لكن يدَ الخيانة امتدت إليهِ، لتُرَجِّحَ في مشروعِه الشهادةَ على النصر.
ذلك الرجلُ الذي ارتقى الرتبَ العسكرية طوال تسعة عشر عاماً من تاريخِه العسكري، وتولى قيادة الجيوش في أشد مواقع القتال ضراوةً على امتداد سنوات الحربِ العالمية الأولى.
كانَ رجلاً قد تمرَّس في فنون الحرب طوالَ أعوامٍ خاض فيها معارك عديدةً في القفقاس والدردنيل والنمسا ومكدونيا ورومانيا والأناضول خلال مجريات تلك الحرب.
كان على قدرٍ كبيرٍ من الوعي السياسي، حيث تسلّمَ العديد من المناصب السياسية في منطقةٍ هي من أهم المناطق التي دارت حولها صراعاتُ تلكَ الحرب.
من رئيسٍ لأركان حرب إلى مستشارٍ عسكري في أولِ حكومةٍ عربيةٍ مستقلةٍ لبلدِهِ الذي كان لتوِّهِ قد تحرر. إلى وزيرٍ للحربيةِ في حكومة دفاعٍ وطني تم تشكيلُها على عجلٍ بعد أن لاحتْ في الأفقِ المكائد.
هو كبيرٌ بقدْرِ ما يُتَصَوَّر ..
فقد نالَ العديد من الأوسمةِ والنياشينَ بأقلِّ مما كان يستحق. وكانت الترقياتُ والمناصبُ لا تعنيه بقدْرِ ما كانت تعنيه سلامة وطنهِ، المشتاقِ إلى الحرية، وحصانتُه. ولما كثُرَتِ الأكاذيبُ في وعودِ الشياطين، حتى أصبحتْ كزبد البحرِ خواء. ولما أصبحت جيوش الغاصبِ على أبواب الوطن، بعد أن أبَتْ كرامةُ الوطن الرُّضوخَ لإنذارِهم.
قرر أن يقاوم ..
ليس عبثاً كانَ ذاك القرار.
فقد درَس إمكاناتِه بواقِعِ جيشٍ منحلٍّ ليس من السهلِ إعادة تنظيمِه، وبواقع العاجلِ من ظروفِ التهديد الوشيك بالغزو .. وبإطلالة بارقة أملٍ بلملمةِ شبابٍ متطوعين .. ربما راهنَ على حماستِهم لكنه لم يراهن على انقيادهم وانضباطهم في معركة خُططَ لها على عجل، وبحكم ما تراكم لديه من خبراتٍ عسكرية.
فقد أحكمَ خِطَّةً عسكريةً مدروسةً ترمي لإيقاع أشد الخسائر بطلائع الجيش الغازي، حتى ولو كلَّفَ ذلك بذل الأرواح.
فإن حصلَ ما خطط له، عمَّتْ أخبارُ النصرِ أرجاءَ الوطن .. وتقدَّمَ من شكَّكَ بإمكان المواجهة، ليواجه ..
والحميةُ تحِّومُ فوق الرؤوس ..
وما النصرُ عندئذٍ إلا من عند الله .. وبذلك قد آمن.
كانَ على مسيرة الغزاة ممرٌ جبليٌّ ضيِّقٌ لا بد لهم من اجتيازه .. يسمى وادي القرن. وكان لدى قوّاتِهِ من الذخائر والمتفجرات ما يكفي لزرعِ ذلك الوادي بالألغام. وهذا ما حصل، ولكن ..
عندما أتتِ اللحظةُ الحاسمة، وأعطى أمرَهُ بقدحِ زناد التفجير ...
كانت الأسلاكُ قدْ قُطِّعَتْ
اللهُ أكبر .. أيُّ خذلانٍ ذاك!!
اللهُ أكبر .. تبَّتْ يدُ الجُهلاء!!
اللهُ أكبر .. والعزمُ للرجال ..
ولأنه ليس من عادة الرجالِ الانكسار ..
هبَّ إلى القتالِ مع ثلَّةٍ قليلةٍ من جنودِه .. والخيبةُ تسدُ عليهم دروبَهم إلا دربَ الشهادة ..
فتضرَّجتِ التراباتُ بدمائهم، وارتقتِ الأرواحُ إلى بارئها .. معلنةً للدنيا بأسرِها أن لا شيء يساوي كرامة الوطن.
ما تزالُ دماؤك يا سيدي .. لمْ تجفَّ بعدُ .. تُعطِّر كالمسكِ بِطاحِ ميسلون
انا بشكرك كتير دكتور عاللفتة الكريمة لاننا بحاجة لذكر ابطالنا الشرفاء لنبقى دائما على دربهم ونكمل ما بدأوه على طريق العزة لنحيي معا بطل ميسلون الكرامة الدكتور طاهر سماق, لك مني كل التحية
ليس هذا البطل يوسف العظمة إلا أنموذجاً لأبطال استشهدوا فداءً لتراب الوطن.
القصة كانت سرداً وخلت من الحوار، وقد تدرج الأحداث فيها شيئاً فشيئاً .. فأنت وصفت بطلك ثم تدرجت في الحديث عن طبيعة المعركة والتجهيزات حتى وصلت إلى اللحظة الحاسمة التي تغير فيها كل شيء.
صورك الفنية أضفت جمالية إلى النص فقد قربت البعيد وأوضحت الفكرة.
قصة لطيفة، ولكن أظنّ أنك قد تحمل لنا الأفضل . شكراً لك.
شكراً لحسام طالب .. وشكراً لمشرفتنا الكريمة عاشقة العربية .. هدى دائماً تحثين فيَّ العزم وتشحذين العزيمة أخت هدى وقعت المعركة في 24/7/1920 لقد سار إلى جبهة ميسلون كقائد للمجاهدين لا كوزير حربية وخاض معركة استشهادية لم يكن منصبه يلزمه على خوضها، لكن إيمانه وصدق إخلاصه لوطنه وسمعته وشرفه وكرامة أمته، كل ذلك دفعه إلى خوض معركة الشهادة يوم السبت 24 تموز 1920م، فكان من أول شهدائها حيث روى بدمه الطاهر أرض ميسلون وانتقلت روحه الطاهرة إلى عالم الخلود، ودفن حيث وقع، وأقامت له أسرته ضريحاً على شكل القبور الإسلامية وكتب عليه بالعربية فقط: يوسف العظمة وزير الحربية في 7 ذي القعدة سنة 1338 هجرية
اغرورقت عيناي ..... فدماؤه لم تجفَّ بعد
(تذاكر الوزراء وبعض رجال الجيش في حضرة الملك بمطالب الجنرال غورو ودار حوار شديد بينهم وبين وزير الحربية الذي كان يرى في جيشه المتحمس الكفاءة للدفاع المقصود، وأبان لهم أنه إذا سرح الجيش فإنه لن يعودَ بالإمكان جمعه ثانياً. وأظهر الملك والوزراء رغبتهم في المسالمة دفعاً لخطر الاستيلاء وقرروا قبول مطالب الجنرال غورو برمتها. فخالفهم بذلك وزير الحربية يوسف العظمة ورفض الاشتراك بتوقيع هذا القرار. وانسحب من المجلس.
أجاب الجنرال غورو على برقية الملك المتضمنة قبول مطالبه بأنها وصلته بعد فوات الوقت، وأن الحملة زحفت ولم يعد في الإمكان إرجاعها عن عزمها لعدم وجود الماء الكافي في الطريق، وتعذر استضافة الجنود عند إيابهم في القرى الحقيرة الواقعة على جانبي الطريق وهذا الجواب جعل الملك والوزراء تجاه أمرين: فإما القبول بدخول الجيش الفرنسي العاصمة وإما الدفاع عنها. وتذاكروا في حضرة الملك وعادوا فرجحوا فكرة الدفاع بعد ثلاثة أيام من فض الجيش وتسريحه وإخلاء الكتائب من معظم جنودها ورفضوا مطاليب الجنرال غورو بأجمعها مؤملين بسد الفراغ الذي أحدثه التسريح بما تعهد به زعماء البلاد من ألوف المتطوعة. أما وزير الحربية الذي اعترض على تسريح الجيش، فقد اعترض الآن على هذا التقرير أيضاً لضيق الوقت من التمكن من جبر النواقص التي أحدثها القرارالأول وقال: إنه يستحيل جمع الجنود من متطوعة وغيرها خلال هذه المدة والعدو على الأبواب وإنما تعهد الزعماء والرؤساء بجلب ألوف المتطوعة في غضون هذه المدة جعل الملك وسائر وزرائه يعتقدون بإمكان ذلك ويضغطون على وزير الحربية بدعوى أن الوقت وقت حمية ينبغي لها التضحية والمفاداة فاضطر لمجاراتهم على أن يفادي بنفسه وهكذا كان.
أما جلالة الملك الذي قبل بادئ ذي بدء بالوصاية ثم عدل إلى المقاومة ثم عاد إلى المسالمة. فقد ظهر الآن بمظهر المجاهد الفادي وذهب بنفسه إلى الجامع الأموي وخطب في الناس حاثاً على الجهاد وقال: ها إنني ذاهب أمامكم فإن قضيت نحبي يمكنكم أن تجدوا من يقوم مقامي، أما الوطن فإنه إذا دخل تحت نير الاستيلاء فلا تستطيعون إنقاذه ولا بشق النفس. انتشرت كلمة التطوع في جميع البلاد السورية وظهر الحماس وأخذ القوم يطوقون الأسواق والشوارع مدججين بالسلاح والذخائر ويتهوسون للطعن والضرب، وإنما قادتهم كانوا يضلونهم السبيل بدلاً من أن يأخذوهم إلى الثكنة أو يرسلوهم إلى مقر الجيش في ميسلون وكانوا يقتصرون على الطوائف والتظاهر في الأسواق فقط. وبعدما يتجاوزون شارع النصر يعيدونهم من حيث أتوا بحجة وداع أهلهم وذويهم.
ذهب وزير الحربية إلى صحراء ميسلون المشرفةعلى وادي القرن وأخذ يعد المعدات وينتظر ما وعد به من النجدات وثابر على عمله بثبات وعزم ورباطة جأش إلى أن أزفت الساعة. لم تكن القوة الموجودة لديه تبلغ الألفي رجل عداً. ولم يصل إليه من النجدات التي وعد بها سوى نحو ثلاثمائة فارس من حي الميدان وبضعة رجال من متطوعة دمشق، بينهم الشهيدان المحترمان الشيخ عبد القادر كيوان والشيخ كمال الخطيب اللذان وقعا في أيدي الفرنسيين وأكرهوهما على حفر قبريهما بأيديهما وأنزلوهما فيهما وهما حيان ثم أطلقوا عليهما النار وقتلوهما رحمهما اللـه. )
لو كان الأمر معكوساً ماذا كان سيفعلُ الفرنسيون بنا .. على قتل وزير حربيتهم ودفن بعض جنودِهم أحياء؟؟؟؟؟؟؟؟
You cannot post new topics in this forum You cannot reply to topics in this forum You cannot edit your posts in this forum You cannot delete your posts in this forum You cannot post attachments in this forum