السلام عليكم و رحمة الله و بركاته !
الملاكعرفناك ناقدة, و الآن كاتبة. لكم شعرت بالغيرة منك و أنا أقرأ هذه القصة القصيرة.
المهم, لإطلاعي على بعض جوانب شخصيتك, أعلم أنك لا تبحثين إطلاقا عن المجاملة. لذلك سأحاول تقديم رأي بدون أي مجاملات. هذه نقطة. ثانيا أريد منك أن تعتبري ردي هذا بمثابة "قراءة" شخصية فقط, لا نقدية, قد يكون لك رأيا آخر فيما سأكتب, و كما قلت سابقا لي أن أبقى عند رأي و لك أن تبقي عن رأيك. سأتناول القصة من خلال عدة نقاط منفصلة.
قرأت القصة عدة مرات, و خلصت إلى أن القصة جميلة بالمطلق, فكرتها جميلة. لكنني سآخذ منحى مختلف عن الردود السابقة, فلا أريد مناقشة الأفكار مع مؤلف الأفكار, فهذا الأمر متروك للقارئ و لا ينبغي للمؤلف أن يشرح عمله الأدبي, لكني سأحاول التعليق على بعض الأمور "التقنية" في القصة, و لنبدأ بالعنوان.
• أرى أن العنوان غير ملائم للقصة لسببين اثنين:
1- عدم الإنسجام مع القصة بالمطلق (ليس "إطلاقا" ها ), فالقصة رويت على لسان بطلتها, فكان الأنسب أن يكون العنوان على لسان البطلة أيضا, و إن كانت وجهة نظرك كما قلت أن تعطي وجهة نظر الطرف الآخر فالقارئ يستطيع أن يستشف وجهة نظر الطرف الآخر من خلال القصة نفسها. هذا رأي طبعا.
2- مناقضة العنوان لفكرة وردت ضمن النص. أردت إعطاء وجهة نظر المجتمع لهذه البطلة بأنه يرى أنها لا تستحق الرأفة, لكنك أوردتي ما يناقض هذا في النص- ضمنيا- و قلت:
"أعي ... بأنني لا بد أن أشكر زوجي و القاضي و عدل العالم أجمع و حتى زوجة طليقي إذ أبقوني حرة طليقة و أنا المتهمة بجريمة قتل." إذا, ألم تكن هذه رأفة بها و هي من حاول إحراق منزل بمن فيه؟ بغض النظر عن دوافعها مهما كانت! فهي تبقي "مختلة العقل" لإقدامها على مثل هذا التصرف, و مع ذلك لم يعاقبها المجتمع !
• نقطة أخرى, استخدام تقنية الخطف خلفا في هكذا نوع من القصص أمر حتمي, لكن, برأي, ليس بالسرعة التي قمت بها. يدور الحدث الرئيسي في حدود خمس دقائق تقريبا, فكان مناسبا أكثر لو أفردتي عدة جمل في بداية القصة لوصف المشهد الذي في الوقت الحاضر, لتهيئة القارئ قليلا, لكنك أعطيتي القارئ جملة واحدة عن الحدث الحاضر و بعدها مباشرة عدتي إلى الماضي, فكان أنك لم تسمحي للقارئ بإلتقاط أنفاسه حتى!!
• نقطة ثالثة, وجدت خللا ما في جملة
"وليتك عشتِ إلى اليوم يا أمي لتري زماناً لم تعد العصافير تعود إلى أعشاشها." أولا في الجملة خلل نحوي- على ما أعتقد- فكان الأصح أن تقولي "لتري زمانا لم تعد العصافير تعود
فيه إلى أعشاشها." و ثانيا أعتقد أن هذه الجملة غير ملائمة في السياق التي وضعت فيه, فلم يكن الجو العام للقصة "نقدي" للمجتمع, بل هي "قصة زوجة مظلومة", بالإضافة إلى أنني شعرت أنها فكرة مبتورة لم تزيدي عليها شئيا, و أرى أن حذفها يخدم القصة أكثر, بأن يجعلها مترابطة أكثر. أيضا هذا مجرد رأي شخصي.
• شعوري بعدم وجود
الإنسيابية بين الجمل في الثلثين الأول و الثاني من القصة, ولا أقصد كل الجمل هنا, بل فقط في بعض المواضع. أي عندما أنتهي من قراءة جملة ما و أنتقل إلى التي تليها أشعر بوجود ثغرة ما, ولا أدرى ما هي, أي لا أشعر بالإنسيابية أثناء التنقل من جملة لأخرى, و كأنه قد جرى التفكير بكل جملة على حدة. كما قلت في بعض المواضع فقط.
• نقطة أخرى, وجود عدة أخطاء بعلامات الترقيم, لا أدري إن كانت بسبب سرعة الكتابة و أنها مجرد أخطاء "طباعية" أم لا, فكان أن استخدمت النقطة مكان إشارة الاستفهام في بعض المواطن, و إشارة الاستفهام مكان النقطة في مواطن أخرى, و إشارة الاستفهام مكان إشارة التعجب في مكان ثالث و هكذا. صدقيني علامات الترقيم مهمة جدا في القصة, للمعنى و للمنظر الجمالي لها على حد سواء.
• نقطة سادسة: حرف الواو. لا أدري لم تحبين هذا الحرف كثيرا
فكان استخدامك له كثيفا جدا, بداع و بدون داع, و كم هي كثيرة تلك الجمل التي تبدئينها بالواو, و إليك مثال من أمثلة كثيرة:
"و صممت أذني كيلا أسمع من يشوه حبي له و حبه لي, و أغلقت عيني عليه بقوة كيلا يسقط منهما, و تزوج بعد أسبوع من مصارحته لي بالأمر." ثلاث عبارات متتالية تبدأ بالواو, مما أعطى شعورا بالرتابة لهذه العبارات, هذا أولا. و ثانيا أعتقد أنه لا ينبغي استخدام الواو –الذي يفيد الربط- في العبارة الثالثة على وجه الخصوص, فكان استخدامك له قتلا للشعور الذي أردتي إيصاله للقارئ, هذا من ناحية, و من ناحية أخرى لا وجود لأي "رابط" بين العبارة الثالثة مع ما قبلها, إذ تمثل العبارة الثالثة حدثا منفصلا تماما, فكان الأنسب في رأي تقديمها في سياق منفصل تماما.
في الحقيقة سألت نفسي عن الدوافع اللاشعورية وراء هذا الإستخدام الزائد لحرف الربط هذا- الواو- في بداية الجمل و وجدت تفسيرا لذلك, لا أدري إن كنت مصيبا أم لا. يفيد حرف الواو الترتيب, إذ أننا نرتب بين أشياء متلاحقة باستخدام الواو: ( استفقت و غسلت وجهي و شربت القهوة و لبست و خرجت ...الخ) إذا يرتبط هذا الحرف بالناحية العقلية بطريقة أو بأخرى, و هذا ما جعلني أعتقد أنك أعملت العقل "كثيرا" في كتابة الثلثين الأول و الثاني من القصة أكثر من اعتمادك على "الإلهام", و هذا ما جعلك – برأي طبعا – تعانين قليلا في صياغة أفكارك في هذين الثلثين. بينما لم أشعر بهذا الشيء في الثلث الثالث من القصة, و تحديدا من عند "أنهى ترتيب الحقيبة ..." إلى آخر القصة فشعرت بالانسيابية, السلاسة, و الترابط القوي بين الجمل المتعاقبة. و هذا ما جعلني أعتقد أيضا أنك اعتمدت على "الإلهام" أكثر في صياغة هذا الثلث. هل أنا محق في ذلك؟ أم أنها مجرد أوهام؟
• نقطة إضافية, لديك الحدث الرئيسي للقصة و هو أخذ الوالد للولد و أغراضه, أي أن هذا الحدث يدور ضمن حدود الخمسة دقائق. فأرى أن المناسب هو أن تبدئي القصة بهذا المشهد و تنهيها بالمشهد نفسه, و ذلك كي تحافظي على عنصر التشويق في القصة, إلا أنك أنهيت المشهد في منتصف القصة تقريبا, و لم تدعي للقارئ سوى عبارات عما يدور بخلد الراوية. و هذا برأي يمثل نقطة سلبية في القصة, بالإضافة إلى أن القصة كانت طويلة "نسبيا" لمثل هكذا مشهد, فكان أن أسهبت قليلا بالرجوع إلى الماضي و التعبير عما يدور بخلد الراوية, فلو كانت القصة أقصر قليلا لكانت مترابطة أكثر- أعود و أكرر أن هذا رأي و لك أن تبقي عند رأيك.
• أخيرا, و كي لا أطيل, أود إضافة تعليق "خفيف" على بعض العبارات في القصة:
اقتباس:
أيعتقد حقاً بأنه يرأف بي بترك ملابس طفلي لأشمها وأتذكره بها كل يوم وأذكر يوم شرائها وكيف بدا عندما ارتداها. وكأن كل زاوية في المنزل لا تعبق برائحته، وكل مكانٍ في جنباته لا يذكرني بضحكاته، وحركاته، وحتى بكاءه. يعتقد بأن استلاله قلبي بلطفٍ من بين ضلوعي ينسيني عذاب فراقه.
اعتراضي هنا على الجملة الأخيرة, صيغت هذه الجملة بالصيغة الإثباتية, مما أفقدها جزأ كبيرا من الشعور الذي أردت إيصاله للقارئ, فلو كانت بصيغة سؤال استنكاري لعبرت أكثر و لكانت مترابطة أكثر مع الجملة التي قبلها (في صيغة سؤال استنكاري) أي تصبح "أيعتقد حقا ....؟"
اقتباس:
أما الألم الذي أذاقني إياه زوجي فكان نوعاً ثالثاً لم أكن أعلم بوجوده، ولم أكن لأتخيله، جمع الجسد والنفس الروح وعصرهما لأشرب وأقتات من هذا الطعم ما أبقت لي السنون من عمر.
هذه الصورة كانت من أكثر الصور التي أعجبتني في القصة. قدمتها للقارئ بصورة فنية رائعة. أهنئك!
اقتباس:
وراح يقلب حقيبة كتفي ليتأكد من اشتمالها على أقل وأهم حاجيات الصغير من رضّاعة وفوط ومناديل وجوارب وبعض الملابس الضرورية، فأقتربت وأخذت من أحد الصناديق البودرة والبلسم وعطراً لطيفاً أعرف بأن صغيري يحبه، وكنت قد وضعت عضاضات أسنانه وألعابه الصغيرة المفضلة داخل قطة الفرو الأبيض التي أعتدت وضعها على ظهره، فأخرجتهم ووضعتهم في الحقيبة الوحيدة التي وافق على أخذها.
أنا لم أر أن استخدام هذه التفاصيل قد أضر بالناحية الفنية للقصة كما كان رأي البعض, بل أجد باستخدام هذه التفاصيل إسهاما في إدخال الطابع الواقعي للقصة. أي أن هذه الكلمات "العادية" تفيد القصة بأن تضيف العنصر الواقعي لها.
أعتذر جدا للإطالة, القصة رااااائعة بحق و تستحق الوقوف عندها جيدا. أعتذر أيضا لتطفلي على مجال ليس من اختصاصي, فمجالي و مملكتي في اللغة الإنكليزية
لكني أحببت تقديم قراءة متواضعة لهذه القصة! أعتذر سلفا عن أية أخطاء من الممكن أنها قد وردت في ردي, و كما قلت سابقا, كل ما كتبته يمثل رأي شخصي, و لكل أن يبقى عند رأيه.
الملاكأهنئك من قلبي على هذه الموهبة الرائعة. و أتمنى لك المزيد من الإبداع .. فأنت مبدعة بحق