و بين أولادي ببراعة المحترف ...
هذه هي مشكلتي مع الحلم و مشكلة كل الأمهات و الآباء من شرق حمص لأقصى غربها ...
لقد شعروا فجأة أن الأرض تميد من تحتهم و أنّ الآثار الجانبية للدواء الذي وصفه الأطباء لشفاء علة التخلف في حمص بدأت تفعل فعلها و لربّما أدت إلى تغيير زمرة دمهم و لون بشرتهم و صوت ضحكتهم و لربّما يشيخ من تأثيرها الولدان و لربّما تسقط بسببها أسنان الشباب دفعة واحدة ... و عندما يصبح الإنسان بلا أسنان يسهل عليه أن يقول ( حرامٌ عليكم أن تعضوا أيها الإخوان )
إلى هذا الحدّ أنا متورطة مع أولادي... إلى هذا الحدّ أعجز عن إيجاد لغة للتخاطب بيني و بينهم
هل سأحرق ميراث أبي و صناديق أمي العتيقة ؟؟ هل سأبلّ قصائدي الحمصية و أشرب ماءها؟ هل سأفجّر بعبوة ناسفة كلّ الخرائط الذهنية للعدية ؟؟؟ هل سأمحو بضغطة زر واحدة كلّ الأهازيج الشعبية التي لقنتني إياها جدتي يوماً على ضفاف أبو سمرة تحت عرائش الميماس ؟
غلطة الكبار أنهم يحلمون وحدهم و ينسون نصيب الصغار من الحلم...
وفي مساحة دافئة كأرض حمص ينام فيها الناس على جرح واحد و يصحون على جرح واحد تصبح الأحلام الفردية ترفاً غير مسموح به...
و على هذه المساحة الآمنة لا مكان للصواعق التي تزلزل الأركان و لا مجال للأمطار الإستوائية التي تغرق الأزمان و لا مبرر لكلّ التناقضات الجوية التي لم تعتدْ عليها أشجار نيسان...
غلطة الكبار أنهم انفصلوا عن الحلم العام و بدؤا يحلمون لحسابهم الخاص لأنهم أرادوا أن تزداد أرصدتهم في المصارف و لأنهم أمعنوا في المغالاة بطموحاتهم إلى حدّ الاستمراء و لأنهم أصيبوا بجدري المال الذي لا ينفع معه لقاح أو دواء .
ماذا سأقول لأولادي أنا التي أغراني والدي يوماً أن أحلم باستعادة الأندلس و استرجاع مزارع الدراق في غرناطة بعد أن أصلي ركعتين في الأقصى و أحتسي فنجان قهوة في بيارات البرتقال في يافا و ألقي أمسية شعرية حول الكرامة العربية في المركز الثقافي العربي في غزة؟
قال لي والدي يومها أن مفتاح القدس ثلاثيّ الأبعاد يتكون من أقانيم ثلاث: الإيمان و العلم و الكفاح
هذي الأقانيم الثلاثة كيف تهزم إذا ما اجتمعت ؟
و اليوم ... آه من اليوم ... لقد تغيّرت ملامح أحلامي و تعذّر عليّ أن أرسمها لأولادي
وحدي وسط هذه الشوارع المكتظة أسير و قد ملأني الشعور بانعدام الوزن... ألم يعد هناك جاذبية أرضية في حمص ؟؟؟
أتعثر في مشيتي و أتلعثم في حروفي كلّما سألني أولادي عن تاريخ أجدادي و يتحول لون وجهي إلى مزيج من الشمع و الزعفران ... أليس هذا لون وجه الحقيقة ؟؟؟
و لوجه الحقيقة أقول أنّ حلم حمص ليس فيه خروج على الحلم العربي و ليس فيه تفريط بحق الشعب بتحقيق التقدم و نزع عباءة التخلف و نقاب الجهل...
مشكلة الحلم لم تكن مشكلة نصّ بقدرما كانت مشكلة المكان الذي اختير لقراءة النصّ... فحين يطير الحلم بجناحين من شمع لابدّ أن يذوبا تحت شمس النهار
لقد أخطأ صانعوا الأحلام حين حاولوا أن يزرعوا وردة في أرض شديدة الملوحة و أخطئوا حين لم يدرسوا مكانيك التربة و بينية الطبقات الجيولوجية للعقلية الحمصية و لم يدركوا مدى استعدادها لتطاول البنيان و انحسار رقعة البركان...
أخطئوا حين لم يدركوا أن اختراق خط بارليف أهون بكثير من اختراق جدران قلعة حمص لأن اختراقه يعني اختراق شغاف القلب النابض بعشق هواء العدية
لقد ركب صانعوا الأحلام الطائرة وحدهم و حلّقوا في فضاءات الحلم دون أن يحجزوا أماكن تكفي لكل الركّاب الحمامصة و نسوا أن الرحلة دونهم رحلة عبثية لأنها ستطير ضدّ الريح و ضدّ التاريخ
فلتنهضي يا قوات الردع الحمصية و لتعلني حروب الردّة من جديد ... قاومي ذلك التيار الذي سيجرفك بعيداً عن جذورك و يطمس معالمك و ويغير ملامح وجهك الفاتن ... لا تغتري بما يسمونه عمليات تجميل إذ لا بديل عن الجمال الرباني الذي يراه العاشق في وجه معشوقه و إن حفر الزمن أخاديده فيه و حوّله إلى ما يشبه البرتقالة الهرمة ... إن سر جمال البرتقالة الهرمة يكمن في أنها تختصر الأبعاد و تلغي المسافات على تضاريس الجسد الواحد لتزداد القلوب اقترابا و تتأجج حبا و التصاقاً....

الكاتب:  د. سلوى الوفائي [ الاثنين آب 16, 2010 3:51 م ]
عنوان المشاركة:  عقوق الأحلام

بانتظار تعليقاتكم

دمتم بحفظ الرحمن

و كل عام و أنتم بألف خير

الكاتب:  NOOR TALEB [ الاثنين آب 16, 2010 10:26 م ]
عنوان المشاركة:  عقوق الأحلام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

د. سلوى الوفائي كتب:
قال لي والدي يومها أن مفتاح القدس ثلاثيّ الأبعاد يتكون من أقانيم ثلاث: الإيمان و العلم و الكفاح



ماينقصنا اليوم دكتوة هو ذاك المفتاح ذو الأقانيم الثلاثية.



شكرا جزيلا دكتورة على هذا الكلام الرائع.

وكل عام وانت بألف خير


تقبلي تحياتي ودمتي بخير  *1  

الكاتب:  فارس [ الثلاثاء آب 17, 2010 12:51 ص ]
عنوان المشاركة:  عقوق الأحلام

د. سلوى الوفائي,  

موضوع أكثر من رائع و صياغة مميزة كالعادة ... و آراء رزينة حول مشروع حلم حمص , غامض المستقبل !

اسمحي لي دكتورة سلوى أن أنقله للقسم المناسب " عذراً, يجب أن تسجل من هنا لترى الرابط إذا كنت عضواً, فقط قم بتسجيل الدخول "


*1

الكاتب:  أنس الدالي [ الثلاثاء آب 17, 2010 1:54 ص ]
عنوان المشاركة:  عقوق الأحلام

عندما سألت من سمع بهذا الحلم عنه أجابوني
بأنه عبارة عن بناء أبراج ومولات في وسط المدينة وهدم ذلك البناء القديم ..
فتفاجئت كثيرآ لهذا القول وأجبتهم ربما ستكون هناك لعبة جديدة أطلق عليها حلم حمص .. وتوسعت في معلوماتي عن هذا الموضوع فاذ هو حقآ هكذا ..
فصارحت نفسي وماذا سيبقون من التراث الحمصي الذي يعبر عن حمص حقآ ..
ويا ترى من كان سيقف في وجههم لو كان هذا الحلم بعيدآ عن تراث حمص وبناءها القديم ؟؟
لا أعلم ولكن باعتقادي ماهي الا صفقة جديدة لمن أسميتهم أنت الكبار ليزداد الرصيد أكثر وأكثر ..


كل الشكر لك دكتورة على ما قدمته من أحاسيس أم نبيلة ومن كلمات جميلة تحاكي واقعآ غامضآ يجب كشفه للجميع ..
وكل عام وأنت بألف خير

*1  *1

الكاتب:  سحر [ الثلاثاء آب 17, 2010 2:52 ص ]
عنوان المشاركة:  عقوق الأحلام

دكتورة بصراحة اي حمصي هو ضد اي تغير


مثلك انا اخاف ان تتغيرمعالم حبيبتي الى درجة  لا اعرفها بعد عمليات التجميل هذه
لكن احببت منك هذه
اقتباس:
وحدي وسط هذه الشوارع المكتظة أسير و قد ملأني الشعور بانعدام الوزن... ألم يعد هناك جاذبية أرضية في حمص ؟؟؟

انا أفسر هذه الجملة بطريقة أخرى فأنا عندما امشي بحبيبتي العدية لاأشعر انني امشي بطرقات عادية بل العكس كاني أمشي في غرف بيتي
لاني حفظتها وحفظتني وافتقدها وتقتفدني ان لم اتفقدها يوما
اما فيها اطير وتسبقني روحي اليها قبل خطواتي.

عزيزتي لا اعرف لماذا انت تخافون هذا التغير هل  هو خوف من المجهول أم ماذا؟
أشعر ان هذه العمليات التجميلية ستجعلها كمدينة من مدن الخليج
اذن ستكون نحو الافضل  أنا مع الحلم
ولو اني اعلم ان من جراء هذا الحلم سيتضر الناس منه لكنه سيفيد اكثر بكثير
انتظر هذا الحلم بفارغ الصبر

الكاتب:  سحر [ الثلاثاء آب 17, 2010 3:01 ص ]
عنوان المشاركة:  عقوق الأحلام

نسيت ان اقول لا اعتقد ان الاثار الحمصية مشمولة بالحلم لانها هي الثروة السياحة هنا ولا لاين سوف ياتي السياح ؟

الكاتب:  Shaima [ الثلاثاء آب 17, 2010 3:47 ص ]
عنوان المشاركة:  عقوق الأحلام

السلام عليكم
كل الشكر لك دكتورة على هذا الموضوع الرائع الذي جعلني انظر إلى الجانب الخفي من هذا الحلم  المادي الزائف...
بالرغم من أني من حماة إلا أنني عشقت حمص من اليوم الأول الذي وطأت قدمي فيه أرض حمص الغالية... و غيرتي على التراث الحمصي نابعة عن حبي الشديد لها و إن كان لدي دليل على كلامي فلعله يكون أنني قد سكنت منطقة شعبية قديمة و عريقة في حمص وهي الحميديةبالرغم من أني طالبة و من المفترض أن اسكن قرب الجامعة... اشكرك مرة أخرى و أتمنى لك رمضاناً مباركاً بإذن الله

الكاتب:  ali-yassin [ الثلاثاء آب 17, 2010 10:22 ص ]
عنوان المشاركة:  عقوق الأحلام

حلم حمص!!
المفروض أنه
بالتأكيد فيه ايجابيات اكثر من السلبيات

الكاتب:  أحمد الدالي [ الأربعاء آب 18, 2010 2:34 ص ]
عنوان المشاركة:  عقوق الأحلام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


نعوة جديدة قاموا بنشرها فاهتزت لها الأرض وتزلزلت

عنوانها

حلم حمص


شعاراتهم دائماً تضعف الأسماع " نطور الحاضر..ونبني المستقبل" وهم على دراية بأنهم يقتلو الأمل بهذا المستقبل

سيدتي ضعفاء النفوس قتلوا مشاعرنا..يحاولون بأموالهم أن يسرقوا أموالنا...يسرقوا ضحكة الطفل وطموح الشاب..ومسيرة الأب ..

لمن ستشرق الشمس بعد هذا الحلم...هل ستشرق لهم, نحن نعلم أنها تشرق للأرض والشجر ..ولا تشرق للأبراج والحديد المسلح المنتظر

يظنون بأنهم يتعاملون معنا " بالانسيابية" وهم لا يدرون هل هي انسدال أم ارتخاء؟ ولا يدرون هل هي نقص أم اكتمال

الحلم عندهم: دنيا ، متاعها غرور ، وعودها كذب ، أيامها لهو ، لياليها غفلة ، قصورها ودورها خيالات تضحك بها على الأغنياء من أبنائها .

"حمص" عروس جميلة يحيكون لها ثوب الزفاف ليأخذوها ويتقاسموها..وهي تبكي لأنهم عن عشيقها أبعدوها

انهم أغبياء لا يقرؤون, وإن قرؤوا لا يفهمون, وإن فهموا لا يطبقون..




عذراً على الإطالة...وكل عام وانتٍ بخير...

صفحة 1 من 2 جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين [ DST ]
Powered by phpBB® Forum Software © phpBB Group
http://www.phpbb.com/