د. سلوى الوفائي لكم أنا سعيد بقراءة هذه القطعة الأدبية لك, أمتعتنا كمدرسة و الآن نستمتع بقراءة بعض من كتاباتك. بارك الله بك, لا تستحقين منا إلا الدعاء بكل خير.
أما عن القصة, فهي ليست من النوع السهل إطلاقا, قرأتها ثلاث مرات وفي كل مرة كنت أصل لفهم جديد لها, جميلة كجمال الصور التي فيها. أود أن أعلق على عدة أمور فيها, أولها الترابط الجميل الذي يلف هذه القصة. قد بدأتي القصة بحوار بين الراوية و زوجها, و طلبها منه أن يأخذ الساعة لإصلاحها لأنها تتأخر عدة دقائق, ثم قلت "و أوصلني هذا الحوار إلى أيدن," إذا كل ما قبل هذه الجملة هو بمثابة مقدمة للقصة, رحت أقرأ و أسأل نفسي ما الذي يربط بين حوارها مع زوجها عن إصلاح الساعة و بين تذكرها لأيدن؟ فلم يبد لي بداية أي رابط بين مقدمة القصة و ما يليها, إلى أن وصلت إلى نهاية القصة و قرأت "أدفع عقارب الساعة دفعا نحو الآتي لعله يحمل في طياته شبرا من عتبات الياسمين," و هنا علمت أنها تريد أن "تسابق الزمن" لعلها تقابل أيدن من جديد!! الأمر الثاني الذي لفت نظري في هذه القصة هو مفرداتها. صحيح أن القصة قصيرة نوعا ما, إلا أنك استخدمت كلمات تحمل معان إضافية للقارئ, من أمثال: "استدرجني كعادته", "كنت دائما", فكلمة "كعادته" تصف لنا زوج الراوية نوعا ما, بكلمة واحدة, و هذا هو الإيجاز.
الأمر الثالث هو كثرة استخدام إشارات الاستفهام في القصة, و هذا يعني وجود نوع من الحوار مع النفس أولا و مع القارئ ثانيا, حتى أنه في إحدى الأسئلة فإن السؤال موجه إلى القارئ مباشرة: "هل سبق أن رأيتم قتيلا يحتضن قاتله؟" أعتقد أن هذا النوع من القصص يشد القارئ أكثر تجاهها, فهو عندما يقرأ الأسئلة الموجهة له يجد نفسه "جزأ" من هذه القصة, فيكون له رأيه الخاص فيها. "أهو الحاسة السادسة؟ أم قداسة الحرية الشخصية و الاستقلالية؟ أم الخوف من المجهول؟" كل هذه الأسئلة ما هي إلا حوار مع الذات من جهة و مع القارئ من جهة أخرى.
النقطة الأخرى التي أود الحديث عنها هو "الغموض" الذي يلف هذه القصة. فالقصة قصيرة جدا و من الطبيعي ألا تذكر فيها كل التفاصيل, إلا أنها مع ذلك أعطت رؤوس أقلام لما حدث, و هذا ما تحث عنه Roman Ingarden بمصطلحيه "Spots of Indeterminacy" و "Schematized Aspects" في عمله
The Literary Work of Art , على سبيل المثال لم تذكر الراوية الحوار الذي دار بينها و بين أيدن, لكنها أعطت معطيات معينة حددت فيه الإطار العام للحدث , و بهذا ترك للقارئ أن يتخيل الحوار ولكن لم يعط الحرية كاملة, خياله مقيد بالمعطيات التي وضعتها الراوية في قصتها.
الأمر الأخير, و آسف جدا للإطالة, هو بعض التناقضات الخفيفة التي وجدتها في القصة. فلا يجب أن ننسى أن الراوية متزوجة, و السؤال الذي حيرني هو ما طبيعة علاقة الراوية بأيدن؟ و لماذا سألها زوجها "أولم تقلقي لمرور نصف قرن على خيبتك؟" إذا لماذا مثل أيدن "خيبة" للراوية؟ فقد وصفت الراوية قبولهم بإبقاء أيدن معهم بقولها : "وانحنينا للرياح إذ هبت تعاكس ضمائرنا", تقول الراوية "تعاكس ضمائرنا" مما يعني أن ضميرهم يقول بأن لا يوافقوا على طلب أيدن البقاء عندهم .. إذا لماذا تريد الراوية أن "تسابق الزمن" علها تلتقي أيدن من جديد؟ : "أدفع عقارب الساعة دفعا نحو الآتي لعله يحمل في طياته شبرا من عتبات الياسمين.." كل هذه التساؤلات ما هي إلا دليل على حالة من التخبط تعيشها الراوية , صراع مع النفس, "شرخ بين الذات و الذات".
د. سلوى الوفائي نتمنى دائما أن نقرأ لك المزيد من إبداعاتك الجميلة .. تقبلي مروري